وزارة المعارف في سنواتها الأولى في العشرينيات

وزارة المعارف في سنواتها الأولى في العشرينيات

ثامر محمد حميد
أقدمت الحكومة البريطانية بعد اندلاع ثورة العشرين الى إدخال بعض التعديلات في سياستها بإدارة شؤون العراق، فقررت تشكيل حكومة مؤقتة تمهد لحكم وطني دائم في البلاد، اوكلت مهمتها إلى السير برسي كوكس (Sir.P. Cox) لا كحاكم مدني عام بل ليعيّن مندوباً سامياً في العراق وذلك لعلاقاته الواسعة بالساسة العراقيين، وبعد سلسلة من المباحثات تم في (25 تشرين الأول 1920) تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة واختير عبد الرحمن النقيب*، نقيب أشراف بغداد لرئاستها.

وخلال استعراضنا لتشكيلة الحكومة المؤقتة، نجد أن شؤون التعليم والصحة أصبحت لهما وزارة واحدة عرفت بـ(وزارة المعارف والصحة العمومية) وهي وزارة (أصيلة) وأسند أمرها إلى عزت باشا الكركوكلي*، إلاّ أنه ترك منصبه في (29كانون الثاني1921) ليتولى أعمال وزارة الأشغال والمواصلات، فأسندت إلى محمد مهدي بحر العلوم في (22 شباط 1921) وبقي في هذا المنصب حتى (23 آب 1921) وهو يوم استقالة الوزارة النقيبية الأولى بعد تتويج فيصل ملكاً على العراق. وأصبحت وزارة المعارف وزارة منفصلة في(10 أيلول1921) وكان ذلك في وزارة النقيب الثانية. وفي(27 أيلول 1921) أسند منصب وزير المعارف إلى محمد علي هبة الدين الشهرستاني.
تولت وزارة المعارف شؤون التربية والتعليم في البلاد، وأصبحت الإدارة التعليمية في العراق مركزية ووزير المعارف هو المرجع الأعلى في الوزارة، والمسؤول عن إدارة شؤونها وعن قيام جميع الموظفين بواجباتهم على أتمّ وجه، فالتعليم في العراق أصبح عملاً حكومياً بيد وزير مختص من أعضاء الوزارة القائمة وباسمه تصدر جميع التعليمات والأوامر وبإشرافه ورقابته تنفذ التعيينات والترقيات كافة.
عيّنت سلطة الانتداب البريطاني إلى جانب كل وزير من وزراء الحكومة العراقية مستشاراً بريطانياً، ففي وزارة المعارف عين المستر نورتون(E.L.Norton) مستشاراً وسعى في الواقع أن يكون موجهاً أساسياً للوزارة وبعد رحيله أصبح ناظر المعارف العام المستر ليونيل سميث (Lionel F.Smith) يقوم بمهام المستشار للوزير في المسائل التعليمية، ولم يتسلّم منصبه بشكل فعلي إلاّ في بداية عام(1923). وأشارت المصادر البريطانية إلى وقوع مشاكل عديدة بين الوزير والمستشار. كان من أسبابها أن المستشار كان يجمع وظيفتين في وقت واحده فهو القائم بأعمال المستشار وهو ناظر المعارف، كما أن حدود مسؤوليته لم تكن واضحة بالنسبة للوزير، فضلاً عن استمرار سلطة الانتداب البريطاني في سياستها التعليمية القائمة على إعداد مدارس ابتدائية تؤازرها في عملها المدارس الطائفية، مع أن سياسة الحكومة كانت تقوم على أساس التخلص من المدارس الطائفية بالتدريج، مع السعي إلى توسيع جهاز المدارس الوطنية من الابتدائية والثانوية، الأمر الذي لا تتقبله السياسة البريطانية القائمة على توجيه السياسة التعليمية في العراق على نحو يخدم مصالح بريطانيا الاستعمارية.
تضمن منهاج الوزارة النقيبية الثانية في(12 أيلول1921- 19 آب1922) السعي إلى (ترقية العلوم والمعارف في العراق) وضمان (اهتمام الأهلين بهذا الأمر الخطير واشتراكهم الفعلي) في هذا الموضوع. يتضح من ذلك اهتمام الحكومة الجديدة بشؤون التعليم، وعدته من الوسائل الفعالة في النهوض بالبلاد ورفع مستواها، وقد وضعت هذه المسؤولية على عاتق وزارة المعارف التي أخذت تعمل على إيجاد نظام تعليمي جديد يسعى إلى تنمية الروح القومية والوطنية وزيادة المتعلمين من أبناء البلاد الذين يستطيعون قيادة المجتمع وتطويره.
أصدرت وزارة المعارف في (7 آب1921) أول تقرير رسمي عن أعمالها للمدة (1920-1921) وذلك في عهد الوزير محمد مهدي بحر العلوم، وجاء في التقرير أن الوزارة أخذت بفتح مدارس ابتدائية جديدة لكلا الجنسين في ألوية العراق كافة، كما أشار التقرير إلى قيام الوزارة بتعديل رواتب المعلمين، لرغبتها في رفع مستوى مهنة التعليم، وتطرق التقرير إلى التعليم المهني وأشار إلى تطور مدرسة الصنائع في بغداد وإلى زيادة عدد طلاب دار المعلمين فيها الذين بلغ عددهم (95) طالباً.
قررت وزارة المعارف في زمن الوزير هبة الدين الشهرستاني* في وزارة النقيب الثانية تغيير المناهج التعليمية لجميع المراحل الدراسية أو قسم منها بعد أن شعرت بسوء المنهج التعليمي القائم، وشرعت بطلب آراء المعلمين ومديري المدارس تمهيداً لذلك، كما قررت تشكيل مجلس عام للمعارف في بغداد ضم أكثر من عشرين عضواً، منهم ساطع الحصري، إبراهيم فهمي المدرس، يوسف عز الدين، جميل صدقي الزهــاوي، محمد رضا الشبيبي، انستاس ماري الكرملي، وتنحصر مهمة هذا المجلس في (تقديم الاستشارات إلى وزارة المعارف في الأمور المهمة، فضلاً عن تشجيع الأهالي على إرسال أولادهم إلى المدارس ومساعدة الطلاب المحتاجين، وقيامه بجمع التبرعات لإنشاء الأبنية المدرسية)، مما شجع الأهالي على التبرع وتوجههم لدعم المدارس الرسمية وتمكنهم من جمع أكثر من ربع مليون روبية للمساعدة في بناء المدارس، في حين لم تكن ميزانية وزارة المعارف آنذاك أكثر من مليون روبية.
وجدير بالذكر أن نشير الى ميزانية وزارة المعارف لما تشكّله من اهمية كبيرة في التنمية العلمية والثقافية لاسيما وأن المدة قيد البحث شهدت بداية تأسيس الميزانية العامة للدولة والتي كانت ضعيفة وتعاني من قلة الكادر المتخصص، فقد كان مقدارها لعام (1921)(4290975) ديناراً في حين كانت الميزانية المخصصة لوزارة المعارف للعام الدراسي (1920-1921)(145200) دينار، ومن ذلك يتضح ضعف الميزانية المخصصة لوزارة المعارف التي تبلغ نسبتها (3,3%) من الميزانية العامة وهي نسبة ضئيلة جداً ولا يمكنها أن تغطي حاجة البلاد من المدارس الموجودة آنذاك، إلا أنّها شهدت زيادة تدريجية في الأعوام اللاحقة، ولو تتبعنا نسبة ميزانية المعارف إلى الميزانية العامة لوجدناها تزداد بالتدريج إلاّ أنها بصورة بطيئة، وبعد عامين تضاعفت النسبة، وانعكست هذه الزيادة ايجاباً على التعليم.

ملحق :
ــ عزت باشا الكركوكلي (1869-1932): أحد القادة العسكريين المتقاعدين، أصله من مدينة كركوك، تقلد منصب الوالي على البصرة بالوكالة عام 1913، أحيل على التقاعد عام1914، عاد إلى الخدمة بعد قيام الحرب العالمية الأولى وصف صلاحياته في الحكومة العراقية المؤقتة قائلاً (إن صلاحياتي لا تتجاوز حدود هذا البرفان) للتعبير عن مدى تعاظم سلطة المستشارين البريطانيين التي جعلت من صلاحيات الوزير هامشية.

ــ محمد مهدي حسن الطباطبائي (1897-1933): المعرف بـمرزة كجك الصغير تميزاً عن جده الأعلى آية الله محمد مهدي بحر العلوم، فقيه من كربلاء عمل مديراً لأوقاف كربلاء.

ــ محمد علي هبة الدين الشهرستاني (1884-1967): هو عالم دين مثقف ولد في سامراء أصدر مجلة العلم عام1910، وعرف بأنه ذو نزعة تجديدية واضحة، وأسهم في ثورة 1920، ثم اعتقل وأطلق سراحه وفي 27 أيلول 1921 أسند إليه منصب وزير المعارف في الحكومة العراقية،فقد بصرة، اصبح عضواً في مجلس النواب.

عن رسالة (الحياة الثقافية في بغداد1921 – 1933)