ذكريات فنية..لميعة توفيق تغنّي ( لاخبر ) قبل فاضل عواد

ذكريات فنية..لميعة توفيق تغنّي ( لاخبر ) قبل فاضل عواد

جميل المشاري
ولدت المطربة العراقية لميعة توفيق في بغداد عام 1937 وهي واحدة من مطربات بغداد الشهيرات التي كانت تغني باللهجة البغدادية . نشأت في وسط فني يحب الغناء الريفي. أكملت دراستها الثانوية في مدرسة الكرخ ثم دخلت مدرسة الموسيقى عام 1950 وتخرجت في معهد الفنون الجميلة عام 1959، وعندما عرفت بحلاوة صوتها تقدمت إلى الاذاعة عام 1953

وغنت عددا كبيرا من الاغاني ، وعندما بدأ بث تلفزيون بغداد عام 1956 قدمت الكثير من الحفلات التي جعلت صوتها و لونها الغنائي معروفين ، سافرت إلى الكثير من الاقطار العربية و الاوروبية في ذلك الوقت لتحيي حفلاتها.. صوت قوي النبرات ريفي النكهة مدني الصدى.. حالفها الحظ فأحتفظ التلفزيون العراقي لها بأغنيات مصورة تعد على أصابع اليد،
اهتمت بالغناء على خشبة المسارح الليلية أكثر من اهتمامها بالغناء الإذاعي، طبقتها الصوتية عالية جداً وخزينها من الأغاني الإذاعية لا يتجاوز الخمس والثلاثين أغنية بالرغم من رحلتها الطويلة مع الغناء، وهي تجيد الغناء لأطوار الأبوذية والسويحلي والنايل بشكل جيد وجميل، لكنها ظلت حبيسة المسارح، وقد برعت في غناء ( الهجع ) منذ عام 1953 عندما سمعته في منطقة المشخاب، وهذا النوع من الغناء تشتهر به مناطق الفرات الأوسط من العراق، وهو غناء راقص يعتمد في أغلب الأحيان على آلة موسيقية واحدة هي الطبلة. من أغانيها المشهورة، «هذا الحلو كاتلني يعمه» و» شفته وبالعجل حبيته والله « والأغنيتان من ألحان الملحن محمد نوشي، ولها أغنية «يا الولد يا أبني « التي ذاع صيتها بسرعة مذهلة في البيوتات العراقية لخصوصيتها المحلية البحتة.
ابتعدت المطربة لميعة توفيق عن الغناء في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم بعد أن مرت بمرحلة قاسية صعبة عرفت بأغاني الهجع وهو وزن ريفي راقص اشتهرن به مطربات الغجر وسجل التلفزيون لها أغانيها.. وبقيت واقفة أمام المايكرفون تغني حتى انطفأت شمعتها في تسعينيات القرن العشرين تاركة العشرات من الأغنيات.
ماتت لميعة توفيق عام 1992 بسبب مرض عضال ودفنت في مقبرة الكرخ في بغداد.‏ وتركت أرثاً كبيراً من أغانيها المسجلة في إذاعة بغداد.غنت لميعة أطواراً من «الأبوذية» و»السويحلي» و»الهجع» و»النايل» وهو فن عراقي يتصف بالحنين والعواطف الجياشة حيث أبدعت فيه هذه الفنانة الكبيرة، ومن أغانيها الشهيرة:
- شفته وبالعجل حبيته والله
- نيشان الخطوبة
- هذا الحلو كاتلني ياعمة
- يلماشية بليل إلهلج
- يمة إهنا يمة
- جينا نشوفكم
- العايل ما إله حوبه
- يا يمه انطيني الدربيل
بعد ان اذيعت اغنية لا خبر في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي واخذت شهرتها بصوت الفنان فاضل عواد وهي بالاصل قصيدة للشاعر طارق ياسين لحن بعض مقاطعها الملحن والمطرب الراحل حسين السعدي. قام احد اصحاب الاسطونات في الكويت وهو محمد الشايب بالاتفاق مع مطرب الاغنية لغرض طبعها على اسطوانة يوزعها في الكويت والخليج.
ارسل الشايب (العتيب) الى قبرص لغرض نقل الاغنية على اسطوانة وجعل غلافها من الورق الصقيل، الوجه الاول يتزين بصورة المطرب المبدع فاضل عواد والوجه الاخر خط كلمات الاغنية وهو فرح ومطمئن لنجاح مشروعه وذلك بسبب عدم انتشار اجهزة الكاسيت.
وكانت الاسطوانة هي سيدة السوق وقد ظهر في ذلك الوقت (كرامفون) للسيارات كانت فرحة محمد الشايب لا توصف وهو يحدثنا ويصف لنا جمال تصميم غلاف الاسطوانة، وكنا انا والفنان عبدالواحد جمعة رحمه الله نستمع اليه وذلك في مكتبه الواقع في عمارة جوهرة الخليج في ساحة الصفاة في الكويت.
وكان الفنان عبدالواحد جمعة يستمع بجد ويضحك في سره وعندما نزلنا الى الشارع العام قال لي عبدالواحد: مسكين محمد قلت لماذا قال سترى بعد يومين سوف تخيب كل احلامه قلت: لم افهم شيئاً! اجابني انتظر غدا او بعد غد، ولم يهدأ لي بال فاخذت الح عليه حتى وصلنا مكتب ابو زيد فون وهو اشهر مكتب لتسجيل الاسطونات سواء في الكويت او الخليج واسمه (محمد الصكعبي) وهو رجل ضرير ولكن متذوق للفن وعقلية تجارية وهو وكيل لعدد من منتجي الاسطونات في القاهرة او بيروت اضافة الى فروعه في بعض امارات الخليج. فقال له يا ابو طالب وهي كنية المطرب عبدالواحد غدا سوف نخرج البضاعة من الكمارك. وبعد حساب وجمع وطرح قال ابو زيد لقد اصبحت كلفة الاسطوانة الواحد 96 فلسا وهنا اخذ يضحك عبدالواحد جمعة وقال: غدا محمد الشايب يصيبه الغم والحزن. وبعد خروجنا قص لي الحكاية فقال: الم تعلم بان مجيئي الى الكويت قبل يومين هو من لبنان؟ قلت نعم قال الم يخطر ببالك ماذا افعل في لبنان في هذا البرد القارص؟ قلت له اكيد لمتابعة اعمال ابو زيد فضحك وقال قبل اسبوع وعندما كنت في بغداد سجلت اغنية (لا خبر) بصوت لميعة توفيق في استوديو جميل بشير وبعد ذلك حجزت الى لبنان ومعي الشريط وتم تفريغه على اسطوانة ويوم غد سوف تنزل الى السوق بصوت لميعة قبل ان تصل بضاعة محمد الشايب بصوت مطربها الاصلي فاضل عواد.
وهنا استغربت من هذه الحكاية وما صادف بها من مفارقات لا مجال هنا لذكرها، وفي ظهر اليوم الثاني وصلت الصناديق الى مخزن (محمد الصكعبي ابو زيد فون) وعلت مكبرات الصوت تصدح باغنية لا خبر بصوت لميعة توفيق، فكان الاقبال عليها شديدا من قبل الجماهير التي أحبت هذه الاغنية او من اصحاب بيع الاسطوانات في جميع انحاء الكويت وقد بيعت الاسطوانة الواحدة بسعر الجملة بمبلغ (دينار وربع كويتي) وكانت كلفتها واصلة الى مخازن ابو زيد (96 فلسا وهكذا افشل ابو زيد وعبدالواحد جمعة مشروع محمد الشايب الذي كان يحلم به وبعد وصول بضاعته بشهر من توزيع الاغنية بصوت لميعة كان الاقبال عليها ضعيفا وصح المثل القائل (التجارة شطارة)!