هل تتذكرون الفنانة سلطانة يوسف؟

هل تتذكرون الفنانة سلطانة يوسف؟

فؤاد طه الهاشمي
لقد ظهرت المطربات في بغداد في زمن واحد وفي فترة واحدة، هي الفترة التي ظهرت فيها المقاهي والملاهي، منذ عام 1907 والأعوام التالية،ففي عام 1913 بدأ ظهور المسارح ومعه ظهرت أسماء المغنيات فكان كل مسرح –ملهى- يقدم مطربة فظهرت سليمة مراد وخزنة إبراهيم ومنيرة الهوزوز وسلطانة يوسف التي ولدت في مدينة الموصل بداية عام 1921

في بيئة شعبية تعرفت على الأغنية الموصلية والمقام الذي يؤدى على طريقتهم، خاصة تلك التي كان يؤديها سيد احمد الموصلي حيث شاعت حفلاته وتسجيلاته في تلك الفترة.
وبعد أن تبلورت شخصية الفنانة سلطانة يوسف ونضج صوتها شدت الرحال إلى مدينة الفن والأدب بغداد، واستقربها المقام في منطقة الحيدر خانه حيث كانت عوالم الغناء والطرب تعج على مسارحها وفي فنادقها. وقد قدر لها في تلك الفترة أن تصعد خشبة مسرح (نزهة البدور عام 1927)، ولما عرفت بقوة صوتها تهافت عليها الشعراء والملحنون خاصة الشاعر عبد الكريم العلاف والملحن صالح الكويتي الذي لحن لها أغنية، يا طيور الروض غني، وآه يا قلبي الحزين، ويذكر أن المغنية سلطانة يوسف عاشت في بيت فقير حتى سن الثالثة عشرة من عمرها، حيث كانت تساعد والديها في العمل وكانت تستمع إليهما وهما يغنيان خلال انهماكهما في العمل وكانت تغني معهما وتردد كلمات الأغاني وراءهما في وجل وتردد ثم أخذ صوتها يرتفع ويبرز رويداً رويدا وكان من الطبيعي أن ينضج هذا الصوت الجميل، وكان لابد من أن يأخذ بيدها من له ذوق وحس فني، فاستمع إليها إبراهيم قانونجي، وكان مشهورا في تلك الايام فأخذ يلقنها أصول الغناء وتعريفها بأنواع المقامات، وبعد فترة من التمرين والمران الجاد أصبحت المطربة سلطانة يوسف تتحكم بصوتها وتجيد بعض المقامات. وفي عام 1941 قررت الفنانة سلطانة يوسف العودة الى مدينة الموصل والإقامة فيها وهناك بدأت الغناء حتى مطلع الستينات حيث كانت المطربة الوحيدة التي تغني المقامات بصوت جهير من دون الاستعانة بأي جهاز صوتي فقرأت الحكيمي والمخالف واللامي والبهيزاوي والحجاز. بعدها اتصلت الفنانة سلطانة يوسف بعد عودتها الى بغداد بالأستاذ محمد القبانجي الذي استمع لصوتها وأعجب بها وصار يغذيها بفنون معرفته المقامية، مما جعلها مطربة المسارح في ذلك الوقت ودفع شركات التسجيل في طلب دعوتها هناك، فسجلت 14 اسطوانة ودفعوا لها 400 دينار وكان مبلغا يشار إليه في ذلك الوقت. وعلى مسرح الهلال وبين الجمهور والصحافة أثير الجدل حول ام كلثوم واختيارها أغنية سليمة مراد (كلبك صخر جلمود ما حن عليً)، كما أثير الحديث عن المطربة سلطانة يوسف وكيف أعجبت بها ام كلثوم ودعتها لزيارة القاهرة وكيف قالت لها (كان الأجدر أن تكوني في مصر). دخلت سلطانة يوسف دار الإذاعة وقدمت حفلاتها بمصاحبة الموسيقار صالح الكويتي ويوسف بتو وعزوري العواد، كما تعرفت على خبير المقام رشيد القندرجي ومنه أخذت مقام الأرواح، وبعض البستات البغدادية القديمة وكان نجاحها واضحاً، وفي نهاية الستينيات عادت سلطانة يوسف الى مدينتها الموصل وقد طواها النسيان حتى سنة رحيلها منتصف السبعينيات.
وفي لقاء اجري معها في اواخر ايام حياتها قالت :
- في طفولتي منعاني الفقر والجهل عن الذهاب الى المدرسة، وعندما اصبحت امتلك المال، كنت قد نسيت تماما حكاية تعلم القراءة والكتابة.
* اذن.. كيف كنت تحفظين اغانيك..؟
- لقد كنت احفظها بعد ان يرددها المؤلف امامي عدة مرات، وخلال التدريب على اللحن اكون حفظت كلمات الاغنية تماما.
* فمن كان يكتب لك اغانيك..
أعني من هم اشهر من تعاملت معهم..؟
- مؤلفي المفضل كان عبد الكريم العلاف.. اما الملحن الذي افضله (صالح) وقد لحن لي صالح اغنيات عديدة نالت شهرة واسعة مثل اغنية”وين المروة”واغنية”يا طيور الروض غني”و"آه يا قلبي الحزين"..
* ولكنهم يقدمون”وين المروة”في التلفزيون على انها مجهولة الملحن.. وبالمناسبة فان”انوار عبد الوهاب”تغنيها ما رأيك..؟
- لقد رأيتها عدة مرات في التلفزيون وسمعتها.. ان انوار مطربة جيدة.. ولكنهم يحدثون بعض التغييرات في الالحان القديمة.. انا شخصيا افضل ان تبقى الاغاني القديمة محتفظة بطابعها القديم..
* انت اذن ضد تجديد الاغاني القديمة..
ولكن دعيني اسالك هل تشاهدين التلفزيون كثيراً..؟
- انا لا عمل لي الا مشاهدة التلفزيون منذ افتتاحه بتلاوة القرآن الكريم حتى انتهاء موجز الانباء في آخر الليل.. انصرف عنه فقط عندما يعرض فلما او مسلسلة اجنبيين ذلك لانني اجهل القراءة.
* اذن ما رأيك بالاصوات الغنائية التي تسمعينها..؟
- حسين نعمة مطرب جيد وكذلك ياس خضر وفاضل عواد ومحمد حسين مرعي ومائدة نزهت، لكن سيتا لا تعجبني، لانها تغني بطريقة غريبة على الغناء العربي.. اما الذين سبقوهم ففيهم المرحوم ناظم الغزالي وايضا رضا علي ملحن ومغني جيد.. انني المطربة الوحيدة التي كانت تغني المقامات.. كانت زكية جورج تمتلك صوتا رائعا، وصديقة الملاية مطربة جيدة وصوتها جميل، وكانت سليمة مراد تغني”بستات”جميلة وشعبية.. لكنني كنت الوحيدة التي تغني المقامات وتجيد اصولها.. وقد كان صوتي مشهورا بقوته وكنت استطيع الغناء بدون (مايكروفون) ببساطة..
حدث ان رقابة الملاهي اصدرت قرارا بمنع (المايكروفونات) في الملاهي الصيفية، وكنت اغني في احد ملاهي الموصل في حينه، عندما جاؤوا للتفتيش عن (المايكرفون) في الملهى، واصرت صاحبة الملهى على انها لا تمتلك (مايكرفون).
لكنهم اصروا على وجوده وكان دليلهم صوتي الذي كان يلعلع في الخارج.. وعندما وقفت على المسرح وشاهدوني وانا اغني بدون (مايكرفون) ادركوا الخطأ الذي وقعوا فيه.