بيرغمان في مئويته

بيرغمان في مئويته

علاء المفرجي
يستذكر عشّاق السينما في كل مكان هذه الأيام الذكرى المئوية لميلاد إنغمار بيرغمان، أحد أساطين السينما والذي يشهد له الفن السابع أنه أهم مجدّد في تأريخه.
كان بيرغمان هو من شدّني في وقت مبكر من عمري الى هذا العالم الساحر السينما.. عندما كنت في بيروت التي دخلتها بشكل غير شرعي هرباً من القمع السياسي عام 1979،

وحصل أن شاهدت مع بعض الأصدقاء فيلمه (صراخ وهمسات) الذي كانت تعيد عرضه إحدى صالات السينما.. ولم أكن أعرف أي شيء عن هذا الفيلم أو مخرجه، وهو ما دفعني فيما بعد الى مشاهدة أغلب أفلامه وقراءة ما كتب عنه في أدبيات السينما.
ولد إنغمار بيرغمان في 14 تموز 1918، وعاش طفولة متزمتة مع أب قسيس بروتستانتي ليكون ذلك عاملاً رئيساً في تكوينه الفني والفكري، ويظهر ذلك من خلال أفلامه وكتاباته التي تناولت العالم بلا تزمت ديني، بل وبلا مؤسسة دينية.
قصة الفيلم تتلخص في كونه يحكي قصة سيدة (أنيس) مصابة بالسرطان تقضي أيامها الأخيرة في فراشها ترافقها أختاها (كارين وماري) وخادمتها (آن).
الفيلم يضم سلسلة من المشاهد ينتهي كل مشهد باللون الأحمر، ثم ننتقل إلى مشهد آخر يلعب فيه اللون الأحمر الزاهي دوراً أساسياً.
قال المخرج العالمي إنغمار بيرغمان مرة، أنه"صنع جميع أفلامه وهو يفكر في اللونين الأسود والأبيض، لكن تجربته في هذا الفيلم تختلف تماماً، في فيلم"صرخات وهمسات"كان الاشتغال على اللون الأحمر هو تعمق داخلي في الروح، فهذه الروح مثل تنين هو مخلوق آخر نصفه طائر والنصف الآخر حوت، لكن كل ما بداخل هذا الكائن لون أحمر."
فيلم"صراخ وهمسات"اختصار لسيرة هذا المخرج العظيم، فكل ما أنجزه قبل وبعد هذا الفيلم كان تنويعاً لموضوعه، فقد عمل فيه علّة أكثر من فكرة: الجسد، عالم النساء السري، الألم، الحزن، الوحدة، البوح المسكون عنه.. بهمسات وصراخ نسائه اللواتي نتعرف على آلامهن من خلال الصراخ أو الهمس.
عن هذا الفيلم يقول بيرغمان:"إن هذا المشروع لا يأخذ كلّ واضح الحدود، إنه أشبه ما يكون بسيل متدفق وقاتم: وجوه، حركات، أصوات، إيماءات، صرخات، ظلال ونور، أجواء، أحلام، لا شيء ملموساً، وإنما مظاهر فحسب".
هو الذي كان يقول دائماً إنه في أفلامه يرى أحلامه مجسدة، وفي فيلمه هذا قدّم كل مهاراته التقنية من أجل تجسيد رؤاه، وكان غريباً على مخرج مسرحي مثل بيرغمان درس وتعلم وعاش فترة شبابه في المسرح الملكي بستوكهولم أن يقدّم سينما من نوع جديد تعتمد على لحظات الصمت أكثر منها على الحوار والسرد من أجل تقديم أحاسيس شخصياته.
كان بيرغمان يغلق الحائط الرابع الوهمي، الذي تحتل مكانه الكاميرا على الممثل عبر تضييق مساحة الكادر أو من خلال استخدام"الزووم"، على وجه الممثل، والممثل بدوره يؤدي ما بداخله ليس أمام الجمهور، ولا أمام أقرانه من الممثلين، بل في مواجهة الكاميرا وكأنه في كرسي اعتراف لا أمام الكاميرا.
عبر ستة عقود من مسيرته الإبداعية، قدّم بيرغمان العديد من الأفلام، حيث بدأ العالم يتعرف على بيرغمان من خلال أفلام مثل «لعبة الصيف(1950)، و(مونيكا 1952) و(انتظار النساء 1952). و(ابتسامات ليلة صيف 1955)، واحتفى ناقدان من نقاد مجلة «كراسات السينما» الفرنسية احتفاءً كبيراً بفيلم «لعبة الصيف»، الذي يحكي عن مراهقين يقضيان فترة الإجازة الصيفية على شاطئ البحر واعتبراه بداية لسينما مختلفة. هذان الناقدان هما فرانسوا تريفو وجان لوك جودار، لذا فإن المؤرخين يعتبرون أن فيلم بيرغمان هو المُلهم لحركة الموجة الجديدة في السينما الفرنسية.