أمانة بغداد(العاصمة) بين الدفتري والعمري

أمانة بغداد(العاصمة) بين الدفتري والعمري

إسراء عبد المنعم السعدي
صدرت الإرادة الملكية بتعيين السيد صبيح نشأت أول أمين عاصمة بتاريخ 6 شباط 1923، وجاء ترشيحه بإيعاز من رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة السيد عبد المحسن السعدون، وتمت مصادقة مجلس الوزراء على ذلك. وكان صبيح نشأت على صلة بالسعدون ومن المؤيدين لسياسته حين اصطف مع مدرسته السياسية،

وكان لهذا أثر فيما بعد في تعيينه وزيراً للدفاع سنة 1925 بعد عزله من منصب أمين العاصمة، واستمر لمدة سنة ونصف في إدارة الأمانة حتى 14 أيلول 1924.

وتولى بعد صبيح نشأت منصب أمين العاصمة السيد رشيد الخوجة للمدة من 15 أيلول 1924 لغاية 30 حزيران 1925، وتم ترشيحه لهذا المنصب بعد أن استقالت وزارة السعدون وتكليف جعفر العسكري بتأليف الوزارة الجديدة في 22 تشرين الثاني 1923، وأنيطت وزارة الأشغال والمواصلات إلى صبيح نشأت، فأصبح منصب الأمين شاغراً فأوعز وزير الداخلية علي جودت الأيوبي بإسناد رئاسة الأمانة إلى رشيد الخوجة بوصفه كان يتولى رئاسة بلدية الرصافة. بقي الخوجة في إدارة الأمانة لمدة شهر بعد استقالة الوزارة حتى تم تشكيل الوزارة السعدونية الثانية في 26 حزيران 1925 وصدور الإرادة الملكية في 25 تموز 1925 بإسناد منصب وزير الداخلية إلى السيد حكمت سليمان بعد استقالة رشيد عالي الكيلاني الذي أصبح رئيساً لمجلس النواب.
وفي البداية عهدت الأمانة إلى مدير الشرطة العام (محمد سليم) بصفة وكالة لأنه كان يدير متصرفية بغداد وكالة، ورشح مجلس الأمانة العضو (اسماعيل كنة) لكن وزير الداخلية بدوره رشح السيد نشأت السنوي لرئاسة أمانة العاصمة، فصدرت الإرادة الملكية في 23 تموز 1925، واستمر في منصبه حتى حزيران 1926 فقد حدث تغيير في وزارة الداخلية بسبب استقالة حكمت سليمان من منصب وزير الداخلية وانتخابه رئيساً لمجلس النواب، فأسند منصب وزير الداخلية إلى السيد عبد العزيز القصاب الذي أيد بقاء السنوي في منصبه أميناً للعاصمة الذي استمر لمدة خمس سنوات حتى 8 نيسان 1930، ويبدو أن بقاءه هذه المدة في الأمانة يرجع إلى المكانة التي حظي بها نتيجة الخدمات التي قدمها رغم كثرة تغيير الوزارات وحدوث الأزمات الاقتصادية حيث أن له الفضل في إدخال تغييرات على جهاز الأمانة أثرت في وضعية العاصمة وتحسين خدماتها، ومنها استحداث منصب مهندس العاصمة ليكون مسؤولاً أمام أمين العاصمة لأجل صيانة الطرق وتحسينها. وألغى منصب معاون أمين العاصمة في جانب الكرخ وبقاء معاون واحد في جانب الرصافة وذلك للأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها الأمانة، والتي تنذر بالإفلاس، فكان لا بد من الاستغناء عن هذا المنصب، كما اهتم بإنشاء بناية للأمانة تضم كافة دوائر الأمانة المركز والصحة والهندسة وفرقة الاطفاء، كما سعى إلى تحسين حالة العاصمة وحل أزمة المنازل فاقترح مشروع المنازل الجديدة مع إصدار قانون الأبنية في البلديات لسنة 1925، أي أن تخضع جميع الأبنية للقانون ضمن حدود البلديات.
بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلت في العالم وأثرت على أوضاع البلاد حاولت وزارة ناجي السويدي الثانية معالجة الأزمة، لكنها اصطدمت مع الاستشارة البريطانية التي استمرت تتدخل في شؤون العراق الداخلية، فاستقالت الوزارة في 9 آذار 1930، وعهد الملك فيصل الأول إلى نوري السعيد بتأليف الوزارة في 23 آذار 1930 وأصبحت وزارة الداخلية من ضمن مسؤولياته وذلك للسيطرة على انتخابات المجلس النيابي.وكان اختيار محمود صبحي الدفتري، لرئاسة الأمانة برغبة من رئيس الوزراء ووزير الداخلية نوري السعيد، وذلك لخبرة الدفتري وعائلته في العمل البلدي.
حيث صدرت الإرادة الملكية بتعيين الدفتري أميناً للعاصمة في 9 نيسان 1930، واستمر في منصبه حتى 5 أيلول 1931 وأوعز وزير الداخلية إلى أن تصرفات أمين العاصمة"غير مرضية لعدم مقدرته على القيام بالواجبات، وهو ما أدى إلى إضرار الأمانة واستياء الناس وتذمرهم مع الإهمال المتكرر والعداء نحو الوزارة وعدم الامتثال لأوامرها لم يكن يؤدي الأصول والقانون نحو مجلس الأمانة"فلهذا استغنى عن خدماته.
ويبدو أن هذا الخلاف قد تطور أثناء حوادث عام 1931 بعد صدور مرسوم قانون رسوم البلديات لسنة 1931، والذي أدى إلى إضراب عام في البلاد، فتبادل كلاً من أمين العاصمة ووزير الداخلية الاتهامات مما أدى إلى الاستغناء عن الدفتري. وأنيطت إدارة الأمانة في بداية الأمر إلى فائق شاكر بإرادة ملكية في 24 تشرين الأول 1931.
وفي 26 تشرين الأول 1933 كلف الدفتري بإدارة أمانة العاصمة للمرة الثانية حتى 11 تشرين الثاني 1936 حيث نقلت خدماته من مديرية الطابو العام إلى أمانة العاصمة بإيعاز من وزير الداخلية حكمت سليمان وكان له أثر واضح في هذه المدة بتحسين خدمات العاصمة، واهتم بمسألة استخدام الموظفين العراقيين بدلاً من البريطانيين خاصة بعد استقلال العراق 3 تشرين الأول 1932 وانتهاء خدمة الموظفين البريطانيين. فقد تمكن من منع تجديد عقد المستر فيشرFisher في إدارة الإطفاء وأسند المنصب إلى معاون مدير الإطفاء السيد إبراهيم شندل لكونه عراقياً وذا كفاءة في إدارة هذا العمل(ولد إبراهيم شندل في بغداد 1900 في محلة المهدية، ودرس على يد كتاتيبها ومدارسها ثم دخل مدرسة الصنايع التي تخرج منها وحصل على شهادة (رشدي عسكري)، وعين في بلدية بغداد في 1921 وبعدها في دائرة الأطفاء ساهم في تأسيس مصلحة نقل الركاب وكان أول مدير لها) وكان للدفتري تأثير في عدة مشاريع في العاصمة.
ونظراً للخلاف الذي حصل بين وزير الداخلية والدفتري في العام 1931 وبعد تشكيل وزارة رشيد عالي الكيلاني وتعيين ناجي شوكت وزيراً للداخلية، اقترح على أرشد العمري تولي أمانة العاصمة لما تربطه بالعمري من صداقة قديمة بالاضافة إلى خبرته في هذا المجال منذ عمله في إسطنبول وفي بادئ الأمر رفض العمري هذا المنصب وفضل أن يبقى في مديرية البرق والبريد، وبتشجيع من الملك فيصل الأول وإصرار ناجي شوكت قبل المنصب وصدرت الإرادة الملكية في 19 تشرين الثاني 1931 وبقي حتى تشرين الأول 1933.
وفي المدة الأولى لرئاسته الأمانة أعاد هيكلة الأمانة كلها بما فيها من تشكيلات وشعب حيث أبعد عدداً من العمال المستخدمين غير المهرة، وأبدلهم بعناصر شابة اتصفت بالقدرة والكفاءة.
وفي عام 1933 عزل من منصب أمين العاصمة وأنيطت الإدارة بالدفتري مرة ثانية وذلك بسبب كثرة الشكاوى، لما قام به من مشاريع مهمة في العاصمة رآها البعض إضراراً بمصالحهم، وبعد انقلاب بكر صدقي عام 1936 أراد حكمت سليمان إعادة أرشد العمري إلى الأمانة وزيادة صلاحياته فعين في 10 تشرين الثاني 1936 أميناً للعاصمة مع الاحتفاظ بوظيفته الثانية مديراً عاماً للبلديات ورفض العمري ذلك وحاول إقناع رئيس الوزراء حكمت سليمان بذلك، وأقنعه حكمت بأنه أراد تعويض العمري لأنه كان وراء نقله إلى مديرية الري العامة، وقبل المنصب حتى 4 حزيران 1944، وخلال هذه المدة أظهر نشاطاً إدارياً ملفتاً للنظر في توسيع وتطوير العاصمة بغداد.
عن رسالة (تاريخ أمانة العاصمة...)