عندما كان عزيز علي ممثلاً مسرحياً

عندما كان عزيز علي ممثلاً مسرحياً

احمد فياض المفرجي
حلّت المسرة في نفوسنا ونحن نلحظ هذا الاهتمام الجاد والصادق بفنان عراقي كبير لا يزال يعيش بيننا ويواصل الإبداع منذ ما يقرب من ستة عقود.. ذلكم هو الأستاذ الفاضل عزيز علي .
وكان من أكثر أشكال ذلك الاهتمام غنى الحلقات الست التي حققتها (الف باء) الغرّاء التي اعتدنا منها مبادرات كانت ومازالت تمد ملفاتنا التوثيقية بالموضوعات التي تكشف فيها صفحات من تاريخنا الحديث وتعرفنا بشخصيات الإبداع المتميزة في ميادين الفن والأدب.

وكموثّق: تابعت تلك الحلقات وتأملت في سطورها بغية الوقوف على الجوانب التي مر عليها كاتب الحلقات الزميل قحطــان جاسم جواد.. قد دهشت حين افتقدت فيها الإشارة الى (عزيز علي) الفنان المسرحي الذي كان عضواً مؤثراً في (الفرقــة التمثيلية الوطنية) التي أسسها الفنان الرائد الكبير حقي رشيد الشـــبلي في نيسان 1927، والتي انضم إليها عدد كبير من الشـباب الذين استهواهم المسرح.. إثر زيارات الفرق العربية، مثل فرقة جورج أبيض وفرقة عزيز عيد وفاطمة رشدي في النصف الثاني من عشرينات هذا القرن.
ومن تلك الأسماء التي عملت مع الشبلي في فرقته فاضل عباس بهرام بك وفوزي محسن الأمين وسليم بطي ومحيي الدين محمد وغيرهم، من الفنانين الذين رسموا معالم الحركة المسرحية في العراق وأغنوا مسيرتها وأسّسوا تقاليدها.
ويبدو أن اولئك الفنانين الأعضاء في (الفرقــة التمثيلية الوطنية) كانوا موزّعين الى كتلتين وكانوا يخوضون صراعاً غير ظاهر للعيان، ولم ينكشف إلا بعد مجيء فرقة عزيز عيد إلى بغداد، ومن ثم سفر حقي الشبلي الى القاهرة بصحبــة الممثلة السيدة فاطمة رشدي المعروفة بجمالها وأناقتها! والتي أفادت في مذكراتهـا بأنها توسطت لدى الملك فيصل الأول واقنعته بتبني فرقة (حقي أفندي الشــبلي) رسمياً وذلك بإيفاده سنة الى مصر لمشـــاهدة العروض التمثيلية والتعرف على الحياة المسرحية في المملكة المصرية (آنذاك). وبالمناسبة وقبل الاســتطراد في علاقة عزيز علي بالمسرح، نشير الى أن (اقوالاً كثيرة) قيلت وراء سفر حقي الشبلي مع فاطمة رشدي .
عند سفر الشبلي وغيابه عن بغــداد طفح ذلك الصراع الذي كان يعتمل داخل (الفرقة التمثيلية الوطنية) وظهر للعيان.. واتخذ شكل انشقاق في صفوف الفرقة قاده الفنان عزيز علي الذي جيّش أنصاره ذات يوم، وأفصح لهم عن قـراره الذي لابد من تنفيذه قبل عودة الشبلي من القاهرة.. وكان ذلك القرار يهـدف الى إقصاء الشبلي عن رئاسة الفرقة وإبعاده نهائياً.
وبالفعل تحقق ذلك وتمكن عزيز علي من امتلاك (الفرقة التمثيلية الوطنية) وأصبح رئيساً لها.. وكان من جراء ذلك خروج عدد من الأعضــاء، فمنهم من انتسب الى فرقة أخرى وبينهم من شكّل فرقة جديدة.. مثل الفنان محيــــي الدين محمد الذي كوّن (الفرقة العصرية).
وبعد ذلك الحدث الفني المثير في ذلك الوقت وقبل مضي بضعة أسابيع على وقوعه، وصلت الجهات المختصة في بغداد مذكرة موقعة من الأستاذ الشبلي، يطعن فيها بالإجراء اللا قانوني، الذي أقدم عليه الأستاذ عزيز علي وأنصاره! وفي حينه أحاطت هذه المذكرة تساؤلات حول الكيفية التي حصل فيها الفنان الشبلي وهو في القاهرة على تفاصيل إبعاده عن الفرقة، وبالسرعة التي كان تحققهـــــا نادراً في بريد ذلك الوقت. واليوم. وبعد مضي أكثر من ستين سنة، نكشــف عن جانب من أسرار هذه العملية وليس كل جوانبها، حيث كان أحد روّاد مســــــرحنا وهو الفنان محيي الدين محمد، العضو السابق في (الفرقة التمثيلية الوطنيــــــــة) قد اخبرني قبل رحيلـــــــه قائلاً، (أنا الذي كتبت إلى الشبلي وهو في مصر وابلغته بما جرى ووعدته أن فرقتي - العصرية - موجودة وبإمكانك العمل فيها عند عودتك الى بغداد).
أوجز لكم القول: إن الشبلي عندما عاد بصحبة الممثل الفكه المعروف بشارة واكيم، انضم الى الفرقة العصرية التمثيلية، وأخرج لها الشبلي العديد من العروض ومثّل فيها.. كأنها فرقته حتى أن الصحافة والجمهور والفنانين كانوا يطلقــــــون عليها (فرقة حقي الشبلي) وفي هذا الوقت 1930- 1934 تألق الشبلي وأصبح نجماً معروفاً في ألوية محافظات العــراق جميعها عبر زياراته الى مختلف الأقضية والنواحي في الجنوب والشــمال... ومن خلال حضور كبار رجالات الدولة - آنذاك ـ عروضه المسرحية مثل رؤساء الوزارات والوزراء وأعيـــــان والنوّاب والعوائل الرقية .
أما الأستاذ الفنان عزيز أفندي علي، فلم يمكث طويلاً في الميدان المســــرحي، حيث تنازل في شهر آب عام 1930 عن رئاسة (الفرقة التمثيلية الوطنية) الى الفنــــان (اميل أفندي جبوري) وواصل اندماجه بالعمل السياسي.. وطور موهبته المعروفة في الموسيقى والغناء. الى أن استقر به المطاف عند (المونولوج)، وصار علماً بارزاً من أعلامه في العراق... كما عرفه أبناء جيلنا طوال الخمسين سنة الأخيرة.
عن كتاب (عزيز علي) للأستاذ قحطان جاسم جواد.

مجلة الاذاعة والتلفزيون 1973