عَدَّاء الطائرة الورقية لـ (خالد حسيني)...  رواية تُمجّد الضعف الإنساني

عَدَّاء الطائرة الورقية لـ (خالد حسيني)... رواية تُمجّد الضعف الإنساني

يحيى البطاط
"السرقة هي الخطيئة الوحيدة التي لا يمكن غفرانها. الخطيئة الأكبر بين كل الخطايا. عندما تقتل رجلاً، فأنت تسرق حياة، تسرق حق الزوجة بزوج، تسرق أباً من أولاده، عندما تكذب، تسرق حق شخص في الحقيقة، عندما تغش، تسرق حق العدالة، ليس هناك شر كالسرقة."

كل رواية حرب هي بالضرورة رواية عن الحياة، إن ما يشدّنا إلى قصص الحرب ليس البطولة في المواجهة، بل الشجاعة في لحظات الضعف الإنساني، الشجاعة في مواجهة الحياة في لحظاتها الفاصلة، وتقلباتها العدمية، هذا ما أظنه الأجدر بالدرس الروائي، فكل لحظة في حياة الناس المسحوقين بطاحونة الحرب هي خلاصة للوجع الإنساني الأزلي منذ تشكّل الوعي بوجودنا ككائنات عاقلة أو مفكرة أو مدركة لكينونتها في الأقل..
رواية"عدّاء الطائرة الورقية"أول أعمال المؤلف خالد حسيني، ذي الجذور الأفغانية والأميركي الجنسية، تقدم نموذجاً بهذا المعنى، ورغم أنها رواية بسيطة في بنائها الفني ومتواضعة في تقنياتها السردية، لا تتحذلق، ولا تحمل أبطالها مقولات لفظية فوق طاقتهم، فهي رواية مشاعر إلى حد كبير، رواية أحاسيس وندم وخوف وريبة وخيبات أمل وضعف.. رواية صادقة فنياً، تلامس الحس الإنساني الفطري في وجودنا، وأظن أن هذا أحد أسباب نجاحها شعبياً، فقد طبع منها في الولايات المتحدة أكثر من سبعة ملايين نسخة وتصدرت قائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً لعدّة أسابيع، وبيع منها أكثر من سبعة ملايين نسخة في الولايات المتحدة، منذ صدورها أول مرة عن دار ريفرهيد الأميركية عام 2003. وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2007. كما ترجمت إلى مختلف لغات العالم ومنها العربية في عام 2012 بترجمة ايهاب عبد الحميد، وبيعت منها أكثر 22 مليون نسخة حول العالم.
"عدّاء الطائرة الورقية"، نموذج للرواية الشعبية التي تتسلل بخفة وعذوبة إلى قلوب الناس وتحرك مشاعرهم من دون استجداء. يصحبنا خلالها خالد حسيني في رحلة إلى أفغانستان منذ أواخر العصر الملكي مروراً بالاحتلال السوفييتي وحتى صعود حركة طالبان واستيلائها على الحكم.
تتعرض أحداثها لعلاقة صداقة تنشأ بين صبيين يشبّان معاً في كابول، في دار واحدة، ولكنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين.."أمير"ابن رجل الأعمال الثري، وحسان ابن خادمهم الذي ينتمي إلى طائفة الهزارة، الأقلية العرقية والطائفية المنبوذة. غير أن الأسرة الغنية تتفكك بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، ويهرب"أمير"وأسرته بحثاً عن حياة جديدة في الولايات المتحدة، غير أن الفتى أمير يبقى مطارداً بالأسرار المخزية والذنوب وعذابات الضمير، حتى بعد فراره من الحرب هو وأسرته.
"عدّاء الطائرة الورقية"رواية سيريّة ذات امتداد زمني أفقي، تفاصيلها واضحة، وسردها مباشر، تتحدث عن قيم أزلية كالصداقة، والخيانة، والوفاء، والتمييز العرقي والطائفي والطبقي في مجتمع شرقي يتسلط عليه الفكر الديني، وتبرر فيه أبشع الخطايا من خلال نصوص جاهزة مقدّسة، في مجتمع تعرض للتفكيك والقتل، وبلد عانى التدمير الممنهج على مدى نصف قرن، غير أن المؤلف استطاع بسلاسة أن يسلط الضوء على عراقة ثقافة الأفغان وعمق إيمانهم بالحياة من دون أن يغفل أمراضهم القاتلة أيضاً.
يصف خالد حسيني الكتاب، بأنه قصة عن العلاقات الأسرية في بيئة ملتهبة بحرب تبدو أزلية كالبيئة الأفغانية التي نهشها الخراب لعقود، غير أني أراها رواية تقف إلى جانب الضعف الإنساني، وتمجّده بوصفه الضوء الأخير الذي يقود إلى الخلاص.