عندما نقض في 13 أيار 1937 .. الباب الشرقي وحديقة الملك

عندما نقض في 13 أيار 1937 .. الباب الشرقي وحديقة الملك

سالم الآلوسي
كان الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور، قد أسس مدينة في الجانب الغربي – الكرخ اطلق عليها اسم (مدينة السلام) على مقربة من قرية قريبة تعرف بـ(بغداد) وذلك عام 145 هـ (762 م) ثم جاء ابنه محمد المهدي فبنى الرصافة في الجانب الشرقي وفيها قصره وجامع الرصافة وأحاطها بسور وأحاط السور بخندق فأصبح لمدينة السلام – أو بغداد – جانبان الكرخ والرصافة.

ولم يلبث جانب الرصافة أن أخذ بالاتساع، وتقلصت مساحة بغداد، فانحصر معظم عمرانها في القسم الشرقي من المدينة داخل سور كان الخليفة المستظهر بالله قد شرع بإنشائه وذلك في سنة 488 هـ (1095م) واكمل بناءه الخليفة المسترشد. وبمرور الزمن أصابت هذا السور عدّة تخريبات ثم جدّده الخليفة الناصر لدين الله. وقد جعل لسور بغداد الشرقية أربعة ابواب هي :
باب السلطان – أي باب المعظم لأنه يؤدي الى مرقد الإمام الاعظم أبي حنيفة، 2- الباب الوسطاني وكان يعرف بباب الظفرية، 3- باب الحلبة – باب سباقات الخيل – وعرف بباب الطلسم، 4- ثم باب كلواذا – أو باب البصلية أي الباب الشرقي في العصور الأخيرة وقد عزز السور بعدد من الأبراج بين الأبواب الأربعة، حيث أقيمت على عشرة من هذه الأبراج مدافع ضخمة للدفاع عن المدينة في اواخر العهد العثماني. وهناك باب خامس يطلّ على نهر دجلة يعرف بـ(باب الجسر – أو باب الشط وفي التركية (صوقابي) وموضعه شمالي المدرسة المستنصرية ذكره الرحالة (تافرنيه) عام 1676(انظر الخارطة).
ومن المؤسف أنه لم يبق في الوقت الحاضر من هذه الابواب الأربعة إلاّ الباب الوسطاني الذي سبق لدائرة الآثار القديمة عام 1936 أن قامت بترميمه وصيانته وجعلته متحفاً للأسلحة، أما باب الطلسم، فقد نسفه الجيش العثماني ليلة 11-3- 1917عند دخول الجيش البريطاني من الذخائر المخزونة في باب الطلسم، وقد أسف أهل بغداد على تدمير هذا الأثر التاريخي ورثاه عدد من الشعراء. أما باب كلواذا – اي الباب الشرقي – فقد هدمته أمانة العاصمة يوم الاثنين 13-5-1937. كما رواها الأستاذ يعقوب سركيس.
قصة باب كلواذا
حظى باب كلواذا – ويُكتب أحياناً – كلواذى – بالألف المقصورة بالكثير من الأخبار فقد تناولته الكتب والمؤلفات ووصفه عدد من الرحالة والآثاريين الاجانب فقد رافقته أحداث ووقائع تأريخية نظراً لتعدد استخدام الباب لأغراض كثيرة بعد أن كان حصناً دفاعياً ومدخلاً للمدينة، يضاف الى ذلك تعدد اسماء الباب كما سنبيّن ذلك:

1- سمي باب كلواذا نسبة الى بلدة مهمة فيها جامع خاص بصلاة الجمعة من الدور العباسي عرفت بـ(كلواذى) والاسم كما يبدو من لفظه اراميا.
2 - عرف الباب بـ(باب البصلية) لأن الطريق الذي يخرج منه ويؤدي الى قرية كلواذى، كان مزروعاً بالبصل وفي جوار باب البصلية انشأ الخليفة المقتدي محلة البصلية كما يذكر ياقوت الحموي، وكان أحد قواد المغول قد اتخذ مقر معسكره بإزاء باب كلواذى في اثناء الحصار المغولي لبغداد سنة 656هـ وعندما احتل البريطانيون بغداد في 11 آذار سنة 1917 اتخذوا من باب كلواذى كنيسة لهم – بعد ترميمها – باسم كنيسة سنت جورج church of saint George) وسميت كذلك بالكنيسة الانكليكانية، وكنيسة الحامية البريطانية) وعندما توفيت المستشرقة البريطانية –غرترود لوثيان بيل – اي المس بيل (miss bellc.l) صيف عام 1926 أقيم لها قدّاس في هذه الكنيسة ومنها شيعت لتدفن في المقبرة الانكليزية في الباب الشرقي.
3 - وفي القرون الأربعة الماضية زار بغداد عدد من الرحالة الأجانب ودوّنوا مشاهداتهم عن أحوالها ووصفوا السور والأبواب أو جاءت الابواب باسمائها التركية العثمانية خاصة باب كلواذى مثل قره لغ، قارويغ قابي، قرة أو لو ق..إلخ.
مدحت باشا وباب كلواذا (1868- 1872)
وعندما تولى المصلح الكبير مدحت باشا ولاية بغداد قام بإصلاحات كبيرة منها انشاء مصانع، فقد انشأ معملاً لدباغة الجلود خاصاً بصنع اللوازم العسكرية للجنود كالأحذية والحقائب واحتياجاتهم ولوازمهم الحربية، فقام بإصلاح وترميم باب كلواذا وجعله (الدباغخانه) وقد ظهر اسم (الدباغخانه) في عدد من الخرائط لسور بغداد الشرقية. وعن موقع الدبخانة جاء في تاريخ العراق بين احتلالين نقلاً عن جريدة الزوراء الصادرة في 26- رمضان – 1334هـ مايلي: فتحت جادة خليل باشا (خليل باشا سي) بعرض 16 م وفي مدة وجيزة وتبتدئ من الدبخانة العسكرية الى باب الاعظمية وجرى افتتاحها يوم اعلان الدستور في 23-7-1916.
الباب الشرقي : اما اسم الباب الشرقي فلم يظهر إلا على خارطة الضابط العراقي رشيد الخوجة باسم (شرجي قبو) وذلك سنة 1908.

حديقة الملك
كان سور بغداد الشرقية محاطاً بخندق عميق يأخذ ماءه من نهر دجلة من نقطة تقع في موضع بداية مدينة الطب ويجري الماء من هذا الخندق وتصب من نقطة عند موقع المطعم التركي، وعند دار عبد القادر باشا الخضيري. وبقي هذا الخندق مرتعاً للأوساخ والنفايات والحيوانات النافقة حتى جاءت امانة العاصمة على عهد أمينها المهندس أرشد العمري فحولت الضلع الجنوبي الشرقي من الخندق الى حديقة باسم"حديقة الملك غازي"وذلك في أواسط الثلاثينات من القرن العشرين، وحوّل الاسم بعد ثورة 14 تموز الى"حديقة الأمة"يرتادها اهالي بغداد ويقوم في مدخلها نصب الحرية للفنان الكبير جواد سليم.
رب سائل يسأل: أين تقع قرية كلواذا؟ ويجيب على هذا السؤال أستاذنا العلامة مصطفى جواد، يقول تقع كلواذا في جنوب منطقة الكرادة الشرقية وموضعها في تلول الزوية المعروفة بـ(ايشن حاج عبد) – اي تلول الحاج عبد، وقد عثر في هذه التلول على آثار من الفخاريات وغيرها.