يحيى قاف يحكي وما يخاف  قصة رائد مسرحي عراقي منسيّ

يحيى قاف يحكي وما يخاف قصة رائد مسرحي عراقي منسيّ

أحمد سلمان
يعرف جميع متتبعي تاريخنا الفكري العراقي الحديث أن الكثير من أسماء هذا التاريخ ممن برز في مختلف الأنشطة الفكرية لم تزل منسية مغمورة، مع الخدمات الكبيرة التي قدمتها للأجيال التاليةـ لقد بنينا فكرنا على ما أسسه هؤلاء من أسس فكرية وما تميّزوا به من مزايا لعبت دوراً في يقظتنا، هؤلاء هم المؤسسون ـ ولا مفر من الاعتراف بفضلهم العميم علينا، ومن هؤلاء المرحوم يحيى العبد الواحد الشهير بيحيى قاف، الذي أنقل لكم بعض ما عُرف عنه وكُتب.

وذكرته موسوعة أعلام الموصل للدكتور عمر الطالب فقالت :
ولد يحيى ق في الموصل عام 1894 في حي (المكاوي) من أسرة دينية تمتهن الزراعة والحياكة، التحق بالمدرسة بإلحاح أحد أعمامه الذي توسم فيه الذكاء، التحق بالدورة الرابعة لإعداد المعلمين وتخرج فيها عام 1919، عيّن معلماً في إحدى المدارس الابتدائية، اعتقل لأول مرة بسبب نشاطه في المعركة الانتخابية لصالح المرشح القومي (سعيد ثابت) ولقب بـ (يحيى ق) لأن اسمه في جمعية العهد السرية المناهضة للسيطرة التركية (قحطان) أخرج من المعتقل وأعيد إلى الوظيفة وعند زيارة الملك فيصل الأول للموصل في مطلع العشرينيات، عقد اجتماعاً في الجامع الكبير، ألقى فيه يحيى ق كلمة عدّها الملك مساساً به، ونجا من التنكيل بفضل تدخل (الحاج أيوب عبد الواحد والد القاص ذنون أيوب، وكان تعريضه بفيصل أول معارضة للنظام الملكي في الموصل).
قدّم استقالته إثر ذلك عام 1923 والتحق للعمل في مدرسة (الغري) بالنجف، وبقي مديراً فيها مدة أربع سنوات، وقد تركت مدينة النجف في نفسه أطيب الأثر وعدّها مدينته الثانية ورأى فيها مناراً للعلم والوطنية، وساهمت حياته هناك في تفتيح ذهنه وتطلعه إلى آفاق جديدة. وتقبله للأفكار المتحررة التقدمية. وزادت أفكاره من نشاطه السياسي خاصة وأنه شارك منذ بداية شبابه في الحركات القومية لاستقلال الموصل وانفصالها عن تركيا. ويذكر قحطان التلعفري في كتابه (ثورة تلعفر) أن يحيى ق، كان مراسلاً عند قائد الثورة جميل المدفعي. ترك يحيى ق، النجف وعاد إلى وظيفته ثانية وراح ينتقل من مدينة إلى أخرى، وفي أوائل العشرينيات أسّس فرقة مسرحية باسم (دار التمثيل العربي) عام 1923 وأصبح مديرها المسؤول وشارك في تمثيل المسرحيات التي قدمتها الفرقة وألف مسرحيته"فتح مصر"وشارك في تمثيلها وخصص ريعها لدعم الأحزاب الوطنية، ثم أسس فرقة (المعهد العلمي) وقدم فيها مسرحيته"فتح الشام"التي شارك في تمثيلها أيضاً، حتى أغلق المعهد العلمي عام 1933.
نقل يحيى ق إلى الموصل عام 1944 وعيّن مديراً للمدرسة القحطانية، وكان يلتقي بطلبته كل صباح ويلقي عليهم في كلمة التوعية الوطنية، وعمد إلى فتح دورات متعددة في الريف والمدينة لتدريب المعلمين الشباب على طريقته السريعة في تعليم الكبار وكان قد أصدر كتابه (تعليم الأميين) عام 1937، ويقع الكتاب في أربعين صفحة -وقد صدرت منه ثلاث طبعات- ويتضمن مقدمة قصيرة واثنين وثلاثين درساً وقد جاء في مقدمته:
“هذا كتاب للأميين وضعته على طريقة جربتها في حياتي التعليمية في بعض المدارس الرسمية والمعاهد الأهلية، وبمناسبة نشاط حركة مكافحة الأمية القائم بها الشباب اليوم، رأيت أن أقدمه للأميين لعله يسد بعض الفراغ إلى أن يضع المربون كتاباً شاملاً في هذا الموضوع الحيوي". ولم يقتصر يحيى ق في كتابه هذا على تعليم القراءة فقط وإنما جعله مدرسة وطنية تربوية، فهو يتحدث عن العروبة والنضال لتحرير فلسطين في الدرس الثالث والعشرين وعن مكافحة الأمية في العراق في الدرس الثاني والثلاثين وأهمية التوعية والتعليم وكان يذهب إلى مراكز تجمعات العمال ويلقي عليهم دروسه التعليمية، مما يثير دهشتهم في بادئ الأمر ويثير اهتمامهم ورغبتهم في التعلم بعد ذلك.
اعتقل يحيى ق ثانية في انتفاضة 1948 وقدّم للمجلس العرفي وفق المادة (89) واعتقل مرة ثالثة إثر انتفاضة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وألقي القبض عليه وأودع في السجن عام 1963وبقي فيه حتى توفي عام 1966.
من مؤلفاته:1-فتح مصر 1923 (مسرحية) مثلتها فرقة المعهد العلمي عام 1924. 2-فتح الشام 1924 (مسرحية) مثلتها فرقة المعهد العلمي عام 1936. 3-تعليم الأميين 1937. 4-القادسية 1934 مثلت عدة مرات على مسارح المدارس في الموصل.
وذكره المؤرخ الكبير ابراهيم خليل العلاف فقال : في رسالتي للماجستير (ولاية الموصل : دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922) تطرقتٌ الى الأستاذ يحيى قاف الشيخ عبد الواحد عندما كان عضواً في إحدى الجمعيات السرية في الموصل سنة 1914 بهدف الكفاح المسلح ضد الحكام الاتراك الاتحاديين وكان يحمل اسماً مستعاراً هو (قحطان) وكان الى جانبه ثابت عبد النور (حسان) ورؤوف الغلامي (نادب الحق) ومكي الشربتي (طارق) ورؤوف الشهواني (المغيرة).
واتذكر انني في بداية الخمسينات من القرن الماضي، عندما كنت أذهب الى مدرستي الابتدائية (أبي تمام) في محلة عبدوخوب كنت أشاهده في طريقي وهو مدير للمدرسة القحطانية ومدرستي أبي تمام والقحطانية الابتدائيتين، كانتا من المدارس الابتدائية العريقة مع المدرسة الحسينية والمدرسة العراقية والمدرسة العدنانية. كان رجلاً قصير القامة، أصلع وبدين، وملابسه بسيطة وقديمة، وكان يمشي ببطء، ويسلّم على من يراه في طريقه. عمل الأستاذ يحيى قاف الشيخ عبد الواحد مديراً للمدرسة القحطانية في الموصل كما عمل مديراً لمدرسة الفري في النجف الأشرف. وقد زرع في نفوس تلاميذه الحسّ الوطني والشعور الطبقي وكان هو نفسه قد شارك في كل الانتفاضات التي شهدها العراق ابتداءً من ثورة 1920 والتي ابتدأت في تلعفر حيث كان يعمل معلماً في 4 حزيران 1920 وانتهاءً بثورة 14 تموز 1958.
عندما زار الملك فيصل الأول ملك العراق الأسبق 1921-1933 في العشرينيات، التقى بعدد من رجالات الحركة الوطنية الذين عملوا من اجل صيرورة الموصل جزءاً من العراق، ورفض مطالبة تركيا بها ووقف أمام الملك فيصل ليتحدث بصراحة وشجاعة مردّداً:"أنا يحيى قاف أقول وما أخاف".
يقول الأستاذ عبد القادر العيداني - إن جريدة (طريق الشعب) نعته وقال تحت عنوان: (استشهاد المربي الكبير يحيى قاف في سجن الحلة) إن المربي، والمناضل يحيى قاف الشيخ عبد الواحد يجب أن يكون أمثولة للرجال الصادقين، وسمته بطل المعلمين ومعلم الأبطال، ووجهت تحية للموصل التي أنجبت هذا الرجل الشجاع، وأشادت بمواقفه الوطنية المشهودة له، ومهاجمته الحكام الطغاة بعبارات لاتزال مضرب الأمثال.