ورددت الجبال الصدى

ورددت الجبال الصدى

ترجمـة: عبد الخالق علي
بعد كتاب"عدّاء الطائرة الورقية"وكتاب"ألف شمس ساطعة"التي بيعت منهما 38 مليون نسخة، كان على المؤلف أن يتعمق أكثر بالكتاب الثالث.
لم يكن المستقبل المهني لخالد حسيني، الأفغاني الأميركي، خصباً كمؤلف روايات – هذا هو كتابه الثالث فقط على مدى عشر سنوات – لكنه عوّض بها من حيث التأثير في القارئ.

مبيعات الكتابين الأولين –"مسيّر الطائرة الورقية"و"ألف شمس ساطعة"– تجاوزت 38 مليون نسخة في انحاء العالم. هذه القصص، المكتوبة بأسلوب جميل عن التأريخ الدموي لوطنه الأم على مدى ستين عاماً، أكسبته باستحقاق شهرةً ككاتب قصص عظيم.
يعيش عبدالله ذو السنوات العشر وشقيقته المحبوبة باري (فيري بالفارسية) مع ابيهما (صبور) وزوجة ابيهما وأخيهما غير الشقيق في قرية شادباغ الصغيرة. يمارس أبوهما أعمالاً يدوية كلما سنحت له الفرصة، لذا فإن مكسبه لم يكد يكفيهم. في خريف عام 1952، ومع انتظار مولود آخر وشتاء قاسٍ، كان سابور يائساً، فتوصل الى قرار رهيب. على سابور أن يضحّي لإنقاذ عائلته، وهكذا كان؛ ففي أحد الأيام وجد عبدالله وباري نفسيهما يسيران مع أبيهما عبر صحراء كابل. عندما وصلا الى منزل زوجين غنيين لا أطفال لهما، حيث يعمل العم نابي طباخاً وسائقاً، أدرك عبدالله مرعوباً بأنه سيفقد أغلى انسان عنده، حيث سيتبنّى السيد والسيدة (وهدتي) شقيقته باري و لن يراها بعد اليوم.
في هذه النقطة من القصة، قد يتوقع قرّاء حسيني قصة جر حبل مقنعة من الحب يعاني فيها الشقيقان المنحوسان في محاولتهما البقاء معاً، مع نهاية سعيدة أو شبه سعيدة، عندما ينقطع خيط القصة ويذهب الكاتب الى مكان آخر.
لا يكمن تركيز حسيني كثيراً في اصلاح أعمال صبور كما هي الحال في استكشاف عواقبها، وهذا يشركنا في شبكة جماعية من الشخصيات الجديدة والروايات التي تنسج ذهاباً واياباً في الزمان والمكان. إنه أولاً يمسرح تاريخ زوجة الأب التي تخفي السر الرهيب لخيار قامت به يوماً ما. بعدها، ومن خلال طريقة قراءة رسالة عند وفاته في 2010، لا يفسر العم نابي فقط كيف أنه – من أجل حب السيدة وهداتي – قد توسط في قرار التبنّي، بل يصف أيضاً الكثير من الأحداث التي نتجت عن ذلك.
يمكن القول إن نيلا وهداتي، نصف الفرنسية، هي اكثر الشخصيات الفاتنة في الكتاب، امرأة حسّاسة لكنها محطمة عاطفياً، ترتدي ملابس غربية وتضع مكياجاً، اضافة الى انها تكتب شعراً مشحوناً بالجنس. يعتبر مجتمع كابول أنها تجاوزت الحدود. بعد أن يُصاب زوجها بسكتة دماغية، تهاجر مع باري الى فرنسا، حيث تتجلّى – فيما بعد – قصة أخرى.
مع إننا نعرف أن متاعب العهود المتعاقبة لاتزال تعمل وراء الستار، فإن هذه ليست رواية عن السياسة الأفغانية، وقد قال المؤلف في مكان آخر، بأنه يقاوم فكرة كونه"يحمل راية"أو"يكون صوتاً"لوطنه. إن ما يهتم به هذه المرة هو الإنسان والشخصية، وقد قال هذا في مقطع عن اثنين من أبناء العمومة المنفيين يعيشان حياة متميزة في اميركا يزوران كابول للمطالبة بمنزل العائلة. إنه يقدّم بعض التعليقات الجانبية اللطيفة عن المشاعر المتعالية لبعض العائدين بصفة"سيّاح". في تناقض حاد، يعود عبدالله و الأخت غير الشقيقة لباري – إقبال – بعد سنوات من الحرمان في أحد المجمعات الباكستانية، ليجدا أن سكن العائلة قد تم هدمه واعيد بناؤه من قبل أحد بارونات المخدّرات.
يكمن جزء من فاعلية حسيني كراوٍ للقصص في طريقة اعتماده على الدلالات العالمية للأسطورة والرمز. في مقدمة الرواية، يحكي صبور لولده حكاية خرافية عن عفريت يجبر الأب على أن يختار أحد اطفاله ويتخلى عنه لصالحه، يتضح فيما بعد، أنه يشير الى عبدالله. يستخدم المؤلف الأمثلة: زوجة الأب الشريرة، السيد والعبد، الأشقاء (في هذه الحالة أولاد العم) الذين كانوا اصدقاء لكنهم أنداد، إلا أن مهارته تكمن في اكسائهم لحماً وتحويلهم الى أفراد حقيقيين. رغم أن باري تنسى بسرعة العائلة التي ولدت فيها، فإنها تتذكر مقتطفات من أغنية شعبية قديمة كان شقيقها معتاداً على ترديدها.
في قصة صبور الخرافية، يعرض العفريت على الوالد المثكول"نعمة"نسيان ابنه المفقود وعلى الأب أن يقرر: هل أن الأفضل له أن يتذكر حتى لو كان ذلك يسبّب له الألم؟
من خلال الغور في هذه الحقائق عن التجربة الإنسانية، يحفر حسيني عميقاً و يستخرج قطعاً من الماس.

عن الغارديان