محمد صادق جراد
يمكننا القول بان الجميع بات مؤمنا بضرورة تفعيل القطاع الخاص في العراق من اجل أن يلعب دوره في دعم الاقتصاد العراقي بصورة عامة ودعم الصناعات الوطنية وهذا ما يتم طرحه ومناقشته عادة في العديد من المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي يعقدها المختصون من اجل تقييم الواقع الاقتصادي بمختلف قطاعاته الصناعية والزراعية والتجارية وتقديم الدراسات والبحوث التي يمكن أن تساعد الجهات المختصة على الاستفادة من خبرات النخبة ممن يحضرون هذه المؤتمرات الاقتصادية .
ومما لاشك فيه إن الصناعات الوطنية في العراق لم تشهد أي تقدم عبر السنوات الماضية من عمر التجربة العراقية لأنها تعاني الكثير من المشاكل القديمة والجديدة حتى أصبحت تراكمات تحتاج إلى وقفة جادة لتنشيط الصناعة الوطنية التي واجهت ممارسات ساهمت في تردي واقعها الحالي ومن هذه الممارسات سياسة الإغراق السلعي حيث غزت البضائع الأجنبية جميع الأسواق العراقية، ما ساهم في تعطيل العمل في ما تبقى من الصناعات الداخلية التي لا تستطيع منافسة أسعار تلك البضائع الأمر الذي أودى بحياة هذا القطاع المهم وحرم الاقتصاد العراقي من رافد مهم من روافد الدخل الوطني ليصبح الاقتصاد العراقي معتمدا كليا على القطاع النفطي وصادراته التي تغطي أكثر من 95% من الموازنة العامة .
واهم ما يعانيه القطاع الصناعي في العراق عدم وجود خطة ستراتيجية واضحة لتأهيل المعامل والمصانع المتهالكة والتي شهدت توقفا دام لسنوات طويلة وغياب الإستراتيجيات الصحيحة في ظل المشاكل التي تواجه البلاد وأهمها أزمة الكهرباء وقلة المياه وتلوث البيئة وهجرة رؤوس الأموال وتدهور القطاع الصناعي إضافة إلى الفساد الإداري والمالي والفوضى التي تصاحب عمل المؤسسات الحكومية ومشاكل عديدة لابد من ملاحظتها ووضع الحلول المناسبة والسريعة لها .
ومن أهم هذه المعالجات إعادة بناء البنية التحتية للصناعات العراقية من خلال تهيئة بيئة صناعية مناسبة وتوفير كل ما تحتاجه من تشريعات قانونية ودستورية بما يخدم تطور ونجاح هذه الصناعات الوطنية إضافة الى توفير الدعم المادي لدعم هذا لقطاع وإعادة تأهيله خاصة إذا ما عرفنا بان في العراق نحو 266 معملا ومصنعاً، فضلا عن المجمعات الصناعية الكبرى التي تحتاج لوحدها الى 3 مليارات دولار لإعادة تأهيلها وصيانتها من اجل أن تعود لتلعب دورها الحقيقي في دعم الاقتصاد الوطني وتستوعب الأيدي العاملة التي تعاني اليوم من البطالة كظاهرة خطيرة يعاني منها ليس مجتمعنا العراقي فحسب إنما جميع المجتمعات في المنطقة .
ويرى البعض إن القطاع الصناعي يحتاج إلى الدعم المادي من خلال تقديم القروض الصناعية للمستثمرين من قبل المصارف الحكومية والأهلية من اجل تمكينهم من إعادة تشغيل تلك المصانع والمعامل ودعمهم من خلال شمولهم بالعفو الضريبي الذي يشمل المستثمرين الأجانب في قانون الاستثمار بالإضافة إلى بذل الجهود في سبيل إعادة رؤوس الأموال العراقية التي هربت إلى الخارج بعد سقوط النظام في 2003 وتوظيفها بصورة مناسبة لدعم الاقتصاد العراقي بدلا من تشغيلها في دول أخرى سيما والعراق يشهد تحسنا في الوضع الأمني عكس الدول التي هربت إليها رؤوس الأموال سابقا بحثا عن الاستقرار الأمني .
ويعد البعض الخصخصة من ضمن أهم الحلول المناسبة للنهوض بالقطاع الصناعي مع مراعاة الإبقاء على الموظفين والعمال وعدم تسريحهم وإيجاد الحلول المناسبة من خلال تأهيلهم وتطوير قابلياتهم وإشراكهم في الدورات العلمية والتطويرية داخل وخارج العراق لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه العالم .
وأخيرا لا بد من تنظيم عملية الاستيراد وتفعيل قانون التعرفة الكمركية بما يتلاءم وظروف البلاد وبما لا يساهم بارتفاع الأسعار بالإضافة الى ضرورة تشجيع الاستثمار وتوفير البيئة الاستثمارية المناسبة وتذليل جميع العقبات التي تقف أمام المستثمر لكي نعمل على مساعدة القطاع الصناعي على العودة الى المنافسة والنهوض بمسؤوليته في إعادة بناء العراق ودعم الاقتصاد الوطني الذي يعد بدوره أهم ركائز النجاح لأي تجربة ديمقراطية تسعى لبناء دولة المؤسسات .