ذكريات عن البصرة ومينائها ومطارها

ذكريات عن البصرة ومينائها ومطارها

سيف الدين الآلوسي
عُرفت البصرة الفيحاء بتنوع سكانها وكرمهم وتسامحهم كونها ميناءً مهماً ومركزاً تجارياً مهماً، وعقدة المواصلات كافة بين أوروبا والشرق الأوسط مع شبه القارة الهندية والشرق الأقصى وأستراليا لاحقاً.كانت البصرة ولحين نشوب الحرب العراقية الإيرانية مشتى العراقيين كافة، ومدينتهم السياحية المفضلة ولأسباب منها طبيعة مجتمعها وتمدنه، وطبيعتها الساحرة ببساتين النخيل والقنوات المائية، وتراثها الأصيل، وطقسها الجميل طيلة أشهر الشتاء من السنة.

البصرة الخالدة أنجبت للعراق ولا تزال الكثير من الشعراء والأطباء والمفكرين والقادة العسكريين والعلماء والوزراء والفنانين والمبدعين طيلة عقود طويلة من الزمن ولا تزال.تأثرت هذه المدينة الساحرة بشدة من ناحية الأعمار والتركيبة الاجتماعية والثروة التي لا تعوض وهي (بساتين أو غابات النخيل)، وذلك بسبب الحروب المستمرة طيلة ربع قرن، وتأثرت كذلك تربتها الطاهرة بالتلوث الإشعاعي والبيئي ومما سبب انتشار الأمراض السرطانية وغيرها، ومما يستوجب حملة دولية ووطنية لمعالجة تلك المشاكل وبجدية وإيثار واليوم قبل الغد .
كانت البصرة مجتمعاً نموذجياً للتآخي والتعايش الاجتماعي للعراقيين كافة وكشقيقتها بغداد، حيث كان تضم خليطاً متنوعاً من أطياف العراق الكريمة كافة، وقد ساهم الجميع في نهضتها وجعلها قبلة للاستقرار العائلي وللجميع، حيث نرى أكثرية الناس التي خدمت في البصرة تشبثت بها وجعلتها موطناً جديداً بسبب مجتمعها الكريم والأصيل المتسامح..
لننسى الأيام العجاف في بصرتنا الحبيبة ونرجع الى زمنها الجميل ولو قليلاً في هذه المقالة المتواضعة عنها...
كانت البصرة تضم ميناءً جوياً يعتبر هو الأهم في المنطقة، ومنذ فترة الثلاثينيات وحتى منتصف السبعينيات، حيث كان مسؤولاً عن حركة الطيران وتنظيمه في المنطقة وحتى الطائرات التي كانت تهبط في مطار عبادان كانت تأخذ التوجيهات من مطار البصرة!! هذا المطار الجميل المشابه لمطار بغداد المدني والذي شيّد في الثلاثينيات، كان يحتوي على فندق يسمّى فندق شط العرب، وهو من أجمل الفنادق التي رأيتها في حياتي الى يومي هذا، كان المطار والفندق يطلان على نهر شط العرب الخالد في منطقة المعقل، ومقابل الجسر الخشبي القديم على شط العرب والمؤدي الى جزيرة السندباد الجميلة، تصميمه يحتوي على موقف كبير للسيارات في مدخله ثم صالة كبيرة جداً (تستعمل للمسافرين والمستقبلين والمودعين ونزلاء الفندق!) مبلّطة بالخشب الباركيه ومفروشة بأثاث جميل ومقاعد من الجلد، على يمين الداخل يوجد ممر الى بناء غرف ملحق الفندق والتي بُنيت لاحقاً، وعند المدخل توجد القاعة الكبيرة الجميلة وعلى يمينها المطعم والذي كان يقدم أطيب المأكولات (كان لديهم فطور صباحي لا يوجد مثيله في أرقى الفنادق الى اليوم) وما يسمّى بالفطور الإنكليزي أو أنكلش بريك فاست أصلي!!! وكذلك بقية الوجبات من مختلف أنواع الوجبات العراقية والهندية والعالمية! كذلك يوجد على جنب القاعة على اليمين الاستعلامات للفندق، ومن ثم ممر الى الحديقة على يمينه بار إنكليزي ومن وعلى يساره نادٍ ليلي محترم .
كانت الحديقة الأمامية تطل على ساحة وقوف الطائرات وعلى يمينها مسبح صيفي وعلى النمط المعماري القديم، في الطابق الثاني لبناية فندق شط العرب كان هنالك ممران على اليمين واليسار، يضم على جانبيه غرف الفندق، وهي غرف بمساحات كبيرة ولها حمامات خاصة ومزوّدة بتلفزيونات كانت تسحب القنوات الإيرانية المدبلجة (حيث كانت أفلام كارتون الأميركية مثل ميكي ماوس وبوباي مدبلجة بالفارسي وحتى أفلام الكاوبوي مثل رنكو وغيرها!!)، وكذلك قناة الكويت ولحين افتتاح تلفزيون البصرة .
كانت تستعمل هذا المطار ومنذ الأربعينيات مختلف الخطوط الجوية العالمية مثل الـ (BOAC) و الـ (KLM) وبان أميركان وساس، ولكونه محطة ترانزيت بين الغرب والشرق، وبالإضافة الى الخطوط الجوية العراقية بطائراتها الفايكنغ والفايكونت ومن ثم البوينغ 737، ولكون مدرجته قصيرة وطولها كيلو متر واحد وغير قادرة على استقبال الطائرات الكبيرة الحديثة. كانت هنالك مشكلة في توسيع المطار لكون وجود محطة كهربائية بقربه وأبراج للضغط العالي، ونهر فرعي مما أوجب بناء مطار جديد في البصرة، ولقد فقد أهميته الجغرافية والملاحية بسبب الحروب وتكالب دول الجوار الشقيقة على أخذ هذا الحق، ومثل البحرين وإيران وغيرها، حيث قدمت شكوى الى منظمة الطيران المدني كون هذا المطار لا يصلح لإدارة الملاحة الجوية في المنطقة!
وفي بداية السبعينيات، كان مطار البصرة وفندق شط العرب يقدم خدماته لمختلف رجال الأعمال والسيّاح من العراقيين ودول الجوار، حيث كان يأتي أشقاؤنا الكويتيون في أيام الخميس والجمعة لاحتساء الأسكنجبيل الممنوع في بلدهم وبكميات كبيرة، حيث وقعت عدد من حوادث السيارات بسبب درجة الكحول العالية وخصوصاً أيام الخميس والجمعة!!!!
كانت في البصرة العديد من الأماكن الثقافية والفنية ومن أبرز فنانيها التشكيليين المرحوم إسماعيل فتاح الترك ومحمد مهر الدين وفاروق حسن وغيرهم الكثير. ومن الرياضيين جليل حنون وهادي أحمد وعلاء أحمد وعادل خضير وصبيح عبد علي ووو، والى اليوم. كذلك أنجبت البصرة رائد الشعر الحر المرحوم بدر شاكر السياب وغيره الكثير من الشعراء والأدباء والمبدعين في كل المجالات، حيث لها من أسماء الأطباء والمهندسين والكتّاب والفنيين ما يتطلب كتاباً خاصاً عنهم .
في البصرة نوادٍ اجتماعية قديمة منها نادي النفط وبهو الإدارة المحلية وأبنية معمارية جميلة جداً، مثل قصور باش أعيان والنقيب والبدر والنعمة والخضيري وقسم كبير من عوائل الأخوة المسيحيين والأرمن وغيرهم، وكلها تمتاز بطراز معماري فريد وفي مناطق عديدة مثل مناوي باشا وشط العشار وغيرها.كما كانت غابات النخيل في البصرة وما جاورها مثل أبي الخصيب والتنومة ومن قنوات ملاحية بين البساتين مصدراً لإلهام الكثير من الشعراء والسيّاح والمستثمرين.