ذكرى استقلال العراق في 3 تشرين الأول 1932..كيف دخل العراق عصبة الأمم وأعلن استقلاله؟

ذكرى استقلال العراق في 3 تشرين الأول 1932..كيف دخل العراق عصبة الأمم وأعلن استقلاله؟

عبد الرزاق الحسني
اشتدت المعارضة الوطنية المطالبة باستقلال العراق وتخليصه من نظام الانتداب البريطاني الذي فرض عليه سنة 1920، مما حمل بريطانيا على الرضوخ لرغبة العراقيين فوضعت معاهدة 30 حزيران 1930 على أن لا توضع موضع التنفيذ إلا بعد دخول العراق عصبة الأمم، لأن دخول العراق عضواً في عصبة الأمم يحرره من كل قيد انتدابي بصورة رسمية.

كانت الحكومة البريطانية قد أفرغت انتدابها على العراق في قالب معاهدة مدتها عشرون سنة، فاستثقل العراقيون موادها، كما استكثروا مدتها، فلما جرت انتخابات حزب العمال في عام 1922، حملت الصحافة البريطانية حملات شديدة على فداحة الضرائب على البريطانيين، وطالبت بالانسحاب من العراق، مما حمل بريطانيا على ان توقع في الثلاثين من نيسان 1923 بروتوكولا انقصت مدة المعاهدة المذكورة بموجبه من عشرين حجة الى اربع حجج، فلما اوفدت عصبة الامم لجنة الحدود الى العراق في عام 1925 لدرس النزاع الناشب حول عائدية الموصل، وهل تلحق بالعراق كجزء منه لا يقبل التجزئة، أم تلحق بتركية على أساس أن الانكليز لم يحتلها حرباً وإنما شغلوها شغلاً عسكرياً، ارتأت اللجنة أن تبقى الولاية المتنازع عليها للعراق بشرط أن يبقى تحت الانتداب البريطاني لمدة 25 سنة، وهكذا مدّد اجل المعاهدة البريطانية المعقودة في عام 1922، والتي كانت مدتها عشرين سنة، ثم أنزلت هذه المدة الى أربع سنوات، ولكن رغبة العراق في التحرر من هذه المعاهدة بالانخراط في عضوية الأمم، أشعرت الحكومة البريطانية عصبة الأمم في عام 1929، بعزمها على ترشيح العراق لعضوية عصبة الأمم اذا ما حل عام 1932، قبل أن تتقدم لدرس الأسس التي وضعتها العصبة الأممية لتحرير العراق من نير الانتداب، وتعهدت بتقديم تقرير مفصل عن سير الإدارة في العراق بين العامين 1921 و 1932 وقد وضعته فعلاً وقدمت نسخة منه الى سكرتارية عصبة الأمم في 13 مايس/ أيار من عام 1931 فكان خير تقرير يوضح أوضاع العراق الاجتماعية والمالية والعمرانية.. إلخ، وما ناله من تقدم وازدهار. ويقول أحد اعضاء العصبة بخصوص هذا التقرير إنه، محاولة دولة حامية تقيم البرهان على كفاءة قطر قد تعهدته بالتدريب للحصول على حق تبوؤ مركز بين الأمم، وعلى كل فهو يمثل وجهة النظر البريطانية بحق.
تولت لجنة الانتدابات الدائمة في عصبة الأمم فحص تقرير الحكومة البريطانية المنتدبة ممثلاً لاستجوابه، فأضاف هذا المثل معلومات كثيرة على ما جاء في التقرير وكان مما قاله:
يظهر أن الذين سنّوا ميثاق العصبة لم يجعلوا العضوية منحصرة في الحكومات الراقية، التي بلغت مستوىً خاصاً في حياتها السياسية والثقافية، بل جعلوا المقياس على كل حال كون الحكومة مستقلة تمام الاستقلال، وقادرة على أن تقف وحدها، وأن يعتمد عليها في القيام بتعهداتها الدولية. ومما لا ريب فيه أن الادارة في العراق وفي تقدم البلاد وحياتها الثقافية هي أمور لا تحتمل النقد، ولكن لا يطلب من العراق أن يضاهي الأمم المتقدمة العصرية التي بلغت من التقدم والرقي مستوىً عالياً، وربما لا يمكنه أن يفعل ذلك حتى ولو بقي تحت الانتداب سنوات عديدة، وهل من العدل في شيء أو من الضروري أن نقابل بين العراق وغيره من البلدان الراقية؟.
قرار العصبة
استمر النقاش والسؤال والجواب طويلاً، ثم اتخذ مجلس العصبة هذا القرار:
لما كان المجلس مكلفاً بالنظر في القضية الخاصة المتعلقة بإلغاء الانتداب المفروض على العراق لذلك قرر المجلس الأمور التالية:
1ـ تسجيل الرأي الذي أبدته لجنة الانتداب بطلب من المجلس بناءً على اقتراح الحكومة البريطانية.
2ـ اعتماد المعلومات المتيسرة كافة للدلالة على أن العراق بوجه الإجمال قد استوفى الشروط الحقيقية المذكورة في ذيل القرار الذي اتخذه المجلس في 4 أيلول سنة 1931.
3ـ التصريح باستعداده مبدئياً للحكم بانقضاء عهد الانتداب في العراق، عندما تتعهد هذه الدولة امام المجلس بعهود تنطبق على التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الدائمة للانتدابات، مع العلم بأن حق التقاضي الى محكمة العدل الدولية الدائمة منحصر في الأعضاء الذين لهم ممثلون في مجلس العصبة.
4ـ لذلك يطلب المجلس الى مقرريه لمسائل الأقليات والقانون الدولي والانتدابات وممثل بريطانيا العظمى في المجلس أن يهيئوا (باستشارة ممثل الحكومة العراقية) وعند الاقتضاء باستشارة ممثلي اللجنة الدائمة للانتدابات، لائحة تصريح تتناول شتى الضمانات الموصى بها في تقرير اللجنة الدائمة للانتدابات، وعرض تلك اللائحة على المجلس في دورته التالية.
5ـ أنه اذا حكم المجلس (بعد فحص العهود التي تقطعها الحكومة العراقية) بتقلص ظل الانتداب عن العراق، ينفذ هذا الحكم ابتداءً من تاريخ انضمام العراق الى عصبة الأمم لا غير.
هيأت اللجنة المختصة في عصبة الأمم مذكرتين مختصرتين بالشروط المطلوبة من العراق ضماناً لانخراطه في عضوية العصبة، وقد تضمنت المذكرة الأولى مواد تتعلق بالأمور العامة كحماية الحياة العامة، واعتبار الرعايا العثمانيين المقيمين في العراق في السادس من آب 1924، قد اكتسبوا الجنسية العراقية يتمتعون بحقوق متساوية مدنية سواء أكانت هذه الحقوق سياسية أم دينية، وكانت كل هذه الأمور مدرجة في القانون الأساس العراقي.
اما المذكرة الثانية، فهي تقتصر على مصالح الأجانب وبعض الامتيازات الدولية كالسماح للبعثات الدينية، من جميع المذاهب، بحري التبشير والتدريس والتطبيب وغير ذلك، وأن يعتبر العراق مقيداً بالمعاهدات والاتفاقات التي كانت دولة الانتداب طرفاً فيها، وإن التعهدات المالية المكتسبة بين 26 نيسان 1925، وتاريخ دخول العراق عصبة الأمم ستكون محترمة، ولاسيما تلك التي تعهدت بها بريطانيا نيابة عن العراق، وأن يُطبق نظام قضائي موحد على العراقيين والأجانب على حد سواء، وأن تمنح ـ على شرط المقابلة بالمثل ـ جميع الدول الداخلة في العصبة معاملة اكثر الأمم حظوة لمدة عشر سنوات، بدءاً من تاريخ قبوله عضواً في العصبة، ويحق لكل عضو من اعضاء العصبة أن يستفسر ما يشاء.. إلخ.

الدخول في العصبة
لقد قبل العراق بكل ما جاء في المذكرتين اللتين أعدتهما اللجنة المختصة، واستطاعت الحكومة أن تمررهما في البرلمان العراقي، فأعلن مجلس العصبة في الثالث من شهر تشرين الأول من عام 1932 قبول العراق عضواً في عصبة الأمم، وبودلت برقيات التهاني بهذا الحدث الكبير بين الملك جورج الخامس ملك بريطانيا، والملك فيصل الأول ملك العراق، وكان العراق أول قطر يتحرر من الانتداب ويدخل عصبة الأمم التي فرضت الانتداب.