شفيق رسائلي لك.. صعوبة بالتهجي وكتابة الألم

شفيق رسائلي لك.. صعوبة بالتهجي وكتابة الألم

صلاح القصب
صديقي العزيز
الرسالة (1)/ رحيلك يا شفيق صمت مليء بالأجراس
الرسالة (2) روحك يا شفيق حتى هذه اللحظة ما تزال ترسل إشارات، فجأة توقفت هذه الأشارات والأطياف عن الظهور والازهار غاصت في جذوع الشجر ولم تعد تظهر الألوان وتلاشت ولم يعد صوت الموسيقى كالمطر كما كانت.

الرسالة (3) دخل ظلك إلى الفراغ، كان ذلك مثل ظهور هاملت في المسرحية التي أخرجها صلاح القصب وكنت أنتَ مستشاري الجمالي في ذلك العرض، لا يوجد شيء بعد يا شفيق ولم يبقَ في كل ذلك العرض سوى لوحات إبراهيم رشيد الأسطورية تزين قاعة المسرح التجريبي.
الرسالة (4) نوبات من الهوس والجنون في تلك الليلة التي سهرنا في بيت صديقنا التشكيلي محمد صبري ليلة عيد الميلاد وكان معنا جسام ومحمد قريش ومخلد المختار وعقيل مهدي وحسين الأنصاري كانت ليلة يا شفيق مليئة بالمشاعر الأكثر حدة انتشرت إجنحة الفرح والغناء والموسيقى وكان غناء مخلد المختار إنتشاراً كبيراً من الوجد وكانت محبتنا يا شفيق تظهر سيطرتها ليس على سطح الأرض وحسب بل على تأملاتها وأحلامها وكم كانت قصيدة خزعل الماجدي عزلة في الكريستال في تلك الليلة، ليلة الأحلام لعام جديد قصيدة وصوت خزعل الماجدي حملنا إلى خيول الريح ليعيد السحر لبحر تلك الليلة الخرافية وكنت أنت يا شفيق ذلك السحر.
الرسالة (5) رحيلك يا شفيق غاب تحت رذاذ مطر الخريف الذي بكى وبكينا وأحزاننا إضاعها الطريق ودقات المطر الموجعة.
الرسالة (6) ظلك يا شفيق يشع بهاءً لا يضاهى عبر أبواب المسرح المفتوح من كريات كريستالية لا نظير لها دخلت يا شفيق ولم تعد ذلك هو السؤال.
الرسالة (7) لقد بكاك الصفصاف الفضي يا شفيق وبدأت الدموع تسيل وتمتزج مع الفراغ.
الرسالة (8) يهزنا الموت المحتوم في داخلنا صراعاً بين الجوهر والظل وساعاتنا تدق دقة حزن لتدخل في فراغات رطبة زئير الليلة طويل يا شفيق والحزن ينسحب إلى أنفاس أسفل الحافات الواسعة ليالينا الجميلة في بيت جسام معنا عبود المهنا وعقيل مهدي ومحمد قريش واسماعيل فتاح الترك وكان صوت يوسف عمر وهو يقرأ مقام النوى شفيق لا أعرف لماذا بكيت في تلك الليلة كنت تنظر إلي وتكلمت معي بصوت دافئ قلت لي صلاح الشواطئ بلا قوارب معبأة بالريح.
الرسالة (9) حشود من المشاهدين كانت تترقب عرض مسرحية مشعلو الحرائق جالسة في مسرح المدرج لتشاهد ذلك العرض كان العرض كهبوب عاصفة هوجاء تنهض شاحبة اللون صفراء ترفع أقنعة الخوف وتؤكد بأن المسرحية مأساة اسمها الإنسان.
الرسالة (10) كنت تقول لماذا أرى نساءً في حداد طاهر وألم جليل يحملن زهوراً عليلة يودعن المسافرين في محطات قطارات مزدحمة بوجوه لا تعرف أين تذهب أراوحهم مملوءة بالسؤال في هول تلك الليالي الباردة.
الرسالة (11) أسئلة كثيرة كانت تقلقك يا شفيق وكان السؤال الموجع إلى أين تأخذ تلك القطارات مواكب المسافرين بعد الوداع ولماذا تعود فارغة لتملأ مرة أخرى.
الرسالة (12) برحيلك يا شفيق طائر الليل دار مرّات عديدة حول عباب نبتون المرير أصبح أكثر وهناً وإرهاقاً وتوقف عن الدوران بعناء الفضاء وتلاشى واحتشدت مدن إبراهيم جلال وجعفر السعدي وجاسم العبودي ومدن فائق حسن وإسماعيل الشيخلي وإسماعيل الترك وكاظم حيدر وجواد سليم لتمر عبر أمواج النهر والزبد المعذب وهبوب العواصف غارقة في الدموع وظلالهم تتكاتف في كل لحظة.
الرسالة (13) برحيلك يا شفيق الخيول تجفل وظلالها أبواب زجاج شفاف بكت قرناً من الدهر وبعدها توقفت وغاب كل شيء.
الرسالة (14) برحيلك الممثل يسحب الستار لنرى الفراغ ونسمع الرفوف نذير الوحشة ماثلة في عيون الميتين.
الرسالة (15) حملك الموج بعيداً والضباب يمخر والغيوم تركض إلى حيث لا تستطيع اللحاق بها.
الرسالة (16) رحل شفيق المهدي وشهق الشعراء عندما غفوت كيف ستصل وحدك إلى الغروب.
الرسالة (17) محبتنا لك يا شفيق مدن زمن يسافر في الكون عبر كل الأفاق وضوءها يشع خلف زجاج النوافذ مثل تأريخ الأعياد.
الرسالة (18) هل ما زلت تظن أن الحب يعيش في غرف دافئة وانه يمسخ عندما يخرج الى الخارج؟
هل الرحلة تتواصل في إنكماش الفراغ؟
هل إنطفأت الأنوار بعد عشائه الأخير؟
هل ستبقى رسائلي إليك مستمرة
هل مازلت تحب قصائد خزعل الماجدي؟
هل مازالت لوحة موقعة الطف لكاظم حيدر معك؟
هل مازالت جماليات عقيل مهدي معك؟
البوم الصور هل مازال معك؟
الرسالة (19) السفن تغني في الهواء لا أحد يمنحها الزهور وشفيق يمضي في الصعود على السلالم المرمرية إلا أن الدقائق قد سقطت في عينيه قبل أن تحمل نبأ رحيله، رحل وسط موج البحر وصراخ النوارس.
الرسالة (20) استقبلته عربات مملوءة بالزهور البرية استقبلته مدن حلمية ملونة وكنا نتطلع إليه من خلال شبابيك زجاجية مضيئة.
الرسالة (21) ذكرياتنا يا شفيق تبدأ بالاستيقاظ لتملأ المكان ضوءاً وقارة الذكريات تفتح بابها وتنشف الزمن بمناشف حريرية مذهبة مرّت ذكرياتنا في غرف زجاجية ممتدة في عمق لا نهاية له تتدلى من سقوفها ذات المرايا كتل مصابيح متوهجة، اصدقاؤك إبراهيم حنون، حاتم عودة، جسام عبود المهنا، عقيل مهدي، القصب، ظلالهم مرّت عند نهاية ممراتك وكانت موسيقى الجاز تختنق من شدة ألم الرحيل.
الرسالة (22) في رحيلك تعاودنا الأحلام تزدحم مع الأشرعة وهناك حيث الرعود التي لا تنضب من الأمواج ارتفع السكون الشاق في الأفق الأزرق ليعلن رحيلك وكان هناك القارب الذي يغرق كم سيدوم حتى يتلاشى في الأفق البعيد الفضي.
الرسالة (23) رحيلك يا شفيق صمت مليء بالأجراس.