تحقيق/ صابرين علي
اجراءات حكومية خجولة وترقيعات لاتسمن ولاتغني عن جوع ووعود لا تتعدى صداها ، هذا هو المشهد الاسكاني في ظل ازمة متفاقمة وانتظار على قارعة الطريق .
(المدى الأقتصادي) تعود هذه المرة لتستقصي في الاسباب الحقيقة التي تجعل هذا المشهد راكداً في ظل المطالبات الجماهيرية والانتظار الممل من قبل مستحقي السكن عبر التحقيق التالي :
محدودية القدرة الوطنية :
قال الدكتور أحمد ابريهي نائب محافظ البنك المركزي : أن المشكلة الأساسية تكمن في محدودية مجموع القدرة الوطنية على الإعمار ، وبتعبير آخر أن كل مايمكن للعراق تحقيقه لمختلف الأغراض والمجالات فأن مايكون من حصة الاسكان وإمكانية التعمير سوف لاتكفي لمعالجة أزمة السكن .
واضاف ابريهي : كان من المفروض أن تتجه السياسة الاقتصادية نحو جانب العرض والأبداع فيه الذي نعني به أولاً النهوض السريع في صناعة المواد الانشائية بكافة عناصرها وادخال تقنيات جديدة لخفض التكاليف جذرياً
والمباشرة بتأسيس شركات كبيرة متخصصة في البناء والتشييد ومنضمة ولها رؤوس أموال كبيرة وتستخدم التقنيات الحديثة ، فضلاً عن تأسيس عدد من الشركات العقارية التي تتوسط بين المصارف ومصادر التمويل من جهة وشركات البناء من جهة أخرى .
وكذلك لابد من الوصول الى وضوح تام بأن المصدر الأساسي لتمويل السكن هو الادخار العائلي في نهاية المطاف لأن القروض التي تقدم من قبل المصارف أوالجهات الأخرى سوف يقوم الفرد بتسديدها لاحقاً
ومن هذا المفصل نعرف أن العلة بين مشكلة السكن وقضية النمو الاقتصادي في العراق هي ارتفاع متوسط الدخل للفرد .
وأن الأمر الخطير والأكثر تأثيراً هو التواطؤ في إهمال السبب الرئيسي بين الاستثمار في البنى التحتية والخدمات والسكن .
وتابع ابريهي : أن التنمية العمرانية ليست قابلة للتجزئة فان وجود المساكن التي تزهق بالمياه والتي تخلو من أبسط الخدمات كعدم وجود مياه صرف صحي أو مياه نظيفة أو شوارع معبدة أو مراكز للشرطة فكل هذه الأمور من شأنها خلق عناصر بصفتها تؤسس نظاماً موحداً هو بحد ذاته يمثل مشكلة كبيرة أكبر من مشكلة السكن نفسها.
القطاع الخاص ليس وحده :
من جهته قال الخبير الاقتصادي ماجد الصوري : أن مسألة السكن متشعبة كثيراً وواسعة وحتى بعد مرور ثماني سنين أخرى لا نصل بها الى حلول مركزة يمكن الاعتماد عليها فهي لا تعد مجرد أزمة سكن لوحدها بل هي مرتبطة بأمور كثيرة كاحتياجها الى امكانيات ومعدات كبيرة .
وأضاف الصوري : أن الاعتماد على القطاع الخاص ومصادر التمويل ليس هو الحل الأمثل لها ، فالحلول التي تطرحها الحكومة لا تتناسب مع وجود حل فعلي لهذه الأزمة المتفاقمة .
وتابع الصوري :أن هذه المشكلة ذات أبعاد مختلفة لأنها تتعلق بالطبقات الفقيرة والمتوسطة وتوفير أرضٍ سكنية وتمويل وتخصيص عمراني لها ،فيجب أن ينظر اليها نظرة شاملة وواسعة من قبل الحكومة فلا يمكن الاعتماد على القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي لوحده في حل هذه المشكلة المرتبطة بكل فئات الشعب العراقي .
دور مؤسسات التمويل :
من جهة أخرى قالت الدكتورة أكرام عبد العزيز:أن من المفروض أن يكون دور كبير لمؤسسات التمويل في هذا الجانب كونها الجهات الداعمة لحركة البناء والاعمار في العراق وكما هو معمول به في الدول الأخرى ،حيث أنها تقوم بدعم المواطن والمستثمر الذي يروم ببناء مجمعات سكنية وتدعيم حركة النشاط العمراني .
وأضافت عبد العزيز :لقد كان المصرف العقاري هو المؤسسة الوحيدة المعنية في هذا الجانب في الخمسينيات من القرن الماضي والى غاية عام 2003 التي تعثر فيها في أداء مهامه بسبب قلة رأس المال الموجه نحو أغراض التمويل والبناء .
وتابعت عبد العزيز : أن صندوق النقد الدولي قدم قروضا ميسرة ومبالغ من خلالها يمكن بناء سكن للمواطن ،وأن ضيق ومحدودية رأس المال المتوفر في إمكانية إيجاد الحلول بالمقبل تحتاج الى خبرات وتمويل وتوفير مستلزمات لنجاحها .
وبينت عبد العزيز : بامكان المصارف الخاصة حل أزمة السكن اذا ما تدعم القرض مع مراعاة الضمانات التي تسمح بالمرونة فهي ضمانات تعجيزية بالنسبة للمواطن وصعبة لا تمكنه من التعامل معها ، ففي دول الخارج يكون هناك تعاون بين المقترض والمؤسسة المقرضة ووجود فن للأقراض فهي مؤسسات تتمتع بالقدرة على التمويل والسيولة المالية وحسابات للكلفة الاجتماعية وهذه الأمور من شأنها تجعل منها مؤسسات ناجحة .
وأشارت عبد العزيز الى أن القنوات الموجودة في العراق التي يمكن أن تسهم في امكانية التنمية وتشجيع الاستثمارات كالمصارف تعاني من تغيب في الأدوات المصرفية والفائض من حجم السيولة والودائع واشاعة الثقافة المصرفية مبينة ان هذه الأمور التي تسهم في التحول بها الى اقتصاديات السوق والتشجيع على الثقافة الاستثمارية والادخارية التي تستقطب من مصادر وتكون رافداً من روافد التشجيع على الأقراض وامكانية الاستفادة منها في ايجاد الحلول المناسبة لأزمة السكن .
محدودية الدعم الحكومي :
من جهته قال الدكتور ميثم لعيبي : أن الأموال والتخصيصات التي قدمتها الدولة غير كافية ولا تشكل 10%في حل هذه الأزمة لافناً الى أنه بامكان الحكومة تقليل هذه النسبة من جهة وتساعد وتدعم القطاع الخاص لكي يقوم بالتقليل من حدة الأزمة من جهة أخرى من خلال توفير بيئة ملائمة له .
وأضاف لعيبي :أن عدم امكانية حل هذه الأزمة من قبل الحكومة فقط الأمر الذي يزيد من الحاجة الى مدة أطول من الوقت لأنها غير قادرة على استيعاب المشكلة لوحدها في الوقت الذي تحتاج به الى أموال عالية، في حين لو تم الاعتماد على القطاعين العام والخاص معاً مع توفير البيئة الملائمة للعمل في القطاع الخاص سوف تكون الحلول أسرع والأموال التي تنفق على هذا الجانب أقل .
وتابع لعيبي : أن بالإمكان ايجاد الحلول للطبقات الفقيرة والمتجاوزة من خلال توفير وحدات سكن لهم بأخذ شروط ميسرة أو قليلة الفائدة وتوفير وحدات سكنية أخرى للموظفين في القطاع والخاص والأطباء والمدرسين والأساتذة والمهندسين لأن أغلب فئات الشعب العراقي تعاني من هذه المشكلة وأصبحت تتفاقم يوما بعد يوم وهي بدورها تحتاج الى حلول سريعة من قبل الدولة لأنها متداخلة مع هذه الفئات .
من جهته قال المستشار الاقتصادي عبد الله البندر :أن أزمة السكن هي ليست ازمة محلية بل هي ازمة عالمية تعاني منها جميع المجتمعات لكنها في العراق اصبحت كبيرة وتحتاج الى حلول سريعة وجذرية ، فوجود ثلاثة ملايين وحدة لا يكفي للاعداد المتزايدة والمخصصات الحكومية لهذا المجال قليلة ولا تكفي والاعتماد على المستثمرين الاجانب في العراق ايضاً لايكفي ، مايجعل الموضوع بحاجة الى توجهات حكومية لهذا الجانب وتوفير السكن لذوي الدخل المحدود او بناء مجمعات منخفضة الكلفة .
واضاف البندر: ان الواقع العملي لهذه المجتمعات قد لا يتم لغاية عام 2015 وبالتالي ستكون الحاجة الى مجمعات اكثر واسرع للتنفيذ لان المشاريع التي تقوم بتنفيذها الحكومة الان قد تحل جزءا من الازمة وينبغي الاعتماد على جميع الوزارات المعنية.
وتابع البندر: ان اقليم كردستان افضل مثال لهذه المجمعات ولكن بالمقابل لايمكن الاستفادة من هذه المجمعات بالشكل الامثل لانها قليلة ومرتفعة الكلفة فلا يستفاد منها من قبل ذوي الدخل المحدود فيجب ان يكون ثمة توزيع في بقية المحافظات ليحقق اسعار منخفضة.
اجراءات حكومية . . لكن ؟
اشار وكيل وزارة الاسكان والاعمار استبرق الشوك الى ان اهم قرارات مجلس الوزارء تلك المتعلقة بحل ازمة السكن وتطوير قطاع الاسكان في العراق ، حيث صودق عليه لتنفيذ مشاريع استراتيجية لمعالجة ازمة السكن في المحافظات كافة .
وقال الشوك:هنالك محاور عدة لمعالجة هذه الازمة من خلال السياسة الاسكانية ، اذ عالج المحور الاول موضوع الارض وتوفيرها بينما تعلق المحور الثاني لقطاع التمويل ورسم السياسة المصرفية لغرض تمكين المواطن من شراء الوحدات السكنية من المستثمرين او تشييد الاراضي التي يمتلكها المواطنون وكان المحور الثالث يختص بالمواد الانشائية المستخدمة وتشجيع الصناع الوطنية وتوفير المواد الانشائية المطابقة للمواصفات العالمية،واختص المحور الرابع بالبنى التحتية المطلوبة بالمجمعات السكنية.
وقال الشوك: ان وزارة الاعمار والاسكان هي الهيئة القطاعية التي تقوم بالتنفيذ والتنسيق مع الوزارات الاخرى لغرض تنفيذ هذه السياسات حيث هنالك لدينا 34 مجمعا في عموم محافظات العراق واطئة الكلفة شمل به ذوو الدخول المحدودة والموظفون والمهجرون وقد تم الاعلان حالياً عن خمسة مجمعات خلال عام 2011 حيث اعلن عن تنفيذ ثلاثة مشاريع والباقي يتم اكمالها خلال شهر مايس.
واوضح الشوك: ان اللجنة العليا للاسكان ووزارات الاسكان والتخطيط والصناعة تعقد اجتماعات دورية لبحث ازمة السكن وتقديم المقترحات لمعالجتها مشيراً الى أن علاقة وزارة الاسكان بهيئة الاستثمار هو لتدقيق امكانيات الشركات المستثمرة التي تقدم للاعمار والبحث عن طرقها وادواتها المستخدمة مؤكداً مناقشة ما قدمته الشركات التركية وباقي الشركات مشيراً الى وجود 100 وحدة سكنية توزع على المحافظات بحسب الحاجة لها وتم تنفيذها من خلال الهيئة الوطنية للاستثمار.
أساليب للتمويل :
قال مدير مركز تطوير رجال الاعمال عبد الحميد الحلي: هنالك نوعان من التمويل، الأول يتمثل بالإقراض الشخصي للموظفين او القطاع الخاص ومخصص باعادة تأهيل المساكن ، اما النوع الثاني من القروض هو لمشاريع الاسكان وبشكل عام فالقطاع المصرفي مازال يعاني من الضعف فهو ليس بالشكل الذي ينمي المشاريع الاستثمارية وينهض بها.
واضاف الحلي : ان القطاع الخاص لايتمتع بامكانيات واسعة تمكنه من تمويل ودعم هذه المشاريع الاستثمارية الكبيرة التي تحتاج الى مشاريع كبيرة وباهضة فينبغي ان يكون هنالك تنسيق بين هذه المؤسسات بأكملها وان تعتبر قطاع الاعمال جهة مساعدة في امكانية حل هذه الازمة وتخفيفها في ايجاد مشاريع استثمارية لها.
من جانبه ذكر الخبير الاقتصادي فلاح ثويني : ان قطاع الاسكان يمكن ان يساهم في هذا الموضوع بشكل كبير من حيث عناصر العمل والمواد الانشائية ويساهم بتشغيل الايدي العاملة والمشاريع الحرفية الصغيرة المنتجة للمواد الاولية التي تحتاجها عملية البناء وفي الوقت ذاته تساعد على تشغيل المعامل الكبيرة وامكانية الاستفادة منها لتوفير السكن للافراد المحتاجين.
وبين ثويني : ان جانب التمويل الذي يتعلق بالقطاع المصرفي الحكومي والاهلي غير قادر على سد حاجة المواطن من التمويل لان المصارف الاهلية بطبيعتها تبحث عن المشاريع التجارية المربحة وتوفير الارباح التي تعود للمصرف لان طبيعة الاقراض للمواطن تكون طويلة الامد وتحتاج الى امكانية للتسديد، اما المصارف الحكومية على الرغم من الموارد المالية التي تمتلكها لكنها بالنتيجة لاتلبي الغرض المطلوب لبناء هكذا مشاريع كبيرة او لاقراض المواطنين اذ انها تتضمن فوائد كبيرة.