أخبار عراقية للذكرى والعبرة

أخبار عراقية للذكرى والعبرة

علي ناصر الكناني
عبد الكريم قاسم وكولبنكيان
(واحدٌ من أبرز رجال الأعمال الأرمن في الخمسينيات)
(يُعدّ كالوست سركيس كولبنكيان من أهم رجال الأعمال العراقيين في خمسينات وستينات القرن الماضي، والذي كان له الدور الكبير في اكتشاف النفط في العراق منذ عام 1869 – 1955 وساهم من خلال عمله في مجال تنقيب النفط في العراق بإنجاز العديد من المشاريع الانمائية والعمرانية العملاقة والمهمة

والتي قدّمها كهدية للعراق نظير عمله كمستثمر للنفط فيه بعد ثورة 14 تموز عام 1958، من النسبة الثابتة التي كان يتقاضاها والتي مقدارها 5 % من عائدات النفط العراقي. وفي عام 1929 كانت قد غيّرت الشركة اسمها الى شركة نفط العراق (IPC). ويذكر أن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم (رئيس وزراء جمهورية العراق) كان قد استقبل في أواخر عام 1959 في مكتبه في وزارة الدفاع وفداً رفيع المستوى من مؤسسة كولبنكيان للأعمال الخيرية والتعليمية والفنية والعلمية التابعة لرجل الأعمال الأرمني الراحل عام 1955 كالوست كولبنكيان، إذ قدّم الوفد عرضاً لحكومة العراق بمنح نسبة من المنحة الثابتة لها من العائدات والتي كما قلنا بأنها 5 % لتنفيذ مشاريع اعمارية وتنموية في العاصمة بغداد وحسب اختيار ورغبة الحكومة العراقية لتلك المشاريع وطبيعتها وتنفيذها وتمويلها من قبل الشركة والتي هي: المتحف العراقي – المسرح الوطني – مدينة الطب – ملعب الشعب الدولي – قاعة كولبنكيان للفن الحديث، إضافة الى منح مايقرب 100 زمالة دراسية عراقية في اكبر وأرقى الجامعات العلمية في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لرفد البلد بكفاءات علمية والاستفادة من خبراتها في شتى المجالات.
ولعل الجدير بالذكر أن عام 1966 (أي بعد رحيل الزعيم بثلاث سنوات تقريباً) شهد الافتتاح الرسمي لملعب الشعب الدولي والمتحف العراقي في جانب الكرخ من قبل رئيس الجمهورية الأسبق عبد الرحمن محمد عارف، كما تجدر الإشارة الى أن وفد المؤسسة المذكورة كان قد حمل هدية تقديرية ومبلغاً من المال لتقديمه للزعيم عبد الكريم قاسم بمناسبة ترقيته الى رتبة لواء، فألتفت الزعيم الى وزير التخطيط الذي كان حاضراً في اللقاء طالباً منه مضاعفة مبلغ الهدية وتحويله الى مشروع بناء ملعب الشعب الذي استغرق بناؤه بحدود 4 سنوات وبكلفة تقدّر مليوني دينار. ما نريد قوله هنا، لماذا لا يصار الى تضمين اتفاقيات الاستثمار التي يتم الاتفاق عليها من قبل الحكومة سواء في مجال النفط أو في المجالات الأخرى بإلزام الشركات المستثمرة بتنفيذ مشاريع اعمارية أو تنموية في بغداد أو في المحافظات الأخرى مثلما فعلته شركة كولبنكيان قبل اكثر من نصف قرن من الزمان والتي تركت بعد رحيلها شواهدَ عمرانية رائدة ما زالت بمثابة بصمة فريدة ومشرفة في سجل الاستثمار.

مع أول (سائقة) عراقية

خلال الاحتفال بأسبوع المرور قبل ربع قرن، كرّمت مديرية المرور العامة عدداً من السواق والسائقات المثاليين الذين امضوا خمسة وعشرين عاماً من دون أن يرتكبوا أية مخالفة مرورية... ومن بين هؤلاء كانت السيدة أمينة علي صائب الرحال، صاحبة أول إجازة سوق خصوصي حصلت عليها عام 1936 وحدثتنا قائلة :
... انا من مواليد بغداد عام 1919 وكان والدي قائممقاماً عسكرياً في زمن العثمانيين ومديراً للمدرسة الحربية في اسطنبول، ثم أصبح فيما بعد قائممقاماً مدنياً لعدد من المحافظات، حيث كان كثير التنقل خلال ايام الشباب، كنت أميل الى تعلم السياقة فما أن تجاوزت الثامنة عشرة من عمري وبعد ممارسة جيدة ومستمرة بالسياقة، قدمت طلباً الى مديرية المرور لمنحي اجازة سوق خصوصي، وفعلاً تم ذلك بعد اجتيازي للاختبار الخاص بذلك وهو أن يجلس الى جوارك أحد رجال المرور اثناء السياقة لتحديد مستوى كفاءة السائق.
ورغم إنها تجربة جديدة بالنسبة لي، ولكن تشجيع الأهل والأصدقاء بدّد مخاوفي ما ساهم في اجتيازي الاختبار بنجاح منذ المرة الأولى وكان ذلك عام 1936. وأنا أيضاً أول محامية في العراق تمارس المحاماة بعد تخرجها وكان ذلك عام 1943 مع المحامي عبد الرحمن خضر وبقيت مدة سنتين ثم انتقلت الى التعليم والتفتيش، حيث قضيت 29 عاماً أحلت بعدها الى التقاعد، وهنا أود أن اذكر لك شيئاً وهو إنني ابنة العم الفنان الراحل خالد الرحال وهو أصغر مني سناً.
وهل تتذكرين شيئاً عن طفولته؟
- نعم... فقد كان يميل منذ طفولته الى الرسم والنحت واتذكر كيف كان يقلع”الجام”المنكسر والشبابيك ويضع عليه الطين ثم يصنع منه تماثيل بأشكال مختلفة وكانت والدته غالباً ما تؤنّبه على ذلك خوفاً عليه لانه كان يعمد الى كسر زجاج الشبابيك أحياناً لهذا السبب.
وهل تتذكرين اسم وموديل أوّل سيارة امتلكتيها؟
- كان اسمها على ما أذكر بيبي فورد وذلك في عام 1936.
فبادرتها مستفسراً عن رد فعل الناس آنذاك الذين كانت تمر من أمامهم اول امرأة عراقية وهي تقود سيارتها بنفسها فردّت قائلة:
- رغم وجود بعض النساء الأجنبيات اللائي كن يمارسن السياقة بشكل اعتيادي إلاّ اني كنت عندما أمرّ بسيارتي في أحد الشوارع ويعرفون إنني عراقية، كان بعضهم يصاب بالدهشة والاستغراب. وخصوصاً الأطفال الذين كانوا يصفقون لي في مداعبة طريفة لا تخلو من شغب طفولي بريء.. وبعضهم كان يمتعض غضباً لا يخلو من الشتائم لكوني إمرأة سافرة ولا أرتدي العباءة. ومن الطريف أني عندما كنت أتجول بسيارتي في شوارع بغداد، كان بعض رجال الشرطة والمرور يؤدون لي التحية اعتقاداً منهم إني موظفة أجنبية بمنصب كبير في السلك الدبلوماسي... فكنت اضحك في سري واتظاهر ((بالفخفخة)).
ثم تسترسل السيدة أمينة في حديثها عبر شريط الذكريات عن بعض المواقف التي مرّت بها قائلة:
من المواقف التي حصلت معي آنذاك انني استبدلت -خلال تلك الفترة- سيارتي بسيارة أخرى وهي انكليزية الصنع وكان يجلس الى جواري شقيقي، وخلال مرورنا في الشارع المجاور لبناية القشلة، حيث كانت تمر به عربات تجرها الخيول... فإذا بي أفاجأ بظهور العربة، حيث لم أتمكن حينها من إيقاف السيارة ما أدى الى اصطدامي بالحصان وإصابته بجروح بليغة، ولكني تحملت تعويض وتصليح العربة مادياً.
والآن ما نوع سيارتك؟
- أملك حالياً سيارة فولكس واكن ألمانية الصنع... وانا اعتز بها لكونها اقتصادية ومعتدلة.
وماذا عن الغرامات المرورية في الوقت؟
مضى عليَّ اكثر من خمسين سنة لحصولي على الإجازة، وحتى الآن لم ارتكب أية مخالفة مرورية!! لا تستغرب عندما أقول إنني لا أعرف مقدار الغرامة المرورية آنذاك، لأنني لم ادفع اية غرامة في حياتي، ولو اني اذكر شيئاً أنه لم تكن هناك إشارات ضوئية في شوارع بغداد ما عدا واحدة عند تقاطع الجسر الحديدي نتوقف عندها عندما يمر القطار، بالإضافة الى قلّة السيارات في الشوارع، لأن وسائط النقل كانت لاتتعدى عربات تجرها الخيول والكاري..