شخصية بغدادية في الذاكرة..فخري الزبيدي.. عاشق بغداد

شخصية بغدادية في الذاكرة..فخري الزبيدي.. عاشق بغداد

عبد الكريم الحسيني
لم تبخل بغداد أبداً على أهلها والعالم من المواهب والكفاءات المتميزة التي رفدت بها الأمة من العلوم والأدب والفقه والشعر والفن، ومن هؤلاء الرجال الذي قدم للوطن كل طاقته وفي ظروف وامكانيات محدودة جداً وصعبة جداً وخاصة في مجال الفن الذي كان ينظر إليه المجتمع بنظرة دونية واحتقار في كثير من الأحيان...

الفنان الكوميدي البارع المرحوم فخري رسول الزبيدي والذي ولد في محلة الحيدرخانة عام 1925م، من عائلة نزحت من الكوت الى الحلة ثم نزوحاً آخر الى بغداد، درس في مدارس بغداد ودخل معهد الفنون الجميلة عام 1947م، وتخرج منه عام 1948م، قسم المسرح.
تعيّن في أمانة العاصمة كما كانت تسمّى حينذاك وعندما تشكلت اطفائية بغداد لأول مرة وارتبطت بأمانة العاصمة وكان أول مدير لها المرحوم إبراهيم شندل الملقب بـ»ابراهيم اطفائية"وتم تنسيب فخري الزبيدي الى هذه الإطفائية..
في عام 1947م، تأسست فرقة الزبانية للتمثيل من كل من: ناجي الراوي، حميد محل، محمود قطان، ناظم الغزالي، فخري الزبيدي، حامد الأطرقجي) وقدمت تمثيلية (شلتاغ) التي اكتسبت شهرة وجمهوراً وفي عام 1948م، عندما اشترك الجيش العراقي في حرب فلسطين، كانت الفرقة تقدم مسرحيات اذاعية صباح كل يوم جمعة لتقوية معنويات الجيش..
يعتبر برنامج (صندوق السعادة) الذي كان يعرض من على شاشة تلفزيون بغداد في مطلع الستينيات، هو السبب الرئيس في شهرة فخري الزبيدي لما قدمه من فعاليات متميزة ثم سبقه بدوره في تمثيلية (شلتاغ) واشتراكه في الفيلم المصري العراقي المشترك (القاهرة – بغداد) عام 1946م، وقد اخرج مسرحية (وحيدة) وهي اول مسرحية وعمل فني يقوم به فخري الزبيدي بهذا الحجم، ثم اعقب ذلك اشتراكه بفيلم (شايف خير).
لقد ظل الزبيدي عاشقاً ومولعاً بالتمثيل طوال سني عمره وخلال وجوده في أمانة بغداد كموظف، قدم الكثير من المنجزات المهمة والكبيرة وقد تدرج في الوظيفة وانتدب كما ذكرنا الى برنامجه التلفزيزني المشهور (صندوق السعادة) والذي توقف بعد عام 1963م، والذي كان يتقاضى عن كل حلقه 5 دنانير، ثم بجهود الاعلامي المعروف ابراهيم الزبيدي وحثه على اعادته، حيث تم تغيير اسم واسلوب البرنامج وظهر تحت اسم (شايف خير) واكتسب أيضاً شهرة كبيرة وازدادت جماهير الزبيدي وفي هذه المقابلة التلفزيونية مع الأستاذ ابراهيم الزبيدي، لم يفت فخري أن يذكر بعض النكات البغدادية الجميلة وكانت ذات مغزى سياسي في تلك الفترة، اذكر منها عندما طلب الأستاذ ابراهيم اعادة برنامج صندوق السعادة، ردّ عليه فخري، بأن ذلك يحتاج (نياحه وضرب چف) وسئل ابراهيم ماذا يعني ذلك، فروى فخري قصة هذا المثل :
(كان هناك شخص من أهالي الكرخ في بغداد يقوم يومياً بخلع ملابسه ويجعلها في صرة ويضعها على رأسه، ثم يقوم بعبور الشط سباحة ليستقر على الضفة الثانية ويبدأ بارتداء ملابسه والمباشرة بالصلاة تحت القشلة على النهر، ويقوم بهذا العمل يومياً ولمدة خمس سنوات حتى لاحظه الوالي، وكانت هناك معلومات عن فساد مدير الطابو وتسجيله بضع أراض باسمه، فقال الوالي أأتوني بهذا الرجل فجيء به وسأله الوالي لماذا تفعل ذلك فأجاب الرجل، مولانا أنا أهرب من صوب الكرخ واتخلص من الكلام الناقص والمشاكل وبطريقي الى هنا أطهر جسمي بماء دجلة واؤدي الصلاة على أرض الوالي التي هي أنظف من باقي الأراضي هنا، فقال الوالي، مارأيك اعينك في الحكومة؟ فرفض الرجل وقال: لا يامولانا استغفر الله، هذا يعني اني اخسر ديني وصلاتي... إلخ، تركه الوالي وعندما اشتد الطلب لتغيير مدير الطابو اضطر الوالي الى استدعاء الرجل وطلب منه تولي وظيفة مدير الطابو وبصيغة الأمر ولا مجال للممانعة، وتولى الرجل الوظيفة!! وباشر الرجل وظيفته، وبعد ستة أشهر بدأت رائحة الفساد تظهر بقوة حتى اصبح الحديث عن فساد المدير الجديد على كل لسان، واحس الرجل أن ساعته قد أزفت، وبينما هو على هذا الحال، دخل عليه أحد اصدقائه وقال له: ماذا أنت فاعل؟ قال سوف أهرب. فقال صديقه: علمني كيف أصبح مديراً للطابو بدلاً منك. فقال الرجل (ليش هي سهلة خمس سنين نياحة وضرب چف) وكان الزبيدي يقصد مدة بقاء البعث خارج السلطة من 1963 – 1968.
اشتهر الزبيدي بالفكاهة والمرح وأيضاً في تطوير العمل، فهو صاحب فكرة اقامة تماثيل للرموز العراقية المشهورة مثل (الرصافي، الكاظمي) وكانت هناك العديد من هذه الأفكار إلا أنها توقفت، ومن أعماله الكبيرة هو (المتحف البغدادي) و(البانوراما في المدائن) وتطوير متنزه الزوراء، وكان له مشروع انجاز الموسوعة البغدادية تحت عنوان (بغداد من 1900 – 1934 الجامع من المفيد والظريف) وهي بسبعة أجزاء، ولكنه لم يتمكن من اصدارها، ولا أحد يعلم أين أمست؟!، كما كتب العديد من المسرحيات منها (صايرة ودايرة) وهي مستوحاة من أحداث بغداد عام 1885م. كما كان لديه مشروع لتأليف كتاب عن المرحوم (ناظم الغزالي) صديقه وزميله.
في سني حياته الأخيرة، داهمته العديد من الأمراض وكان أثقلها عليه التهاب المفاصل، وأصبح يقضي معظم أوقاته في مكتبة صديقه (نعيم الشطري) المكتبة التراثية والتاريخية التي عرضت للبيع بالمزاد قبل أيام قليلة، وقد فارقنا أبو علي في ربيع عام 1999م، وترك ذكرى عزيزة ومرحة على كل من كان يتابعه ويعرفه من العراقيين.