شيءٌ من تأريخ البصرة الإداري

شيءٌ من تأريخ البصرة الإداري

قحطان حميد يوسف
يحد لواء البصرة، من الشمال والشمال الشرقي هور الحويزة ولواء العمارة (ميسان)، ومن الشمال المنتفك (ذي قار) وهور الحمار ومن الجنوب الخليج العربي وخور عبد الله، ومن الشرق شط العرب وايران، ومن الغرب البادية الجنوبية ودولة الكويـت.

ويمكن تتبع تطور التشكيلات الادارية للبصرة، من خلال تصفح بعض ملفات أرشيف متصرفية لواء البصرة، إذ حوى معلومات تفصيلية عن التشكيلات الإدارية، والجهاز الحكومي في متصرفية لواء البصرة خلال مدة الحكم الملكي (1921 ـ 1958) فلقد ورث الحكم المذكور، البصرة من عهد الاحتلال البريطاني كوحدة إدارية تتبع لها أقضية المركز وأبي الخصيب والقرنة.

أما المركز، فكان تحت اشراف متصرف اللواء مباشرة، ويتبع قضاء المركز ناحيتا الهارثة والزبير، بينما يتبع قضاء أبي الخصيب نواحي الفاو وشط العرب والسيبة، أما قضاء القرنة، فتتبعه ناحيتا المدينة والسويب. ويتولى ادارة كل قضاء القائممقام، وفي قضاء المركز يعاون المتصرف في تصريف شؤونه وكيل المتصرف، بينما يتولى شؤون الناحية، مدير الناحية. وتتبع الأقضية الثلاثة المذكورة محلات تقع في مراكزها، وقرى تقع خارج حدود هذه المراكز، ويتولى تصريف شؤونها المختارون، حيث كانوا حلقة الربط بين الحكومة والسكان.
إن المتتبع لهذه التشكيلات، يجدها في تغير مستمر، ففي عام 1932م، كان لواء البصرة يتكون من ثلاثة أقضية هي شط العرب والقرنة والسيبة، وقد تم تحديد كل قضاء، وما يرتبط به من نواح ومحلات وقرى. ومن التغيرات التي أشارت إليها الوثائق الحكومية لمتصرفية البصرة إلغاء ناحية الشافي، ودمجها بناحية السويب، ويبدو أن العامل الاقتصادي كان له الأثر الكبير في عملية الإلغاء والدمج، حيث أن خزينة الحكومة لا تتحمل مصروفات الموظفين الإداريين وغيرها، مما جعلها تعمد الى فكرة ترشيق الجهاز الوظيفي بهذه الطريقة، وقد بررت إجراءاتها تلك مشيرة الى"الضائقة المالية"وحدوث الأزمة العالمية عام 1931م، وقد اصبحت الناحية الجديدة من مضافات قضاء القرنة. ولم تمض فترة طويلة على ذلك الإجراء، حتى جرى التأكيد على ضرورة الفصل بين هاتين المنطقتين عام 1935م، ويظهر أن الأمور الاقتصادية قد تحسنت، ولم يبق مبرر يستدعي الدمج، فأشارت بالفصل بينهما متذرعة بعامل"صعوبة إدارتها لسعتها. ومن بين التغييرات التي أشارت إليها الوثائق أيضاً جعل ناحية أبي الخصيب قضاءً بعد أن كان ناحية تابعة لقضاء شط العرب، وأصبح هذا القضاء يتشكل من ثلاث نواحٍ هي: شـط العـرب والسيـبة والفاو.
بالإضافة الى ضرورة فصل ناحية شط العرب عن قضاء أبـي الخصيـب، وتكمن خلف هذا الاجراء عوامل اجتماعية وجغرافية منها قرب هذه الناحية من قضاء البصرة (المركز) فهي قسم من المركز لا يفصلها إلا شط العرب، فضلاً عن بعدها عن قضاء أبي الخصيب، وتجشم الأهلين عناء السفر آنذاك ذهاباً وإياباً لإنجاز معاملاتهم اليومية في دوائر الحكومة كلما استدعى الأمر ذلك، وهكذا أظهرت مضامين الوثائق حقيقة أن يكون لكل من ناحيتي الزبير والهارثة قائممقام يتولى تصريف شؤونهما بعد سلخ ناحية شط العرب من قضاء أبي الخصيب وإضافتها الى قضاء المركز.
وحين استقرت أمور التشكيلات الإدارية في اللواء كليّاً عام 1955م، أصبحت على النحو التالي: قضاء البصرة ونواحيه شط العرب والهارثة والزبير، ثم قضاء القرنة ويشتمل على ناحيتي السويب والمدينة، وأخيراً قضاء ابي الخصيب ويتبعه ناحيتا السيبة والفاو.
وهناك تحديد دقيق للتشكيلات الادارية، أحياناً، فعلى سبيل المثال، أن حدود قضاء القرنة سنة 1932 كانت: (من الشمال منطقة العزير التابعة للواء العمارة، ومن الجنوب هور السناف المتصل بحدود لواء المنتفك، ونهر عمر الفاصل بين قضائي القرنة وشط العرب ومن الشرق هور الحويزة والنير الفاصل بين الحدين العراقي والايراني، ونهر الزريجي التابع لناحية شط العرب ومن الغرب نهرا الصباغية وعلي بن الحسين الفاصلين بين قضائي سوق الشيوخ والقرنة. إن البحث سيتعامل مع الوثائق الخاصة بالتشكيلات الادارية على وفق ما انتهت إليه من التغييرات، وعلى هذا الأساس سيكون لواء البصرة مكوناً من ثلاثة أقضية هي : قضاء المركز، ثم القرنة، وأخيراً قضاء أبي الخصيب بنواحيها ومحلاتها وقراها.

قضاء المركز
وفيه مقر متصرفية اللواء، وقد خضع لسلطة المتصرف مباشرة، يعاونه في تسيير أموره وكيل المتصرف، ومجلس اللواء الذي يتألف من أحد عشر عضواً، وقد تأرجحت تشكيلات هذا اللواء بين الضيق والسعة، بالسلخ، أو بالدمج وبدءاً من عام 1936م، ضم مركز القضاء نواحي الهارثة والزبير وشط العرب، إضافة الى مقر المركز.
فناحية شط العرب كانت جزءاً من التشكيلات الإدارية لقضاء شط العرب، الذي تشكّل من مساحات أرضية غير مترابطة هي نواحي شط العرب وأبي الخصيب والزبير والهارثة. ثم أصبحت شط العرب، إحدى نواحي قضاء أبي الخصيب، وأخيراً اصبحت إحدى نواحي المراكز كما تمت الإشارة الى ذلك سابقاً، وأصبح قضاء المركز يضم اضافة الى منطقة المركز نواحي شط العرب والزبير والهارثة.
فأما مركز اللواء فقد ضمّ منطقتي العشار والبصرة، وقد ارتبط نشوء مدينة البصرة الحديثة مع شق وحفر نهر العشار، حيث وقعت هذه المدينة على ضفافه، ولم تبعد عن شط العرب اكثر من ستة كيلو مترات. وفيها كانت تقع دائرة متصرفية اللواء، في احدى محلاتها القديمة (محلة الباشا) بالإضافة الى دوائر البلدية والأوقاف ومشروع الكهرباء والماء والمحكمة..الخ. ثم نقلت دائرة متصرفية اللواء فيما بعد الى منطقة العشار، حين امتدت يد العمران إليه وضم المركز اثنتين وثلاثين محلة، تولى تصريف شؤونها المختارون، وقد بلغ عدد المتصرفين الذين تولوا تسيير أمور اللواء ضمن المدة التي تضمنها البحث، ثمانية عشر متصرفاً تكررت ولاية أحدهم ثلاث مرات. ومن طريف ما يلاحظ تولية أحد المتصرفين، ثم سار الزمن حتى تولى ابنه البصرة لأربع سنوات.
ويبدو أن بقاء المتصرف فترة أطول وإعادة ولايته مرتين أو ثلاث، يعتمد على تنفيذه للأعمال التي تكلفه السلطة القيام بها من جهة، إضافة الى حزمه وشدة معرفته بأحوال اللواء ومجتمعه، مع قدرته الإدارية من جهة أخرى. وعموم سكان منطقة البصرة متحضرون ويسكنون الدور المبنية من الطابوق، بينما كان سكان منطقة العشار هم في الغالب من الطبقة الفقيرة، الجأتهم ظروف العيش الى ترك مناطق سكناهم الأصلية والعيش في محلات جديدة مساكنها في الغالب من القصب (الصرائف). ولقد ألحقت بقضاء المركز نواحي الزبير وشط العرب والهارثة، وقد سيّر أمورها موظفون إداريون هم مدراء النواحي، وساعدهم في مهامهم تلك مختارو المحلات والقرى.