لأمهاتنا نبضُ القلوب وجبالٌ من العرفان

لأمهاتنا نبضُ القلوب وجبالٌ من العرفان

منى سعيد الطاهر
لطالما سعت الكاتبة «آليس ووكر» الحائزة على جائزة البوليتزر في مجال الأدب، وعلى جائزة الكتاب الأميركي، نحو "الخلاص الكلّي"لجميع النساء.
إذ عمدت على ذكر الأذى والصدمات التي تلقتها شخصياً أثناء طفولتها، إلى جانب ذكر تفصيلات حرجة من مجريات تفصيلات حياة كثير من النسوة المضطهدات، وبخاصة الأميركيات من أصل أفريقي، من أجل تماثلهن من أوجاعهن ومواجهتهن الحياة بجدارة..

ونعرف من سيرتها بأن أمها كانت مزارعة وخادمة في البيوت، لكنها أدركت أهمية التعليم لحياة أبنتها، فأدخلتها مرحلة التعليم الابتدائي وهي في سن الرابعة، وأعفتها من أعمال المنزل كي يٌتاح لها الوقت للقراءة وتأدية الواجبات المدرسية، ثم وفّرت مال خدمتها لتشتري لأبنتها عدة هدايا كان لها أكبر الأثر مثل: ماكينة خياطة مكنتها من تدبير ملابسها، وحقيبة أوحت لها بوعد السفر والسماح به، وآلة كاتبة ذات فائدة عظيمة فيما بعد.. ثم أصيبت «أليس"بطلقة من بندقية أخيها حين كانت في الثامنة أثناء لعبهما معاً، ففقدت عينها اليمنى الإبصار، ما أدخلها في حالة من العزلة أمضت فيها سبع سنوات منكبّة على القراءة النهمة وكتابة القصائد الأمر الذي أدّى لترشيحها عن طلبة صفها في المرحلة الإعدادية لنيل منحة دخول كلية معتبرة والدراسة فيها بادئة بذلك مشوار حياتها المهنية والأدبية ذائعة الصيت..
عن أمها تقول آليس: كانت أمي من النساء العاملات وبذلت جهداً كبيراً، كما اعتادت مراقبة الصابون، كان هناك صابون اسمه «بينما العالم يدور» واستطعت أن أرى كيف كان لهذا النشاط في مراقبة ذلك الصابون في المساءات مع إنها كانت غاية في التعب، قد نال كثيراً من طاقتها.. وكنت أفكر، كيف باستطاعة أناس مثل أمي أن يكونوا جزءاً ممن يغيّرون العالم، برغم أنهن مثقلات عادةً بالعمل والأطفال؟؟.
وكنت أفكر بأن إتباع طريقة معينة في عمل الأشياء سيؤدي إلى تشكيل دوائر من الناس في محيط الجيران، في مجتمعك الصغير، حتى في بيتك، ليكون لك عند الأوقات الصعبة والقاسية حقاً مجتمعك المصغّر الخاص، ليساعدك وليقودك متخطية الصعوبات، بينما العالم يحترق. والعالم يحترق فعلاً".
وفي يوم المرأة العالمي، وقبل احتلال العراق، وقفت آليس ومجموعة من الكاتبات أمام البيت الأبيض وعقدن أيديهن مندّدات بالحرب حتى اعتقلن من قبل الشرطة.
عن ذلك الحدث تذكر: «بدا الأمر ضرورياً، لاني لا أؤمن بإيذاء الناس. لا أؤمن بإلقاء القنابل على الأطفال. لا أؤمن بإحداث المآسي حين لا تكون ثمة ضرورة لها. المأساة بذاتها ليست ضرورية. وهكذا كنت مع نساء أخريات لديهن الأيمان بأنّ نساء العراق محل الحب تماماً مثلما هن نساؤنا وأطفالنا محل الحب بين عائلاتنا، وأننا في الحقيقة نشكل عائلة واحدة، ولذلك بدا الأمر لي وكأنما كنا نمضي فعلياً لقصف أنفسنا نحن بالقنابل".
لنسائنا العراقيات ملايين القصص، بل أن هواءنا مثقل بحكايات نساء باسلات جديرات بحياة شرسة جميلة في الوقت نفسه، استطعن التكيّف بما مر ويمر من مآسٍ وصدمات.. وما أن تنقر على ذلك المخزون التحتي لمشاعرنا وأحاسيسنا التي نكنها لأمهاتنا حتى تنهال شلالات من الشجن تعيدنا لهدهدة تنويمة المهد.. ننصت لعذوبتها بينما تبذر فينا حزناً شفيفاً ينمو من دون أن ندري.. لأمّي شمعة روحي المضيئة أبداً، ولكل الأمهات نبضات القلوب، وجبال من العرفان.