الفيلسوف الذي أرادَ منافسة بلزاك بروايةٍ عن الاقتصاد

الفيلسوف الذي أرادَ منافسة بلزاك بروايةٍ عن الاقتصاد

علي حسين
في واحدة من ضواحي لندن، كان فريدريك أنجلز ابن العائلة الارستقراطية، ينتظر بفارغ الصبر أن يطلع على مسودات الجزء الأول من كتاب صديقه الذي اطلق عليه عنوان"رأس المال"، إلاّ أن صديقه كارل ماركس والذي يعاني مصاعب مالية لاتنتهي، يناوله بدلاً من ذلك رواية بلزاك الشهيرة"التحفة المجهولة"، ويطلب منه أن يقرأها:"هذه القصة تحفة مفعمة بالسخرية المبهجة أشد البهجة".

الدهشة تسيطر على أنجلز الذي اعتقد أن صديقه الحميم يسخر منه، فما علاقة بلزاك برأس المال. كانت الرواية تتحدث عن الرسام الشهير"فرينهوفر"الذي يمضي عشر سنوات وهو يعمل على لوحة أراد لها أن تحدث ثورة في الفن، وحين يسمح أخيراً لأحد زملائه بأن يرى اللوحة، يتعجب هذا الزميل الشاب على الوقت الذي ضيّعه فرينهوفر من أجل لوحة هي عبارة عن خليط من الأشكال والألوان العشوائية.

* لاشيء في لوحتي، صرخ فرينهوفر وهو ينقل ناظريه بين اللوحة وزميله.
- ماذا فعلت؟ قال له الشاب.
* قال بقوة وهو يصرخ: ألا ترى شيئاً فيها، أيها المهرج أيها الوغد، من الذين جاءوا بك الى هنا، هل تريد أن تهزأ بي، قل لي أجبني، إنني صديقك هل أفسدت لوحتي؟
حدّق فرينهوفر في لوحته للحظة ثم راح يترنح: لاشيء لاشيء، وقد عملت عشر سنوات. ووقع على الكرسي مجهشاً بالبكاء.
وبحسب ما يكتب أنجلز فيما بعد حول كتاب رأس المال، فإن قصة بلزاك تركت أثراً كبيراً في صديقه ماركس، وكان يتذكرها كلما سأله أحد أن يطلعه على المسودات الأولى لكتابه رأس المال فيرد:
- لا، لا يزال عليّ أن أضع بعض اللمسات الأخيرة، البارحة خيِّل لي أنني انتهيت منها، لكن صباح هذا اليوم اكتشفت خطأي.
منذ عام 1846 كان كتاب رأس المال قد تأخر أصلاً، كتب ماركس الى الناشر :"لن أدفعه الى المطبعة قبل أن أضع اللمسات الأخيرة". وبعد اثنتي عشرة سنة لم يكن الكتاب قد قارب الاكتمال، وراح يفسِّر للمقرّبين منه سبب هذا التأخير قائلاً :"الأمر بسيط لأن المرء ما إن يشرع في تنظيم الموضوعات التي كرّس لها سنوات من البحث والدراسة حتى تأخذه هذه الموضوعات بالكشف عن أوجه جديدة تقتضي مزيداً من التأمل والبحث والدراسة."
كان كارل ماركس ينظر الى نفسه على أنه شاعر وأديب قبل أن يكون فيلسوفاً، وقد كتب لأنجلز في عام 1856 :"والآن ففي ما يتعلق بكتابي الجديد – يقصد رأس المال – سوف أفضي إليك بالحقيقة الواضحة، مهما تكن العيوب القائمة في الكتاب، فإن ميزته ستكمن في أنه عمل فني بامتياز، لقد تطلعت الى الشعراء والروائيين أكثر مما تطلعت الى الفلاسفة والمحللين الاقتصاديين باحثاً لديهم عن تبصرات في دوافع البشر ومصالحهم المادية". وقد ظل ماركس على اعتقاده بأنّ لدى الأدباء الكبار تبصرات بالواقع الاجتماعي تتعالى على تحيزاتهم الشخصية، ويكتب أنجلز في رثاء ماركس:"لم يكن يطمح أن يكتب بحثاً فلسفياً أو اقتصادياً تقليدياً، كان طموحه أكثر جرأة، أن ينافس كبار الأدباء". ويصف التوسير كتاب رأس المال، بأنه واحد من الأعمال الأدبية الفريدة ويضع ماركس الى جانب بتهوفن وتولستوي وديستويفسكي وغويا وأبسن ونيتشه ممن صنعوا لهذا العالم قدراً كبيراً من الرأسمال الروحي الذي لانزال نعتاش عليه.
****
في الخامس عشر من أيار عام 1818 يولد كارل هينريغ ماركس في مقاطعة غرب ألمانيا، في تلك السنة ينشر شوبنهاور كتابة الشهير"العالم كإرادة وتمثل"وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبرى، ولا يزال من أهمّ ما أنتجته الفلسفة الغربية في عصرها الحديث، الأمر الذي دفع مترجماً وباحثاً كبيراً مثل عبد الرحمن بدوي، الى أن يخصّص كتاباً عن شوبنهاور يكتب فيه :"كان حراً كأوسع ما تكون الحرية بإزاء السلطات الثلاث، فلم يحفل بالسياسة على الإطلاق. وإن كان نصيراً للنظام ولهذا أبغض الثورة التي قامت في ألمانيا عام 1848، لأن فيها إخلالاً بالنظام"، وفي السنة نفسها تظهر شخصية فرانكشتاين في الرواية التي وضعتها ماري شيللي، والتي ستؤثر كثيراً في ماركس المراهق، مثلما أثّرت فيه رواية والتر سكوت"ايفانهو"التي شغلته أسئلتها عن البطل الفرد أثناء فترة شبابه، وعندما يصبح عمره أربع سنوات يتوفى سان سيمون أول من آمن بفكرة التطور، وإن المجتمع لا يثبت على حال، وهي الفكرة التي ناقشها ماركس فيما بعد من خلال نقده لمبدأ سان سيمون القاضي بأن الاشتراكية والعدالة يمكن أن تتحققا على يـــد مستبد مستنير، ويُقال إنه ظل يمطر نابليون بالرسائل يناشده بأن يحقق العدالة الاجتماعية في أوروبا.
ولانعرف أشياء كثيرة عن طفولة كارل ماركس باستثناء اللمحات التي كتبتها ابنته إيليانور، كان غلاما قوياً، متين البنية، حيوي الذهن، ودون أن يكون كارل عبقرية مبكرة بكل معنى الكلمة، فقد اظهر منذ صباه المبكر ذكاءً حاداً جداً، وتخبرنا شقيقته الكبرى، أن كارل لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، لكنه كان يتحدث مع أبيه عن الأخلاق والحرية وعن الله، وكانا يقضيان أوقاتاً طويلة يتناقشان حول أفكار فولتير وقصائد غوته، وفي تلك السن قرأ شكسبير، واعجب بسيرفانتيس وحفظ مقاطع مطوّلة من الياذة هوميروس، وكان والده يأمل أن يستخدم ابنه مواهبه العقلية في خدمة الناس، أما أمّه فقد كانت تأمل في أن يساعد الحظ ابنها فيصبح صاحب مال وفير.
يدرس ماركس الشاب القانون في جامعة بون تنفيذاً لرغبة والده، لكنه يكتشف الفلسفة التي ستكون ميدانه الأساس ومعها يقول في رسالة الى حبيبته وزوجته فيما بعد"جيني"، إنه وجد ما يبحث عنه أخيراً.. في الفلسفة يكتشف أستاذه الأول هيغل، معلم الفلسفة الألمانية المطلق وسرعان ما ينضم الى جماعة الهيغليين الشباب، يكتب لوالده أنه يريد أن يترك القانون، فقد احدث هيغل تقلباته في نفسه وهو يريد أن ينتهي من هذا القلق الذي يعيشه:"لقد قرأت شذرات من فلسفة هيغل التي كان تناغمها اليالكتيكي الغريب والحاد لايروق لي، كنت أريد أن اغوص مرة أخرى في محيط هيغل". بعد عام يكتشف بالصدفة نصوص فيورباخ الأستاذ الذي طـُرد من الجامعة لأنه انتقد هيغل بقسوة، فيما ينكبّ ماركس على دراسة شتى الفلسفات يضع قواعد لدور الفيلسوف في المجتمع، هذا الفيلسوف الذي يجب عليه وهو يقول الحقيقة أن يُسهم في تغيير المجتمع.
وفي حين كان كارل ماركس يتنقل من النزعة العقلانية الى الرومانتيكية ثم الى الهيغلية، فإن صديقه المقبل ورفيقه في وضع أسس الفلسفة المادية، فريدريك أنجلز، استطاع أن يصل الى نفس التصورات والمفاهيم، ولكن عبر معاناة مع عائلته التي كانت ترى في الفلسفة والفكر نشاط عبثي.
ولد أنجلز في الثامن والعشرين من تشرين الثاني عام 1820 في الشطر الصناعي من ألمانيا، وكان ينتسب الى عائلة من الصناعيين الكبار، وبخلاف عائلة ماركس ذات العقلية المتحررة، فإن عائلة أنجلز كانت ذات نزعة رجعية، وقد اضطر أنجلز منذ سنوات شبابه الأولى للكفاح بضراوة ضد هذه العقلية التي لاترى في الحياة سوى المال، وعند بلوغ أنجلز الرابعة عشرة، أرسلته العائلة الى كلية البريفيدا والتي تعتبر آنذاك من الكليات المتميزة، وشأن والد كارل ماركس، كان والد أنجلز مع اعترافه بمزايا ولده، يحس بالصدمة لطبيعته المختلفة جذرياً عن أشقائه، وكان يخشى أن تؤدي هذه الاختلافات الى اضطراب روحه وخراب مستقبله.
ونظراً لأن أنجلز لم يكن يجد في عائلته تفهماً لرغباته في الدراسة والعمل والحرية الشخصية، فقد كان يحس بالعزلة وكان ينطوي على نفسه، وقد قالت امرأة عجوز كانت تقطن بالقرب من منزلهم، إنها شاهدته يسير في النهار حاملاً مصباحاً في يده قائلاً، إنه يفتش مثل ديوجين عن الحقيقة.
*******
الشاب ماركس الذي جاء الى باريس عام 1841 ليجرِّب حظه في الصحافة، يصادف شاباً أصغر منه بعامين، يرتبطان منذ اللحظة الأولى بصداقة تنتج عشرات المؤلفات إنه فريدريك أنجلز، في تلك السنة يقرأ ماركس كتاب فيورباخ الشهير"جوهر المسيحية"الذي يؤكد فيه، من اجل السماح بارتقاء مجتمع انساني يجب على الفلسفة أن تجد امتدادها في السياسة القادرة وحدها على تحرير الإنسان من اغترابه بإلغاء الملكية. ولهذا كما يقول فيورباخ، يجب توحيد البشرية المعذبة والبشرية المفكرة المضطهدة، أي العمال والمثقفين، ويجب تحويل الدولة جذرياً لأنها ليست كما يظن هيغل تجسيداً لمطلق فوق الطبقات، بل انعكاسٌ للعلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية، ويزداد عشق ماركس لفيورباخ، وسيؤرخ أنجلز لهذا التأثير الذي مارسه هذا الفيلسوف على تطور الهيغليين الشباب الفكري:"كانت الحماسة عامة شاملة واصبحنا جميعا اتباعاً لفيورباخ في الحال."
في عام 1842 يكتب ماركس أولى مقالاته السياسية بعنوان"الشيوعية"التي يعتبرها غرامشي فيما بعد الأساس الذي بُنيت عليه الفلسفة المادية، في هذه المقالة يشرح ماركس للمرة الأولى، مفهموم الشيوعية ويُعيد أصولها الى الفيلسوف أفلاطون، في تلك السنة يعكف مع زميلة أنجلز على مراجعة كتب سان سيمون وتسحرهما مقولات برودن التي كان يوجهها ضدّ الملكية:"ما هي الملكية إنها ترفٌ مرفوضٌ".
ويرى ماركس عندئذ، أن الاقتصاد أساس لكل العلوم الاجتماعية، ولاشيء يمكن الافلات من قوانينه، فيقرر التصدي لاشتراكية سان سيمون الطوبائية ليبتدع الاشتراكية العلمية فيكتب:"ان الفعل الذي يبني المنظومات الفلسفية في دماغ الإنسان هو نفسه الذي يبني سكك الحديد بيد العمال."
ويذهب بعيداً فيقرر التصدي لمعلمه الأول هيغل، فينشر كتابه الشهير"نقد فلسفة هيغل في الحقوق"حيث يقترح قلب الجدل الهيغلي لوضعه على قدميه أيّ الانطلاق ليس من النظريات، وإنما من ظروف الحياة الواقعية ويصوغ لأول مرة فكرة أن الوظيفة التاريخية للبروليتاريا هي قلب الرأسمالية، ويكرر على خلاف هيغل، أن الدولة ليست هي التي تُسيِّر التاريخ، بل التاريخ هو الذي يُشكل الدولة، وإن الإنسان لا يتمكن من التحرر إلا بأفعاله وليس بنزوة مُحسن أو بإرادة دكتاتور متنور، إذ لا يمكن للثورة أن تأتي إلاّ من خلال طبقة اجتماعية محررة بامتياز.
عام 1849 يصل ماركس الى لندن، كان يبلغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً، متزوجا من جيني فون، ابنة موظف، بقيت معه لنحو أربعين عاماً شريكته الوفيّة تقاسمه فترات الفقر والحرمان وسوء الحظ. لم يعش من أولادهما الستة غير ثلاثة، ومن هؤلاء الثلاثة انتحر اثنان. ومما لاشك فيه أن ثلاث سنوات من الشدائد المتناهية قد لوّنت آراء ماركس، وتعد مسؤولة عن الحدّة والثورية في كتابته. ولم ينقذ أسرة ماركس من الموت الحقيقي جوعاً سوى المساعدات المالية، في كثير من المرات من صديقه فريدريك أنجلز. وكان دخل ماركس الوحيد مما يكسبه جنيهاً واحداً في الأسبوع يتسلّمه من صحيفة نيويورك تريبيون، وبعض الأجر المتقطع من كتابة بعض الموضوعات القصيرة.
وبرغم البؤس والدائنين الملحّين، والمرض والحاجة، التي أحاطت به، لكنه كان كعادته، كان يذهب الى مكتبة المتحف البريطاني لفترات تصل الى ست عشرة ساعة في اليوم، يجمع الكميات الهائلة من المواد لمؤلفهِ الذي سيكون عنوانه"رأس المال". الذي استغرق إعداده أكثر من ثماني عشرة سنة. أما أنجلز الذي كان يعيل عائلة ماركس في تلك الأثناء، فقد يئس من إكمال الكتاب وقال:"اليوم الذي تذهب فيه النسخة الخطّية الى المطبعة، سأسكر حتى الصباح"، واعترف ماركس بأنه ذلك الكتاب اللعين كان اشبه بـ"كابوس حقيقي".
في أواخر عام 1866، أرسلت النسخة الخطية للجزء الأول الى هامبورغ.. وفي أوائل السنة التالية خرج الكتاب المطبوع من المطبعة باللغة الألمانية. ولم تكن هناك ترجمة انكليزية له إلاّ بعد نحو عشرين عاماً. وأول ترجمة الى لغة أخرى في ضوء أحداث المستقبل – كانت باللغة الروسية في عام 1872.
كان الكتاب يروي التاريخ الاقتصادي للعالم وتاريخ البشرية، وتبعاً لماركس، هو أولاً قصة استغلال طبقة لأخرى. ففي عصور ما قبل التاريخ، كان هناك مجتمع قبائلي أو مجتمع لا طبقي، أما في العصور التاريخية فيقول ماركس:"تكونت الطبقات وصارت جموع السكان البشرية، أولاً عبيداً ثم خدماً للحالة الاقطاعية، ثم عبيداً بالأجر لايمتلكون شيئاً في العصر الرأسمالي".
اعتقد ماركس، أن النتيجة النهائية لنضال الرأسمالي وشغفه هي زيادة الأرباح والاحتكار، لأن"أحد الرأسماليين يقتل الكثيرين دائماً".. تختفي الطبقة المتوسطة عندما يلتهمها كبار الرأسماليين ويُقتل الكثيرون دائماً". تختفي الطبقة المتوسطة عندما يلتهم كبار الرأسماليين صغارهم، وأخيراً تبقى حفنة من كبار الرأسماليين تواجه جموع العصاميين، وعندما يأتي ذلك الوقت، يجد العصاميون فرصتهم، وتصف احدى فقرات كتاب"رأس المال"الأكثر حيوية والجديرة بالتذاكر، الخطوات المؤدية الى حل المشكلة التي تواجه العمال.. إنها الثورة البروليتارية.
لم ينشر في حياة ماركس سوى الجزء الأول من"رأس المال"فبعد موته في عام 1883 أخذ أنجلز النسخ الخطية للجزئين الثاني والثالث.
فظهر الجزء الثاني في عام 1885 والثالث في عام 1894 قبل موت أنجلز بعام واحد، ويضمان تنقيحات واستعمالات للنظريات الأساسية الخاصة"بتداول رأس المال"و"عملية الإنتاج الرأسمالي ككل".
****
لايعود انتصار ماركس في الحياة الى قدرته الفكرية فقط، فقد كان لابد أن ينهار بسبب ضغوط الحياة بشكل أو بآخر، لولا الصديق الذي وجده في فريدريك أنجلز، ذلك الصديق الذي بدأنا نفهم إخلاصه وتضحيته من خلال المراسلات التي نشرت بعد موتهما.
لم يكن لصداقتهما مثيل في التاريخ، فهي لم تعرف شيئاً من المنافسة وحب الذات، فكلما كان فكرهما يصبح واحداً، كلما ظل كل منهما هوية منفصلة وإنساناً مستقلاً.
كان مظهرهما من الخارج مختلفاً جداً، فقد كان أنجلز الألماني الأشقر الطويل القامة، يعتني بملابسه ويحافظ على استقامة قامته، عضواً محترماً في بورصة مانشيستر، لامعاً في التجارة، وفي مسرات الحياة البرجوازية من صيد الثعالب الى حفلات أعياد الميلاد، أما ماركس فقد كان قوي البنية ذا عينين سوداوين وشعر كثيف أسود، لم يكن يهتم بمظهره، كان يستنفد قواه في العمل الفكري الذي كاد لايترك له وقتاً لابتلاع وجباته الغذائية، مما أحدث أثراً سلبياً على صحته، كان ماركس غير عملي في المسائل الصغيرة، لكنه كان يبدي براعة في الأعمال الكبيرة. فلم يكن يستطيع إدارة أمور بيت صغير، لكنه كان لايُجارى في قدرته العبقرية على حشد جيش وقيادته الى الأمام ليغيّر به وجه الأرض.
أدرك أنجلز منذ البداية تفوق ماركس العبقري، ولم يطمح الى لعب أيّ دور غير دور الشريك الثاني، غير انه لم يكن مجرد مفسر لماركس، بل كان دائماً معاوناً مستقلاً، ويملك قدرة فكرية مختلفة، ونجد ماركس يكتب بعد عشرين عاماً من لقائهما الأول :"اتعلم أنني أولاً وقبل كل شيء اتوصل الى الأشياء ببطء، وإنني ثانياً اتبع خطاك على الدوام".
فيما يكتب أنجلز في وصف صديقه ماركس بأنه:"موسوعة حيّة، مستعد للعمل في أي ساعة من ساعات الليل والنهار، مملوء بصفاء الذهن، سريع في الكتابة، ونشيط نشاط شيطان".