سنكلير لويس  وكيف تكتب رواية؟

سنكلير لويس وكيف تكتب رواية؟

عابد خزندار
قال الراوي إن جامعة هارفارد دعت الكاتب الأميركي سنكلير لويس الفائز بجائزة نوبل للآداب ليلقي على طلابها محاضرة عنوانها: كيف تكتب رواية؟ وفي الموعد المحدد جاء لويس إلى القاعة التي سيلقي فيها محاضرته وكانت غاصة بالطلاب، فالكل يتطلع إلى أن يتسنم قمة المجد التي وصل إليها لويس وينضم إلى مجمّع الخالدين، ووقف لويس على المنصّة وتلفت يميناً وشمالاً وصمت ملياً،

وبدون مقدمات وجّه إلى الحضور هذا السؤال: من منكم يريد أن يكتب رواية؟ فارتفعت جميع الأيدي بدون استثناء، ومرة أخرى صمت لويس ملياً ثم قال:"وما الذي جئتم تفعلونه هنا؟ اذهبوا إلى بيوتكم واكتبوا"

وبعد هذه الكلمة القصيرة انتهت المحاضرة، وما يعنيه لويس هو أن كتابة الرواية مثل تعلم السباحة، فلو قرأ المرء مائة كتاب عن كيفية تعلم السباحة فسيغرق من أول محاولة للعوم، ولذلك فلا بد من الممارسة، وهكذا الشأن في الرواية، فالرواية تكتب نفسها وما على المرء سوى أن يستعرض حياته وما جرى فيها من أحداث أو حياة الآخرين من حوله أو الواقع الذي يعيش فيه أو شخصية من الشخصيات التي تعّرف عليها ويختار موضوع قصته ثم يكتبها وحين ينتهي منها سيجد أن ما كتبة (كتجربة أولى) لا يستحق أن ينشر، وحينئذ عليه أن يكتب مسودة أخرى، وسيجد أن المسودة الثانية أحسن من الأولى لأنه سيكتشف الكثير من الحشو والتفييلات التافهة في المسودة الأولى، ولكن المسودة الثانية قد لا تكون أحسن كثيراً من سابقتها، فعليه أن يكرر المحاولة وسيجد بعد الكثير من المعاناة أنه وصل إلى كتابة الرواية التي يرضى عنها، وطبعاً من المستحسن هنا أن يقرأ كاتبنا العديد من الروايات العظيمة لا ليقلدها ولكن ليكتشف الستراتيجية التي يستخدمها كل كاتب الأمر الذي يساعده في تبني الستراتيجية الخاصة به، هذا ويتوهم الكثير من الكتاب أن الرواية يجب أن تضم أكبر عدد من الأحداث المثيرة والمشوقة، وقد نجد رواية عظيمة تضم مثل هذه الأحداث، ولكن هناك الكثير من الروايات التي لا تحتوي على أي حدث ذي بال كروايات جين اوستن عن الحياة العائلية في الريف الانكليزي، حيث نجد أنّ أهم حدث يومي يحتفل به هو شرب الشاي بعد الظهر مع قطعة من الكيك وحين نقرأ رواية"Pride and Prejudice" نجد أن أهم حدث فيها هو هروب الأخت الصغرى ليديا مع الضابط وكهام الذي يتزوجها عندما يتدخل النبيل الثري دارسي الذي يحب الأخت الثانية اليزابيث، وما عدا ذلك تمضى الحياة رخاء في هذه العائلة ويعيش الجميع في"التبات والنبات"، ورغم خلو هذه الرواية من الأحداث، فأنا اعتبرها من أعظم الروايات التي قرأتها، ونجد أن الأعمال الفنية العظيمة لا تختلف عن ذلك، فأعظم أعمال الفنان الخالد فان جوخ تصور أشياءً تافهة كحذاء فلاح أو كاللوحة التى ترسم غرفة نومه والتي لا تحتوي إلا على سرير قديم وبجانبه مقعد، ومع ذلك تعتبر من أعظم اللوحات في التاريخ، فالعبرة ليست في المحتوى ولكن في التكنيك الذي لايكتسب إلاّ بعد مئات المحاولات، والآن جرب أن تكتب رواية وما عليك سوى أن تكتب وتمحو وتفعل ذلك غير مرة وستجد أنك قد أصبحت روائياً.