في مكتبة الباحث التراثي باسم عبد الحميد حمودي:أكتب حالياً عن أوراق نوري السعيد

في مكتبة الباحث التراثي باسم عبد الحميد حمودي:أكتب حالياً عن أوراق نوري السعيد

حاورته / زينب المشاط
تصوير / محمود رؤوف
التاريخ هناك، لم اتتبع خطى مُضيّفي، بل تتبعت عطر التأريخ، وألقه المنبعث من هناك، من تلك الغرفة التي تقع في وسط المنزل، والتي تتميز بجمال إطلالتها، فالهدوء والراحة ينبعثان من جميع زواياها، الكتب تحيط بأركان الغرفة، برفوف متراصة الواحدة فوق الأخرى، ركن كامل يتضمن كتب التراث الشعبي بعضها عراقية وأخرى عربية،

وأخرى مأخوذة عن كتّاب غربيين ومترجمة عنهم، وركنٌ آخر عريض جداً يحتوي على كتب التأريخ، ما مرّت به هذه المدينة، تأريخ لغتها، وثقافتها، وحيواتها، ذاكرتها السياسية والاجتماعية، تأريخ الأماكن والأحداث، حتى سواقي المياه والشوارع والحدائق العامة في هذه المدينة لديها تأريخٌ وحكاية.
مُضيّفي يشبه مكتبته تماماً، فهو حلو الحديث كما هي مكتبته رحبة وحلوة السُكنى، هادئ كحكايات العشق، وعميق بعمق الأحداث التي تحيط بالمدينة والتي تنتفض من بين سطور الكتب، والرفوف التي تحتويها، مشرق كما الغد الذي ينتظر كل من يقرأ هذا الكم من الكتب، ويحمل الكثير من الخبايا كتلك التي يحملها تراث المدينة، لم يكتفِ بوضع كل ما يملكه من ثروة في هذه المكتبة، بل خلق لها ثروة جديدة ألفها هو، فنجد إلى جانب ركن صغير، خانة طويلة من الرفوف التي تحتوي على الكثير من مؤلفات مُضيّفي....
ولو نويت أن ابقى هناك لفترة طويلة، لتعرفت على أبطال المدينة وحكاياتهم، وعلى ألعاب المدن الصغيرة، والأطفال الصغار عبر التأريخ، وعلى أحداث اذهلتني عن مدينتي التي غلفها الحزن اليوم، ولكن لم يحالفني القدر أن أبقى سوى ساعات قليلة للحديث عن هذه المكتبة الغنية، حين زارت (المدى) مكتبة الباحث المختص في التراث الشعبي والتأريخي والكاتب والناقد والصحفي باسم عبد الحميد حمودي للحديث عن مكتبته.

- بعد أن طفنا حول الكتب وتصفحنا عدداً منها، سألت مُضيّفي كم عمرك؟ لأعرف كم قضى منه في قراءة هذه الكتب؟
• انا الآن في الثمانين من العمر، وقد قضيت نحو 73 عاماً في قراءتي للكتب، واستمريت في هذه الرغبة وهي قراءة الكتب، أذكر أن والدي كان يشتري مجلة تسمّى"الهلال"وهذه المجلة مصرية تحمل بين صفحاتها صوراً لكبّار"بشوات، وبيكوات"مصر، كنت اقوم بقص تلك الصور، وجمعها وأعزل صور"البشوات"جانباً، وصور"البيكوات"على جانب آخر، وحين لاحظ أبي ذلك، عاقبني على فعلتي.
- إذاً كانت قراءات باسم عبد الحميد حمودي منذ سن مبكرة، تُرى ما هو نوع الكتاب الذي اختاره صبي بعمر صغير؟ سألت حمودي عن الكتاب الأول الذي اختاره لقراءته؟
• نعم كان كتاب في مكتبة والدي بعنوان"مذكرات دجاجة»، للدكتور اسحق موسى الحسيني، وهو يتحدث عن معاناة الدجاجة مع البشر وكنت في التاسعة من عمري، وبعدها ظهرت"مذكرات حمار"لخوسيه ماتيو، وأيضاً يتحدث عن معاناة الحمار مع البشر، وهناك كثير من القصص والروايات التي تجري في هذه الكتب بين الحيوانات والبشر، وظهرت قصص"اللص الظريف"وهو مكتشف الجرائم وهي قصص بوليسية، قام كاتبها بكتابة حوالي 100 رواية، ومقابلها كتب"شارلك هولمز»، ومن هذه الطريقة بدأت القراءة.
- بعد معرفتي لبدايات حمودي مع الكتب، سألته عن مؤلفاته والتي تحدّث عنها كثيراً بين بدايات، وسير، وبحوث سواء في المجال القصصي أو التأريخي أو التراثي، بماذا كانت تبحث الكتب التي ألفتها؟
• عملت بحوثاً في جانب التراث الشعبي تخص السيرة الهلالية، وكان كتيب بعنوان"الزير سالم"وهو بداية إشارتي وبحثي في هذه السيرة، ثم أدخلت فيها الجانب العراقي في هذه السيرة، حيث كان الهلاليون المنحدرون من تونس يطردون في كل مدينة ينزلون بها، وبهذا يقومون بقتل الحاكم الظالم في هذه المدينة ويجلبون مكانه ملكاً آخر، اما في العراق، فقد استقبلهم حاكم العراق عامر الخفاجي وكرّمهم وعشق إحدى نسائهم، وهنا تحدثت عن تجربة الخفاجي في السيرة الهلالية.
- لم نزل ضمن حدود مؤلفاتك من الكتب لأسأل ما هي الكتب التي حصدت جوائز من ضمن مؤلفاتك طبعاً؟
• كتاب"التراث الشعبي والرواية العراقية"هذا الكتاب حصل على جائزة الإبداع في عام 1992، وهو كتيب صغير يبحث في الروايات العراقية التي اهتمت بالتراث الشعبي، ومنهم الكاتب علي خيون، الذي كتب عن بلقيس والهدهد وغيرها من الموضوعات، أما باقي الكتب، فلم تحصل على جوائز واكتفي بالإشادة بها.
- كتب تأريخ، وتراث شعبي، وأخرى للنقد والقصة، وغيرها، كل هذه المجالات تُرى أيُّها أقرب للكاتب، سألت مُضيّفي عن أيّ كتبه أقرب إليه؟
• اول كتاب ألفته كان بعنوان"القصة العراقية"وأعده من أهمّ كتبي في النقد الأدبي، ألفته عام 1961 ويتحدث عمّا سبق التجربة الستينية، وهو مهم لأنه رسّخ وجودي كناقد، ويعتبر هذا الكتاب كتاباً مرجعياً ولا يوجد مؤلف عراقي يكتب في مجال النقد من دون أن يمر على هذا الكتاب، وقد تناولت خلاله الحديث عن قاصين عراقيين أمثال محمود أحمد السيد وعبد الملك نوري وغيرهما.
أما الكتاب الثاني، فهو عن التراث الشعبي ويمثّل"خلاصة تجربتي في التراث الشعبي"وهذا يتضمن العديد من البحوث التي استندت لها خلال تجربتي، وهي بحوث تتحدث عن الكتب والموضوعات التي يتحدث عنها عدد من الشخصيات والقضاء العرفي والقبيلة العراقية وتجربتها الفولكلورية، إضافة الى ذلك شخصيات فولكلورية، كشيبوب وحمد آل حمود، وتجارب كتّاب عراقيين في التراث الشعبي، كمصطفى جواد وغيره، إضافة الى الحكواتي الذي تحدثتُ عن دوره في تنشيط الرواية الشعبية.
كتاب آخر، أعده مهمّاً لي، وهو يتحدث عن التجربة الستينية في الكتابة مابعد عام 1961 وحتى الثمانينات من القرن الماضي، وهو بعنوان"رحلة مع القصة العراقية».
- تعرفنا إلى أهمّ الكتب التي ألفتها وأيُّها أقرب لذاتك، فما هي الكتب الأهم التي اطلعت عليها وهي لمؤلفين وكتّاب آخرين، وقد عددتها ظاهرة من بين كثير من الكتب التي مرّت عليك؟
• نعم توجد الكثير من الكتب التي عددتها عظيمة بما جاءت به ومهمة جداً، ولكن لا يوجد في الحياة شيء"أفضل"فدائماً ما يظهر الأفضل منه، إضافة الى أن تقييم الأفضل بكل زمان يختلف عن سابقاته، هنالك كتاب بعنوان"التعبير الموسيقي"للدكتور فؤاد زكريا ويتحدث الكتاب عن دور الموسيقى في الذائقة، وأيضاً كتاب"أسرار الموسيقى"لعلي الشوك، رغم أني اعدّ تجربة علي الشوك مهمة جداً، إضافة الى أن كتابه هذا مهم جداً في التجربة الموسيقية.
أيضاً"قصة الحضارة"لديورانت، هو كتاب مهم ومرجعي، إضافة الى ما تناولهُ محمد رجب النجار، في كتبه عن العيّارين والشطار وجحا العربي وكتب محمود الجوهري، الذي ألف موسوعة في التراث العربي، إضافة الى كتّاب وأساتذة آخرين كتبوا في هذا المجال.
- لنعود للتخصص في مجال الكتب ونتساءل، ما هي أهمّ قصة أو كتاب قصصي عراقي قرأتهُ؟
• كثيرة هي القصص العراقية المهمة، سابقاً وحتى الآن مثل قصة"المملكة السوداء"لمحمد خضير، وقصص الكاتب خضير عبد الأمير، وعبد الرحمن الربيعي، وحالياً قصص حنون مجيد، تعتبر مهمة ومميزة، إضافة الى حميد المختار وعبد الستار البيضاني.
- لم اكتفِ بسؤالي عن القصة، وتطرقت إلى أهم الكتب المُختصة بالتراث الشعبي العراقي؟
• التراث الشعبي العراقي، مع شديد الأسف، لم يُحترم، ولم يجد الاهتمام الكبير به من قبل الدولة، حيث ظهر عدد من الكتّاب المهتمين بالتراث الشعبي في الستينات من القرن الماضي، وصدر كتاب"مدخل الفولكلور العراقي"لعبد الحميد العلوجي ونور الراوي وغيرهما، بدأوا يؤسسون لمشروع تراثي، لكنهم لم يجدوا العناية والاهتمام، كما ظهر اليوم عدد من المهتمين في مجال التراث، مثل حسين علي الجبوري، والذي كتب عن القبلة في التراث الشعبي والسحر أيضاً، وكاظم سعد الدين الذي كتب عن الرواية الشعبية، وقاسم محمد عباس وآخرين.
- التاريخ، القصص، النقد والتراث الشعبي، هذه مجالات اهتمامك من الكتب، هل هنالك كتب تهتم بها خارج هذه التخصصات؟
• نعم بالتأكيد، حتى أنني كتبت عدداً من المسلسلات الإذاعية، كشيء بعيد عن مجالات اهتمامي، ولكن كما تعلمين، أن الاختصاص أي كتب التاريخ والتراث الشعبي، تبقى ذات أولوية ضمن اهتماماتي.
- ما هي المقاييس التي تستند إليها لاختيار كتبك؟
• من المؤكد حين أرى أيّ كتاب قريب من مجال اهتمامي وميولي وتخصصي سأقتنيه بلا نقاش.
- أين تقع المؤلفات النسوية من الكتب من بين مجالات اهتمامك؟
• لطفية الدليمي وميسلون هادي وهدية حسين، يشكلن الصدارة في قراءاتي للكتب النسوية.
- تحدّث لنا عن كتب التأريخ وأهميتها عراقياً، وهل لديك جديدٌ في مجال التأريخ؟
• التاريخ العام يقدّم خدمة ومعلومات للبشرية ليتمكنوا من خلالها توظيف الفنون الأدبية الأخرى، فالكاتب لونغرنك، كتب كثيراً عن التاريخ والفترات المظلمة التي مر بها العراق في كتاب بعنوان"أربعة قرون من تاريخ العراق"ومهّد من خلاله لتجارب أخرى، ومن أهم الكتاب الذين كتبوا أيضاً في مجال التأريخ وطبعاً في مقدمتهم طه باقر، هم نجدة فتحي صفوة، ومصطفى جواد الذي كتب عن التأريخ العباسي والأموي، ونوري عبد الحميد وجعفر الخياط الذي كتب وترجم أيضاً في مجال التأريخ.
أما فيما قدمتهُ أنا، فحالياً أعمل على كتابة رسائل نوري السعيد، أو أوراق نوري السعيد، وأعمل على هذا الكتاب، لأن السعيد ظُلم كثيراً تأريخياً، هذا الرجل وثّق كل عمل يقوم به، من خلال مواقف كثيرة منها"ذهابه الى مكة في زمن الملك مسعود، والذي أخرج الحجازيين من مكة، وذهب السعيد له، لأنه كان لديه أسرى عراقيون، وكتب رسائل له وبقي في مكة رافضاً الخروج منها والعودة الى العراق لحين حصوله على موافقة الملك، وأطلق سراح الأسرى.
موقف آخر لتاريخ نوري السعيد، الذي لم يهتم سوى بمصلحة البلاد، حين ذهب إلى شاه ايران، وكان الشاه قد أخذ مخافر عراقية وأخذ معها أسرى عراقيين، فذهب السعيد مع وزير الخارجية لإيران واتصل بهم، واستقبلته الحكومة، وقال لهم: أنا حاضر للقاء الشاه فقط، وحين حضر الشاه قبّل السعيد يده خدمةً لمصالح البلد، وهنا قال له وزير الخارجية: لماذا تقبّل يد الشاه وأنت رئيس دولة أيضاً؟، قال له: ابنائي وجنودي مسجونين لديه، وإن كلّف الأمر سأقبّل قدمه.
نوري السعيد كان داهية سياسية، وكان ذا توجه قومي، ولكن لم يرضَ تزعم مصر للبلاد، لأنه يعتبر العراق هو المتسيّد.
- حسناً لنتحدث سريعاً عن الكتب الآن، هل اخترت كتاباً يوم ما، وحين وصلت لمرحلة أكثر نضجاً فكرياً ندمت على اختياره؟
• نعم هنالك شخص يُدعى السيد حامد النسال، كتب كتاباً بعنوان"القصة العربية"وحين اطلعت على الكتاب كان يتحدث عن القصة المصرية فقط ولا وجود لما يخص التجارب العربية الأخرى، وهذا كان كتاباً غير موضوعي.
- مكتبتك مملوءة بالكتب، هل قرأت كل ما تحويه من كتب أم أن هنالك كتباً لم تقرأها بعد؟
• لا يوجد كتاب في مكتبتي لم أقرأه، جميع الكتب التي ضمن حدود هذه المكتبة هي كتبٌ مقروءة.
- هل هنالك كتب تمنيّت لو تضمُّها لمكتبتك ولكنك لم تتمكن من ذلك؟
• الكتاب الذي تمنيّت شراءه هو موسوعة دستوفسكي، بسبب كبرها وغلاء ثمنها، لم اتمكن من شرائها سابقاً ولم اشتريها حتى الآن، وأيضاً كتاب"قصة الحضارة"وأيضاً لم اشتريه في وقتها لضيق ذات اليد في ذلك الوقت.
- اختر لي كتاباً من مكتبتك وحدثّني عنه؟
• حكايات بغدادية، كتاب تراث شعبي أحبّ الحديث عنه، جمعه الدكتور داود سلوم للأب الكرملي، وهو صاحب لغة العرب وجمع حكايات شعبية لنساء بغداديات باللهجة العاميّة، التي كانت في بغداد لهجة قريبة من لهجة الموصل، عن مكر النساء والرجال وهي حكايات تمثّل شيئاً من روح العراق، وداود سلوم جمع الحكايات وفصحها، وكان اسم الكتاب بالأساس"التفتاف»، وأنا اقرأه بين الفترة والأخرى، ويعدّ من الكتب المهمة التي أحاول العودة لها.
الكتاب الثاني هو رواية"رياح شرقية رياح غربية"وهي رواية مظلومة لم يهتم بها النقّاد اهتماماً كبيراً، ويتحدث عن تجربة الموظف العراقي في الشركات الأجنبية في البصرة، وكذلك عن فترة من تأريخ البصرة بهذه الطريقة.
- أخيراً هل تمنيّت أن اسألك عن كتاب ما؟
• لا اعتقد انك نسيتي أي شيء يخص الكتب، ولكن كان من الممكن أن نتحدث عن كتب الفولكلور، كتّاب الفولكلور، ككاظم سعد الدين وحسين الجبوري اللذين كتبا عن الألعاب الشعبية، وعبد المحسن السوداني الذي كتب عن الألعاب الشعبية بالعمارة، ويونس السامرائي كتب عن الألعاب الشعبية في سامراء، وآخرون كتبوا عن البصرة وغيرهم أمثال عامر رشيد السامرائي ومحمود العبطة وحسين الجبوري وغيرهم الكثير.