من ذكريات فخري الزبيدي.. هكذا تعرفت على ناظم الغزالي

من ذكريات فخري الزبيدي.. هكذا تعرفت على ناظم الغزالي

اتذكر بغداد الجميلة في عهدها الماضي وأهلها الطيبين بكثير من الشوق والاهتمام، ومما اتذكره مقاهيها، فقد كانت بغداد في العهد العثماني مدينة محدودة الجوانب لا تتجاوز عماراتها ربع ما عليه بغداد بين سورها الشرقي.. فكنت اذا وصلت الباب الشرقي من بغداد، لم تجد بعد عبدان قرية كما يقول المثل.. لأجل ذلك كان البغداديون يتخذون من اطراف بغداد وضواحيها العامرة بالبساتين والمزارع والأنهار والمتنزهات يقضون فيها أوقات الفراغ والراحة ويستنشقون نسيم تلك الرياض..

ومن المناطق التي اتخذت متنزها. منطقة الباب الشرقي.. وكان الناس يخرجون إليها عصر كل يوم من أيام الربيع والصيف والشتاء أيضاً زرافات ووحداناً رجالاً وركباناً يمتطون ظهور الجياد العربية. وكان في تلك المنطقة محلان عامان للجلوس.. أحدهما يدعى قهوة الاورفلية ـ وهذا يقع على جدول يسمى بجدول الأورفلي ـ يتشعب من نهر دجلة فيسقي المزارع والبساتين (وقد زال أثره سنة 1930 وبنيت على أطلاله سينما السندباد).والثاني قهوة سعيد العبد. وكان يديره سعيد العبد وأولاده. وهو يبعد عن قهوة الأورفلية بمسافة 100م، يحيط به البساتين وحقول الخس وقد سمّي بعد تشييد الدور عليها بمحلة بستان الخس، ولم يكن المقهى منظماً مثل مقاهي بغداد وإنما هو بضعة تخوت رثة بالية عليها حصران قذرة ممزقة متكئة على حائط طوف لبستان الأورفلي من (ناحية شارع السعدون الحالي وبالقرب من محلة البتاوين اليوم مقابل بستان الخس) وكانت المنطقة يومذاك أرضاً بلقعاً أغلبها تراب تغور فيه الأقدام وجزء قليل منها مزروع بالخس، ولا يرتاد المقهى أحد في النهار، وإنما يؤمه الناس عصر كل يوم، فيمتطون إليها صهوات جيادهم لبعدها عن المدينة حاملين معهم أسلحتهم خوفاً من اعتداء اللصوص وقطاع الطرق.
مقهى البيروتي:
في جانب الكرخ رأس الجسر القديم.. ويعد من المقاهي الصيفية وهو قديم العهد وكثر روّاده لاريحية مستأجرها الحاج محمد من أهالي بيروت سكن الكرخ سنة 1315 وتوفي سنة 1334هـ.. ويقال إن الحاج محمد ليس لبنانياً وإنما هو عراقي سافر الى بيروت وعند عودته سمّي بالبيروتي..
وكان يلبس الصاية والجراوية وعماله مهرة جداً.. منهم الجايجي والتتنجي والساقي وأبو البوش. وكانت مفتوحة من صلاة الفجر حتى ساعة متأخرة من الليل والدخول إليها عبر السوق المعقود على الجهة اليسرى من (جسر الشهداء الحالي) عدا نزولك للكرخ. وكانت المقاهي كافة في بغداد تأخذ عانة أي (4) فلوس من روادها ما عدا روّاد البيروتي بـ 5 فلوس. وقد هدمت في بداية سنة 1965.
مقهى المميز:
كان في الأصل حديقة. وقد شيّد متولي جامع العادلية على قسم منها قهوة سمي بمقهى المميز.. وهو يقع في جانب الرصافة في منطقة هادئة جميلة يطل على دجلة باتصال جسر بغداد القديم ويمتد فيصل بجدار جامع الأصفية وهو من اوقاف عادلة خاتون بنت احمد باشا والي بغداد كما أنه يجاور المدرسة المستنصرية وهو مقهى مشهور لموقعه وفعالياته، حيث كان أشبه بالمدرسة للموسيقى والفنون والغناء العراقي ـ وأصول المقامات العراقية التي تمارس فيها. حيث يرتادها مشاهير المغنين وأعلام الموسيقى وعشاق المقام العراقي ويتبارون بالأصوات والأنغام والضرب على الآلات الموسيقية منها السنطور. ومن مشاهير القراء في علم المقام أحمد زيدان البياتي وحسن الشكرجي، واصبح هذا المقهى في زمن العثمانيين منتدى لرجالات الدولة واعيان الامة يقضون فيه ساعات الفراغ للاستمتاع بالراحة وحسن الانغام ومن جمال موضعه الجميل لاسيما في ليالي الصيف المقمرة بأشعته الذهبية على نهر دجلة

انا وناظم الغزالي
وفي سنة 1947 كان من زملائنا في معهد الفنون الجميلة ناظم الغزالي و المرحوم ناجي الراوي وحامد الاطرقجي وخليل شوقي ومحمود قطان فكونّا فرقة الزبانية، اذ انضم حميد المحل الينا وكان طالباً في قسم الرسم.
ومن الغريب ان ناظم الغزالي بدأ حياته الفنية بالانتماء الى معهد الفنون الجميلة ببغداد نهاية الاربعينات اختار فرع التمثيل وليس فرع الموسيقى ,
وفي المعهد قدمنا اول تمثيلية على مسرح قاعة الشعب كتبها لنا الأستاذ حقي الشبلي (اصحاب العقول) مثل الغزالي دور (رجب الأخرس) وقدمت نفس التمثيلية من دار الإذاعة العراقية.
يذكر الراحل فخري الزبيدي جانباً من اهتمام ناظم الغزالي في التمثيل.
اثناء التمثيل عملت له مقلباً، وكان سبب هذا -المقلب- انه يرغب في أن يصبح مغنياً ونحن نعارض ذلك، ولكنه ظل مصراً على رأيه، ففي احدى المسرحيات كان هناك دور – الحاج ناجي الراوي بدور الطبيب وانا بدور الممرض وناظم بدور المريض الذي سنجري له العملية، وخلال التمثيل قلت للمرحوم ناجي الراوي :
انني اعمل معك لسنوات ممرض فاعطني الفرصة لكي اجري هذه العملية.
ولما كان المشهد الكوميدي يجيز ذلك فد وافق ناجي الراوي على ذلك.
وكان ناظم ممدداً على الأرض يرتدي دشداشة العمليات الخضراء، واثناء التمثيل رحت اهلس شعر صدره واقول له:
- ناظم جر عدل وابقه ويانه أو اهلس شعر جسمك وراسك كله؟
- وكان ناظم يتحمل ويجالد من الألم وهو يقول :
- فدوة فخري استر عليه وشتريد أني حاضر..
ولكني استمريت لمدة عشر دقائق (اهلس) شعر صدره وهو يتقلب من الألم.

مقابل هذا المقلب المؤلم والمضحك في آن واحد فقد قابلني (بمقلب اكبر) فعندما عقدت قراني على زوجتي الحالية أم علي دعوت جميع الأصدقاء للحضور، إلا أن ناظم جاء متأخراً في سيارة أجرة، ظلت واقفة امام البيت وعندما سالته عن سبب وقوف التاكسي، قال :
لدي عمل سأعود به..
والظاهر أن ناظم كان يتهيأ لعمل (نكتة) كبيرة أمام الاصدقاء.
وبعد أن أتم القاضي عقد القران انسحب ناظم بسرعة الى سيارة التاكسي واخرج صندوقاً كبيراً لانعرف مافي داخله.
ولكنه جلبه ووضعه امام القاضي وخرج مسرعا.W
وعندما فتحنا الصندوق وجدنا بداخله (حجلة للاطفال. (
وهذه كانت نكتة الموسم في الوسط الفني آنذاك لانني عندما تزوجت (أم علي) كان عمري 29 سنة وزوجتي عمرها 13 سنة والحجلة كانت ترمز الى أن زوجتي طفلة تحتاج الى (حجلة)؟