عادل الهاشمي... دروسٌ في الأخلاق والإبداع

عادل الهاشمي... دروسٌ في الأخلاق والإبداع

محمد رشيد
الكاتب الموسيقي والأب الروحي عادل الهاشمي عرفته من خلال متابعتي له من خلال عموده في نقد الموسيقى التي كانت تنشره جريدة الجمهورية على صفحتها الأخيرة، التقيت معه بداية عام (2000) بعد افتتاح دار القصة العراقية وكان ضمن الشخصيات التي خططنا لتكريمها آنذاك بجائزة (قلادة الإبداع) التي كانت تمنحها دار القصة العراقية للمبدعين العراقيين، الشيء الذي أحببني فيه هو (خلقه العالي) و(إنسانيته المتميزة) كذلك سلوكه الدافئ الذي يسير جنباً إلى جنب مع إبداعه، وهذه الميزة نادراً ما نجدها عند المبدعين الحقيقيين.

والتقيت معه مرة ثانية عام 2002 قرب مبنى أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد واتفقنا معاً على موعد تكريمه نهاية عام 2002 في بغداد، وأخبرني بأنه معجب جداً بهذه الجائزة وهذا الانتقاء الذي تحدث عنه الوسط الثقافي بفخر واعتزاز كون الجائزة منحت ضمن احتفاليات مهيبة إلى (المسرحي محيي الدين زنكنة والقاص جاسم عاصي والروائي عبد الخالق الركابي والقاص فرج ياسين والناقد سليمان البكري والقاص أحمد خلف) وغيرهم، وأعطاني رقم هاتف منزله الأرضي للتواصل، ولكن شاء القدر وأصحاب الأقلام (؟؟؟) أن ينتهي الأمر بإغلاق دار القصة العراقية يوم 1/9/2002 بأمر من الحكومة العراقية وتحريض وتنفيذ من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق وانتهى الأمر حينها.
بعد أحداث 2003 أعيد افتتاح دار القصة العراقية واستمرت فعالياتها واستمرت اتصالاتي بالكاتب المبدع عادل الهاشمي والشيء المبهر الذي تعلمته منه هو تواضعه وسعة صدره، مرة سمعت صوته الأبوي الحنون من خلال الموبايل في صباح أحد الأيام يهنئني بعيد الأضحى المبارك سعدت جداً، ولكني خجلت كونه اكبر مني سناً وأفضل مني منزلة، حتى إني تلعثمت حينما كلمته وحينما انتهى الاتصال جلست بين عائلتي وأخبرتهم بوقع هذه التهنئة على قلبي من قبله، وأنا أسرد لأولادي رحت ارتجف خجلاً وتعرقت وقتها جبهتي، لقد تعلمت وأنا صغير من عائلتي والمجتمع أن الصغير هو من يبدأ التحية للكبير، وهو من يقدم الاعتذار وهو من يفعل كل شيء احتراماً وتقديراً لكبر سنه، لكن الأب الهاشمي غمرني باحترامه وعطفه وحبه، أخبرته مرة كان عائداً من مهرجان المربد (البصرة) هو ونقيب الفنانين السابق حسين البصري، والكاتب ناظم السعود، وشرفني بحضوره إلى دار القصة العراقية في العمارة حيث كانت محطة استراحة لهما، واستقبلته مع صديقي الوفي الفنان جميل جبار نقيب الفنانين في ميسان، وجمعتنا جلسة حوارية كانت من أجمل الجلسات في حياتي لأنها صادقة وحميمة، قلت للأستاذ الهاشمي: أستاذنا الكبير أنا أخجل جداً حينما تبدأ بتهنئتي في المناسبات واشعر بحرج.
فأخبرني: أنت إنسان كبير تستحق كل الاحترام والتقدير كونك حققت للثقافة العراقية منجزات كبيرة وشجاعة وإنكم حينما تدعون المبدعين تضعهم في ميزانهم الحقيقي ليس كباقي المؤسسات والمهرجانات التي سفهت الثقافة وقللت من قيمة وشأن المبدعين واعتقد هذا ليس رأيي فقط بل رأي عدد كبير من المثقفين العراقيين.
كنت أتمنى أن يطول اللقاء لكن ودعنا بعضنا واتفقنا على أن يكون تكريمه بجائزة العنقاء مع الكاتب ناظم السعود يوم الأحد 25/3/2007 وحينما رتبنا كل شيء للاحتفاء برمز كبير من رموز العراق والوطن العربي، حدث ما لم يكن في الحسبان، وللأسف الشديد وهو قادم من بغداد وقبل أن يصلنا بساعتين أخبرني بأنه تلقى اتصالاً من البيت أن أخاه توفّي ولا بد له أن يعود إلى بغداد، حزنت جداً لمصابه وكوننا لم نتشرف بحضوره، لكننا تحدثنا عن إبداعه وتجربته الفريدة في الاحتفالية التي أعددناها له، وتسلّم جائزته صديقه الوفي الكاتب ناظم السعود في (قاعة دار القصة العراقية/العمارة) بحضور الفنان حسين البصري نقيب الفنانين والفنان جميل جبار وعدد من المثقفين من مدينة العمارة.
لقد تعلمت من الرمز المثمر الخالد الذكر عادل الهاشمي أشياء مهمة في الحياة منها أن أبدأ السلام وأقدّم التهاني والتعازي على الصغير والكبير معاً، لأن الإنسان المثمر حينما يبادر بالمعروف تُسجّل له منزلتان، الأولى التواصل والثانية التواضع.