شيءٌ عن اغتيال رستم حيدر وملابساته السياسيّة

شيءٌ عن اغتيال رستم حيدر وملابساته السياسيّة

رياض فخري البياتي
بينما كان وزير المالية رستم حيدر، جالساً في مكتبه في وزارة المالية يوم 18 كانون الثاني 1940م، استأذن في الدخول عليه شخص يُدعى حسين فوزي توفيق، وهو مفوض شرطة سابق، وحين حاول التعيين في دوائر الري، رفض طلبه بدعوى عدم موافقة وزير المالية على طلبه، وبعد أن سمح له بالدخول قدّم أمام أنظار رستم حيدر كتاباً،

وبعد أن قرأه رستم حيدر، اتجه نحو الباب للخروج من مكتبه، فيما قام حسين فوزي توفيق بإطلاق رصاص مسدسه عليه من الخلف، فأصابه من الجهة اليسرى، ونفذت من الأمام، وقد هرع المواطنون وأفراد الشرطة إلى مكان الحادث، وقبضوا على الجاني، فيما نقل رستم حيدر إلى المستشفى الملكي لإسعافه.

وبعد أن ألقي القبض على حسين فوزي توفيق، نقل إلى مديرية شرطة بغداد، وتم التحقيق معه من قبل جميل الأورفلي وبحضور المدعي العام ومدير شرطة بغداد، وقد اعترف حسين فوزي توفيق بقيامه بإطلاق الرصاص على رستم حيدر، بسبب عدم حصوله على وظيفة وعدها إياه بها وزير المالية رستم حيدر، ولما يأس من الحصول على وظيفة أقدم على تلك العملية من دون أن يحرضه أو يعاونه أو يشترك معه أي شخصٍ آخر.
بعد انتهاء التحقيق مع حسين فوزي توفيق يوم 18 كانون الثاني 1940م، حضر رئيس الوزراء نوري السعيد مساء ذلك اليوم، وكان بصحبته ابنه صباح وسكرتير وزارة الدفاع، ومعاون الشرطة عبد الرزاق العسكري، وقد وجّه أسئلة إلى حسين فوزي توفيق، إذ سأله عن الأسباب التي دفعته لقتل رستم حيدر، إذ اعتقد نوري السعيد أن تلك الجريمة قد حدثت بتحريض من قبل أشخاص آخرين، واختلى نوري السعيد به لمدة نصف ساعة، ثم بعدها مع من كانوا بصحبته.
وفي اليوم الثاني لاعتقال حسين فوزي توفيق، اتخذ إجراء قانوني مفاجئ غيّر من مجرى القضية، إذ أرسلت إضبارة التحقيق إلى المجلس العرفي العسكري، بناءً على طلب رئيس المجلس العرفي، فقد كانت الأحكام العرفية معلنة في البلاد في ذلك الوقت، وذلك في إثر معلومات أدلى بها الجاني حسين فوزي توفيق، أدت الى تغيير مجرى التحقيق بعدما دون تلك المعلومات بخط يديه والتي أفادت أنه قد حرض من قبل مجموعة من الأشخاص، على ارتكاب تلك الجريمة، وقد تم توقيف المحرضين على تلك الجريمة بناءً على طلب رئيس المجلس العرفي.
يتضح أن نوري السعيد أراد إلقاء مسؤولية الجريمة على عاتق خصومه وخصوم رستم حيدر السياسيين، إذ استغل وجود خلافات بين رستم حيدر ومن اتهموا بالتحريض على تلك العملية (4)، لغرض الإيقاع بهم، ولاسيما أنهم كانوا يجاهرون بعدائهم للوزارة القائمة في عهد نوري السعيد.
وقد تعددت الروايات حول تلك العملية، فقد ذكر ناجي شوكت انه في أحد الأيام حضر مأدبة عشاء أقامها حمدي الباجه جي، وحضرها عدد من الأعيان والنواب والوزراء وكبار الموظفين، سمع أصواتاً مزعجة في الغرفة المجاورة للغرفة التي كان فيها، وعندما سأل عن مصدر تلك الأصوات تبيّن أن صبيح نجيب، تحدث إلى رستم حيدر وهو في حالة سكر شديد قائلاً له: ((لماذا لا تذهب الى بلادك أنت الكذا والكذا، وبعد تدخل الحاضرين أوقف صبيح نجيب عند حده)).
وذكر طه الهاشمي، أن نوري السعيد كان قلقاً كثيراً من جراء ذلك الحادث، وأنه قام بتوجيه الاتهامات إلى عدد من الأشخاص مدعياً وجود مؤامرة استهدفت النيل من حياة رستم حيدر، وطلب إيقاف أي شخص يشتبه به واعتقاله. وذكر صلاح الدين الصباغ: ((أن مقتل رستم حيدر جاء تطبيقاً لما تقتضيه المصالح البريطانية في العراق، وإن لنوري السعيد دوراً في تلك العملية)).
وهناك وجهة نظر قد تصب في دعم ذلك الرأي، تقول: إنه حين أريد تنفيذ حكم الإعدام بحق الجاني حسين فوزي توفيق، وقف يصيح قائلاً: ((أين الوعد يا نوري... لقد وعدتني بخير الجزاء... أهذا جزائي بعد أن قتلت رستم))، ثم أضاف حين وضع حبل المشنقة حول عنقه، وقد ردّد اسم نوري ثلاث مرات قائلاً: ((لقد خدعتني يا نوري، وعدتني بأن تنقذني يا نوري، يجب أن تشنق معي يا نوري لأنك شريكي)).

ذكرت المصادر الألمانية، أن البريطانيين حاولوا توجيه أصابع الاتهام نحو ألمانيا في قضية رستم حيدر، وبالمقابل حاول الألمان تكذيب ادعاءات بريطانيا تلك بإطلاق شائعات تتهم البريطانيين في قضية مقتل رستم حيدر، إلا أن السفير الألماني في العراق (غروبا) وبعض العاملين في وزارة الخارجية الألمانية، اعتقدوا أن من الصعوبة اطلاق مثل تلك الشائعات، ولاسيما بعد بروز حقيقة مفادها، إن موضوع الخلاف بين نوري السعيد ورستم حيدر، كان بسبب سعي نوري السعيد لإعلان الحرب على ألمانيا، بينما كان رستم حيدر يعمل للحفاظ على حياد العراق مع الحفاظ على علاقات وطيدة مع بريطانيا، ما دامت العلاقات مع الألمان مفقودة، وبالتالي فمن غير المعقول أن تندفع بريطانيا للانتقام من رستم حيدر بسبب اختلافه في وجهة نظره تلك مع نوري السعيد.
عقد اجتماع لمجلس الوزراء، وحدثت معارضة داخل المجلس على مقترح نوري السعيد في إحالة قضية مقتل رستم حيدر إلى محكمة عرفية، واعتبارها جريمة سياسية وبخاصة من قبل وزير الخارجية علي جودت الأيوبي، ووزير الموصلات جلال بابان، إذ طلب من نوري السعيد إحالة القضية إلى المحاكم المدنية، وعدها جريمة جنائية عادية، لكن نوري السعيد أصرَّ على إحالة القضية إلى المجلس العرفي العسكري، واقترح وزير العدلية محمود صبحي الدفتري تأليف لجنة محايدة. ألفت لجنة جديدة برئاسة حاكم التمييز عبد العزيز المطير، وعضوية عبد الرزاق الظاهر سكرتير وزارة العدلية، و (ويلكنز) Wellkinz الخبير البريطاني في مديرية التحقيقات الجنائية، ولما قامت اللجنة باجراء التحقيق مع المتهم حسين فوزي توفيق، اعترف الأخير حول قيام صبيح نجيب وابراهيم كمال بالاجتماع به في مزرعته في أبي غريب بين وقتٍ وآخر، وقد أبديا استعدادهما للقيام بمساعدة عائلته، اذا ما انقذ العراق من شرور رستم حيدر.
وفي اثناء ما كانت اللجنة التحقيقية ماضية في عملها، توفي رستم حيدر يوم 22كانون الثاني 1940م، متأثراً بجراحه بعد أن قضى أربعة أيام في المستشفى.
اعترض بعض الوزراء مطالبين بحصر التحقيق مع الجاني حسين فوزي توفيق وحده وهدّدوا بالاستقالة، كما التقى عدد من رؤساء الوزارات السابقين بالوصي عبد الإله واحتجوا على إجراءات الشرطة في عملية توقيف الأشخاص الذين اتهموا بالتحريض على ارتكاب جريمة قتل رستم حيدر، بناءً على المعلومات التي أدلى بها الجاني حسين فوزي توفيق.
قدّم نوري السعيد استقالته من رئاسة الوزارة يوم 18 شباط 1940، في محاولة منه للحد من اللغط السياسي الذي حدث من جراء قضية مقتل رستم حيدر، وسير اجراءات التحقيق فيها، لكن محاولة بعض ضباط الجيش التمرد من جهة، واعتذار رشيد عالي الكيلاني عن تولي رئاسة الحكومة، دفعا الوصي عبد الإله إلى أن يعهد له بتشكيل الوزارة مرة أخرى، ولما شكّل نوري السعيد وزارته الخامسة يوم 22 شباط 1940، انتهز الفرصة وأبعد وزير العدلية محمود صبحي الدفتري من وزارته الجديدة.
ويتضح مما تقدّم، أن الرأي الأرجح حول دوافع قيام الجاني حسين فوزي توفيق بعملية قتل رستم حيدر، أنها كانت بدافع حالة اليأس النفسي التي انتابت الجاني المذكور، فضلاً عن ميوله وتأثره بالدعاية الألمانية، واتضح ذلك من خلال الوصية التي كتبها المذكور يوم 11 كانون الثاني 1940م، (قبل أسبوع واحد من تلك العملية) والتي جاء فيها: ((أن داعياً وطنياً دعاني لهذه التجربة ما دمت قد صممت على الانتحار، وهي إن أنقذ أمتي وبلادي من شرور أحد الخونة على الأقل، وانه ليس هناك من حرضني على هذا الواجب)).

بدأت محاكمة الجاني حسين فوزي توفيق وبقية المتهمين، في مقتل رستم حيدر يوم 3 آذار 1940م، إذ شكلت هيئة للمحكمة تكونت من رئيس للمحكمة وأربعة أعضاء آخرين، وقد أصدرت حكمها على الجاني حسين فوزي توفيق بالإعدام وفق المادة (214) من قانون العقوبات البغدادي، لكونه قد ارتكب جريمة القتل مع سبق الإصرار والترصد، كما حكم على صبيح نجيب بالسجن لمدة سنة واحدة، وذلك وفق المادة (89)، من قانون العقوبات البغدادي، ووضع تحت مراقبة الشرطة بتهمة إثارته الكراهية والبغضاء بين السكان، وأطلق سراح بقية المتهمين بعد تبرئتهم من تلك الجريمة، وقد عدت عملية اغتيال رستم حيدر حدثاً مهماً في عهد الوصي عبد الإله، وكإحدى جرائم الاغتيالات السياسية في تلك الحقبة التاريخية.

عن رسالة (ظاهرة الاغتيالات السياسية
في العهد الملكي في العراق)