تحويل الأحلام إلى أفعال

تحويل الأحلام إلى أفعال

حاكم محسن محمد الربيعي
رحلتي.. كتاب للرئيس الهندي السابق زين العابدين عبد الكلام – إصدار دار المدى، ترجمة وتقديم الكاتبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي.
الكتاب كما جاء في تقديم المترجمة بأنه استذكارات جميلة لتفاصيل صغيرة لم يأتِ عبد الكلام على ذكرها في سيرته الذاتية التي نـشرها عام 1999 ونشرت طبعتها الحادية عشرة عام 2002 وكان قد أصبح رئيساً للهند خلال السنوات من 2002 – 2007

وتقول المترجمة في تقديمها، إن عبد الكلام استشعر في دواخله نوعاً من المصالحة الطبيعية غير القسرية بين العلم والنوازع الروحانية، وإنه يرى في التناقض المزعوم بين العالمين تأكيداً للمادية المتطرفة وهذه النظرة بُنيت على اساس نظرته وقناعته الفلسفية المبكرة التي يجملها"لم يكن بوسعي القبول بأن مدركاتنا الحسيّة هي المصدر الأوحد لبلوغ المعرفة والحقيقة"وإن المعرفة الحقيقية تكمن في استكشاف أغوار الذات الجوانية، ويضيف، ولكن شيئاً فشيئاً تعلمت كيف أتبيّن موضع قدمي وسط ذينك العالمين، وقد احتاج جهده الفائق الى سنوات عدة لكي يتبلور في حالة راسخة.

ويلخص رؤيته للحياة بكلمات نقتطف منها"العمل الدؤوب والتقوى. الانكباب على الدراسة والتعلم، التعاطف والمغفرة، هذه كانت أحجار الزاوية في حياته وقد تمكن من مشاركة الناس بجذور إيمانه بهذه القيم النبيلة، وعن مجال عمله في برنامج الصواريخ الهندية، يقول عبد الكلام"أدركت منذ البداية أن السلام مهم للغاية لتطور بلاده لكن السلام يأتي دوماً متوافقاً مع القوة، لذا نحن نحتاج القوة لكي نجعل أمتنا تنعم بالسلام، ويذكر الرجل مجموعة من السمات الأساسية التي يجب أن يمتلكها القائد وهي السمات الآتية :
- 1 الرؤية : يقصد بالرؤية التي يجب أن تكون لدى الرئيس أو القائد، هي رغبة القائد أو الرئيس لما سيكون عليه الحال مستقبلاً على أي مستوى وحيث كان رئيساً لدولة الهند. إذ لديه رؤية للانتقال بالدولة من حال الى آخر أفضل من سابقه. وهكذا يجب أن يكون الرؤساء أو القادة أو من تكون بيدهم زمام البلاد بغض النظر عن التسميات للمسؤوليات.
2- الاستكشاف: هي امكانية اعتماد طرق وأساليب غير مجربة تساعد على الدخول في أنشطة بعيدة عن الطرق والاساليب المجرّبة شريطة أن تكون نافعة. وهذا يعني الإبداع لمن لديه عزم وايمان ومرحّب بأهل العلم والمعرفة ويعمل على استقطابهم لا إبعادهم وكأنه كما يقول بعض المطلعين لو كان هناك مثقف وآخر أمّي، ستكون الأفضلية لدى البعض للأمّي لأنهم لا يريدون الأعلم منهم، وهذا يعني لا ابداع ولا تنمية ولا تطوّر.
3- معرفة كيفية التعامل مع حالتي النجاح والفشل، هل الاستسلام لحالات الفشل هو الحل أم أن ذلك قد يكون دافعاً للبحث والنجاح تعويضاً للفشل وتعزيزاً للقول الذي يؤكد أن كثيراً من حالات فشل كانت انطلاقة نحو النجاح، حالة النجاح تعزز موقف من نجح في مهمة أو نشاط معين وعلى أي مستوى، ولكن هناك حالات فشل قد تحصل، هذه كيف يتم التعامل معها. يجب أن تكون لدى القائد أو الرئيس رؤية حول ذلك.
4- الشجاعة في اتخاذ القرارات : يترتب على القرارات نتائج قد تكون خطيرة لاسيما اذا كانت خاطئة، لكن ذلك لا يجب أن يكون مصدر احباط لاتخاذ القرارات، والشجاعة تعني اتخاذ القرار من دون تردّد ولكن ذلك ليس بعيداً عن المراس والتجربة والخبرة، فكل ذلك يكسب متخذ القرار الشجاعة على اتخاذ القرار.
5 - الشفافية : أن الكشف عما لدى الرئيس من قرارات ومعلومات، أي أن يكون واضحاً ولا يخفي شيئاً. تكسبه ثقة الآخرين كونه يتمتع بالمصداقية.
6 - النزاهة : يقال إن فلاناً نزيه ماذا يعني ذلك، النزية هو الشخص الذي لا يقرب الفساد المالي أو الإداري، ويكتفي بما له فيه من حقوق، وبالتأكيد هذا النوع هو الذي تحتاج اليه الشعوب. وتأمل أن يخصص ما لديه من أموال للإعمار والبناء والخدمات.
سكن رئاسي
ويذكر الرئيس الهندي أن السكن الرئاسي (راشتراباتي بافان)، يجب أن يكون بيتاً لكل الناس هذا السكن الرئاسي. هو بالتأكيد تعبير مجازي عن أن هذا القصر الرئاسي كما يسمّى في دول عديدة ملك لكل الناس (الشعب الهندي) ويجب أن لا يكون مستحيلاً الوصول إليه وهذه المشاعر تأتي من خلال اهتمام الرئيس بشعبه وحاجات هذا الشعب، لكن معروف أن الهند تجاوز عدد سكانها المليار ومئات الملايين، شعب بهذا العدد يصعب أن يعمل اي رئيس على أن يكون شعبه بهذا العدد مرفّهاً، واعتقد يكفي أن يكون هناك اهتمام من لدن الرئيس وبما يستطيع تحقيقه للتخفيف من معاناة شعب بهذا العدد، لكنه كان مهتماً بالمواطنين ومنهم الريفيون، إذ كان يسعى لإيصال الخدمات الصحية الى المواطنين الريفيين وجعلها متاحة لهم، ويضيف أن شبكة الحوكمة Governance الاداء الحكومي شفاف أمام المواطنين بما يجعلهم مقتنعين بدور المؤسسات الحكومية في خدمتهم فعلاً.
وفي رسائله الى الشباب الهندي يقول،"تذكّروا أن الهند ستكون في حاجة لجهودكم خلال القرن الحادي والعشرين لتعملوا بنزاهة ولتنجحوا بنزاهة أيضاً، وينبغي إحلال الروحية القائمة على مبدأ (ما الذي يمكنني منحه) محل (ما الذي يمكنني اقتناصه) – تلك هي الطريقة المثلى لاستئصال الجشع الذي يقود الى مشاكل خطيرة مثل الفساد والتدهور البيئي المستديم، والسلوكيات الأخلاقية الشائنة. هذه سجايا هذا الشخص رغم أن حياته منذ الطفولة لم تكن بالمستوى المعيشي المرفّه بل يذكر الرجل، أن كمية الطعام التي تضعها جدته ووالدته على مائدة الطعام اصبحت في وقت ما أقل بكثير من ذي قبل، بعد أن يتم تقسيم الطعام بيننا جميعاً كما يقول، ولكن بعد أن يتم إطعام الأطفال أولاً ودائماً، وبهذه الطريقة سارت أمور حياته وعائلته، ولكن الرجل والذي كان عالماً ومهندس صواريخ وساهم في البرنامج النووي والصاروخي الهندي ثم أصبح رئيساً للهند، لم يكن شرهاً في الكسب والاقتناص، بل كان مبدئه دائماً هو ما الذي عليَّ أن امنحه لشعبي، وكان الرجل ضد التميّز الديني والقومي ومعلوم أن الهند متعدد الأعراق وفيها ما يزيد على 1500 ديانة، ولا يسمح بالتميّز على أساس القومية أو الدين رغم حصول بعض الإشكالات ولكنها تحل ولا يسمح بالتأجيج، وكان الرجل يجول في الهند المترامية الأطراف والحاوية على نسيج معقد من الأطياف الاجتماعية ليرى بعينه كما يقول، كيف يعيش الناس في مختلف أنحاء البلاد والبيئة التي تشكّلت منها حياتهم والمعضلات التي تواجه هذا الطيف الواسع وكيف يجري تذليل تلك المعضلات، وقد زار الرجل مختلف المناطق الهندية بحيث ذكر ماعدا منطقة لا كشو اديب، وقال سيبقى آسفاً لعدم زيارتها وكان يسافر براً وجوّاً وبالقطار أيضاً، وهذا يعني انه لم يكن يفضّل التميّز عن الآخرين في اعتماد الجو وسيلة للتنقل فقط كما يفعل الرؤساء الآخرون بسبب بعدهم عن الشعب، إن هذا الرجل الذي حكم الهند للأعوام من 2002- 2007 كان زاهداً وحارب الفساد بالقدر الذي استطاع عليه وكان ضد التميّز القومي والديني، وركز على ما الذي بإمكانه أن يمنحه لشعبه وليس كما فعل ويفعل الآخرون الذين يعملون على أساس ما الذي عليَّ اقتناصه، كما فعل البعض الذين شاءت الأقدار أن يتحكموا بمصائر بلدانهم، فنهبوا المال العام وأصبحت بلدانهم على حافة الإفلاس اضافة الى العمل على تنمية الطائفية والمذهبية مما أدى الى الاقتتال وشيوع ظاهرة الخطف والاغتيالات، وكان ذلك سبباً في خلق بيئة نمى فيها الإرهاب ودخول إرهابيين من مختلف دول العالم واحتلال المدن والعمل على تهجير الناس ونهب الأموال وسبي النساء من ديانات أخرى، إذ لو عمل هؤلاء وفق مبادئ هذا الرجل لما حصل في بلدانهم ما حصل، على أية حال، سيبقى الراحل (زين العابدين عبد الكلام) في ذاكرة الشعب الهندي بكل أطيافه المتعددة لأنه عمل لشعبه ولم يميّز بينهم. لقد عاش ومات مسلماً عمل بالمبادئ الإسلامية ولم ينظر بها دون تطبيق كما يفعل البعض، كما سيذكر الآخرون من خارج بلاده، هكذا هم الوطنيون والنزيهون أينما كانوا.