الإدارة العائلية في القطاع الخاص وعنق الزجاجة

الإدارة العائلية في القطاع الخاص وعنق الزجاجة

ثامر الهيمص
في ضوء الندوة التي نظمتها مؤسسة ( المدى ) مؤخراً ، حول العمل المصرفي في القطاع الخاص ، نستطيع الانطلاق منها ، إذ المصارف الخاصة هي الابن الشرعي للقطاع الخاص ومؤشر ممتاز على حركتيه ، فمن ضمن أبرز معوقات انطلاق العمل المصرفي الأهلي ، هي مثلاً عدم امكانية بعض المصارف بلوغ السقف الذي حدده البنك المركزي د ( 250 مليار دينار ) حيث هناك من يقول بأن عملية الزيادة في رأس المال ضرورية ولكن عيبها في هو المدة المعطاة كونها مؤثرة على سوق السهم في السوق

علماً بأن رأس مال جميع المصارف بحدود مئة مليار لكل مصرف ولدينا أربعون مصرفا فالمجموع ( 6 ترليونات دينار ) واقعي ، فهذا الأمر لا يعمل على تقوية المصارف كما يذكر د ماجد الصوري ، فهل المصارف الأهلية التي تستحود على 5% من النشاط المصرفي عموماً تستطيع النهوض بالواقع الاقتصادي ؟
قبل الأجابة على هذا التساؤول لابد من بحث جذر المشكلة رغم أن المصارف تشكل مرآة النشاط الأهلي عموماً ، ولكن القطاع الخاص لايمكنه التحرك بدون انضاج تجربته الخاصة كونه لايشبه أي قطاع خاص على المستوى الاقليمي على الأقل من حيث علاقته بالسلطة وهذه مشكلة لها ابعادها الخاصة عراقياً وهي مايأتي : ـ
أولا : بناء النظام التسلطي الواحدي عملية خالقة للتفاوت الاقتصادي والاجتماعي ففي سنة 1958 لدينا ( 23 مليونيرا ) بينما شهد عام 1980 مايزيد على ظهور ( 800 مليونير ) وبحلول نهاية الحرب العراقية الايرانية ما لايقل عن ( 300 عائلة تمتلك ثروة اجتماعية هائلة ) وهذا أمر غير طبيعي فأن أغلب من ارتقى السلم الاجتماعي بفضل صلة القرابة القبلية أو الانتساب الحزبي وهذه العملية تمت على حساب الطبقة التقليدية ذات الانتماء الاثني أو الديني،0 وهكذا حصل مع المجتمع الكردي .
كما يذكر ( د فالح عبد الجبار ، ص 98 في كتابه العمالة والافندي ) ، وهذه خصوصية تثبت عائلية القطاع الخاص وظروف العراق السياسية .
ثانياً : الخصوصية العراقية الثانية هي الهجرة غير الاعتيادية قبل وبعد سنة 2003 قبل سنة 2003 يقدر عدد العراقيين المهاجرين بما يناهز الملونين أي مايقارب 11% من مجموع السكان ولعلها أكبر هجرة سياسية في المنطقة العربية ( د0 فالح عبد الجبار / الدولة والمجتمع المدني ص 176 ) ، وهذه ليست هجرة عمالة بل هجرة شرائح اجتماعية وطبقية بأطر عائلية غالباً .
ثالثاً : الطابع العائلي في الادارة يمتد حتى القطاع العام في العراق فقد كان واضحاً من خلال تأميم النفط فأن النظام العراقي لم يتوسع في عمله التي هي التصفية والنقل والبيع بالتجزئة بل بقى بالنتيجة معتمداً على الاخرين في الجانب التسويقي من العملية وجهة صادرات النفط استمرات بتصدير النفط للمستوردين انفسهم كما كان في الماضي ( بيتر سلاغيت / المجتمع العراقي ص 292 ) ليصبح النفط في جيوب عائلة الحاكم أخيرا" كما تجسد في العراق وليبيا والذي يتضح الان .
رابعاً : اما من ناحية علاقة القطاع الخاص أيضا" بالسلطة القائمة على اسس غير ديمقراطية أي بأنظمة اقرب للطابع العشائري والعائلي فقد انتشر الفساد مواكباً للتحولات وتضخم جهاز الدولة بحيث أصبح الان العراق من الأربعة الاوائل في الفساد حسب اخر تقارير الشفافية الدولية ، فهذا الفساد ثم على حساب القطاع الخاص وبالرغم عنه وهذه خصوصية أخرى تكبل القطاع الخاص دون عنق الزجاجة .
خامساً : الاستهداف السياسي الطائفي كان معرقلا" أيضاً ، حيث تم تهجر قسماً كبيراً فهم ( حوالي ثلث تجار النجف و ( 75 من كربلاء ) ، وهذه خصوصية عراقية أيضاً تطبع القطاع الخاص العراقي وتشكل تراجعا" في عمله مستقبلاً نظراً لنزاعات الملكية واستحالة العودة لذلك النشاط الصناعي أو التجاري حيث ملأ الفراغ .
سادساً : يمكن أيضاً اضافة الجناح الزراعي للقطاع الخاص من خلال قانوني الاصلاح الزراعي في سنة 1958 وسنة 1971 ، حيث أصبحت الملكيات صغيرة غير منتجة لغياب الاسلوب التقليدي والحداثة في نفس الوقت في الادارة ، وسجل تراجعاً اجتماعياً من خلال الكيانات العشائرية وهجرة الريف وانخفاض في معدلات الانتاجية قياساً بمعدلات 1958 ، وهذا كان سبباً اساسياً لهيمنة الدولة من خلال ريعها النفطي وبروز التيارات الطائفية والعشائرية مباشرة بعد سقوط الدولة سنة 2003 سواء بالفساد أو الهيمنة على أجهزة الدولة السابقة وهذه خصوصية رشح عنها شريحة جديدة مهمة وبأطر ذات طابع عائلي أيضا" لترث العوائل السابقة .
سابعاً : وبعد سنة 2003 ظهرت خصوصية جديدة في عوائل القطاع الخاص هي الهجرة ذات الطابع الطائفي بالمحسوبين على النظام السابق وهجرة قبل هذا التاريخ في فترة العقوبات الاقتصادية ، حيث هاجر رأس المال الخاص الى دول الجوار غالباً وتعزز هذا الاتجاه بغسيل الاموال نتجه الفساد أيضاً في دول الجوار في الغالب كرأسمال تجاري في العموم سواء قبل أو بعد سنة 2003 .
وبذلك أصبحت البرجوازية المتوسطة أو الطبقة المتوسطة مشوهة بهذه الانعطافات ذات الطابع السياسي التي بدأت سنة 1964 لتأميم المشاريع والمعامل لكي ينسجم الاقتصاد العراقي انذاك مع المصري لكي لاتتكرر تجربة انفصال سورياً ، وهكذا اختنقت الطبقة المفروض أنها رائدة للتقدم والنتيجة لتعود الى المربع الاول كانها توا" خرجت من رحم الاقطاع ، ولذلك كانت الادارة العائلية للقطاع الخاص هي السمة البارزة في ادارته الان عموماً سواء في المصارف أو التجارة أو الصناعة أو الزراعة ، بحيث لجأت هذه العوائل للتفتيش عن الولاء أولا" ثم الكفاءة ، نظراً للظرف الأمني وما يكتنفه مما أدى الى لجوء هذه الادارة بعد تسلم الموالين من الاقارب الى التفتيش عن الخبرة والخدمات الدينا فالخبرة استوردها وكذلك العمالة الاسيوية كما نلمسها من شكاوى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لان غانية الحي تعرضت وتعرض صوتها لانواع الشروخ النفسية والاجتماعية نتيجة ما تعرضت له من حروب وحصار واستيراد وارهاب وطائفية ومحاصصة فكيف تخرج هذه الطبقة من هذا المربع المقيت والواقعي ويكون عنق الزجاجة أكثر اتساعاً ، وهي عملياً كل اموالها لاتمثل أكثر من 5% من المتداول في مصارفها كمؤشر ، ناهيك عن تغول القطاع العام بفساده وكثرة منتسبيه الذين هم أفضل حالا" بكل الاحوال من احوال القطاع الخاص هناك عدة خيارات ولكن لابد من الاشارة الى استحالة الخصخصة في ظل الفساد وضعف اهل القطاع المختص ، والرهان الثاني استمرار وحوكمة القطاع العام ولكن فساده اكل الاخضر واليابس واستحال هذا الخيار بالاضافة لفساده فأنه يحتاج الى دكتاتورية ومركزية شديدة وقاعدته النفط وهذا أمر يجعل الخيار أكثر سوداوية من السابق ، فالادارة العائلية لانتوقع لها أن تشكل كاركلات مع بعضها اذ أن حسبما نعلم أنه حتى العوائل بدأت بالتمزق في ظل الجيل الثاني والثالث من الابناء حسب النظرية الخلدونية في التاريخ .
كما أنها تتحرك وسط حيتان رأس المال العربي أو الجوار بحيث تصبح لدينا كمبرداورية من نوع خاص وتبعية جديدة لراسماليات عربية أو غير عربية مرتبطة أصلاً بالعولمة خصوصاً دول النفط كونها بذات الايقاع دولياً .
ولذلك فأن مخرج عوائلنا التي ابتليت بالانعطافات الحادة والانشقاقات الداخلية غير البناءة عموما" هو أن تكون شريكا تكاملياً لا تنافسياً لقطاعنا العام وبالنظر لتفعيل قانون الاستثمار كاداة عملية لهذة الشراكات التكاملية .
فأنه سيكون القناة الرئيسية للخروج من عنق الزجاجة العراقية ويكون في البدء بالمشاريع التي تحتاج الى رأس مال ومن جانب الدولة تشرع قوانين تسهل عمليات الشراكة .
وتنقذ قطاعها العام تجارياً كان أو صناعياً أو زراعياً من الترهل والفساد وتنتشل القطاع الخاص الذي ذاق مرارة التغرب والسيطرة غير العراقية ونخرجه من عنق زجاجة العائلة والهوية الثانوية وقد لمسنا ذلك واضحاً برغبة القطاع الخاص من حيث العموم بالعمل في هذا الاتجاه لما توفره الدولة على الأقل من الحماية من التدخلات البلطجية الرسمية وغير الرسمية ورغبتهم باعادة اتحاداتهم وجمعياتهم لتكون سانداً في عملية صنع القرار والرقابة عليه برلمانياً وصنع الارادة الوطنية العراقية الكاملة
ونختم بقول لفولتير : أنها ليست ندرة الاموال ، وانما قدرة الرجال والمواهب هي التي تجعل الدولة ضعيفة .