أسماء وتسميات عديدة... أسم (بغداد) عراقي قديم

أسماء وتسميات عديدة... أسم (بغداد) عراقي قديم

د. محمد عبد مرزوك
على درجة كبيرة من الأهمية في التاريخ أصول الأشياء ومسمياتها،اذ أن الاسم هو دليل المسمى ولصيقه وهويته التي يعرف بها، وما دام الأمر كذلك فلا مندوحة من أن نلج هذه الجزئية – اسم بغداد (مدينة السلام)- ونقف عندها وذلك لشدة أهميتها كونها متعددة المشارب وبتكهنات عديدة أثارت في أحيان كثيرة مساجلات في أصل تسميتها والمستجدات التي طرأت عليها.

ففي رأيه يرجع ليسترانج أصل اسم بغداد للغة الفارسية بعد أن ينقل آراء المصادر الأدبية في ذلك ثم يقول مستنتجا”وعلى كل حال فان اسم بغداد بشكله الحديث فارسي على الأغلب”، وأما شتريك فانه يصنع صنيع ليسترانج في سرده للمصادر الأدبية التي تشير لأصول الاسم الفارسية، ثم يخلص الى أن ابسط التفاسير وأقربها احتمالا هي(عطية الله أو هبة الله).
وعلى هذا فلم يخرج المستشرقون عن دائرة ما أتت به المصادر الأدبية برغم الاكتشافات العديدة للآثار والتي عثر عليها المستشرقون أنفسهم، إذ يمكن الاستدلال من التنقيبات الآثارية ما يدلنا بوضوح على أصل اسم بغداد. على درجة كبيرة من الأهمية في التاريخ أصول الأشياء ومسمياتها،اذ أن الاسم هو دليل المسمى ولصيقه وهويته التي يعرف بها، وما دام الأمر كذلك فلا مندوحة من أن نلج هذه الجزئية – اسم بغداد (مدينة السلام)- ونقف عندها وذلك لشدة أهميتها كونها متعددة المشارب وبتكهنات عديدة أثارت في أحيان كثيرة مساجلات في أصل تسميتها والمستجدات التي طرأت عليها.
ففي رأيه يرجع ليسترانج أصل اسم بغداد للغة الفارسية بعد أن ينقل آراء المصادر الأدبية في ذلك ثم يقول مستنتجا”وعلى كل حال فان اسم بغداد بشكله الحديث فارسي على الأغلب”، وأما شتريك فانه يصنع صنيع ليسترانج في سرده للمصادر الأدبية التي تشير لأصول الاسم الفارسية، ثم يخلص الى أن ابسط التفاسير وأقربها احتمالا هي(عطية الله أو هبة الله).
وعلى هذا فلم يخرج المستشرقون عن دائرة ما أتت به المصادر الأدبية برغم الاكتشافات العديدة للآثار والتي عثر عليها المستشرقون أنفسهم، إذ يمكن الاستدلال من التنقيبات الآثارية ما يدلنا بوضوح على أصل اسم بغداد.
وقد أشارت إحدى الدراسات الحديثة أن عددا من النصوص المسمارية التي تعود إلى العصر البابلي الوسيط - الكشي- (1595- 1162ق.م) قد ورد فيها اسم مقاطعة (بغدادوـــ Bag-da-du)،ومنها نص يعود للملك الكشي (نازي ماروتاش، 1323- 1298 ق.م)، وآخر يعود الى الملك اددشومااوصر(1218- 1189 ق.م)وجاء فيه (من...بغدادو...إلى السهل...ايساكيلا...استولي...)، كما ورد الاسم على حجرة حدود كتبت في زمن الملك مردوخ ابلاادينا الأول (1173-1161 ق.م)، وورد الاسم أيضا بنفس الشاكلة على حجر حدود آخر يعود للملك مردوخ نادن اخي (1089-1081 ق.م)، وهي المعروفة عند الآثاريين بـ(حجرة ميشو) أو الحجرة السوداء، ومن النصوص التي تعود الى العصر الآشوري الحديث ورد الاسم في نص يعود للملك ادد نيراري الثاني(911-891 ق.م)، ونص آخر يعود إلى عصر الملك تجلات بلاسر الثالث (744-727 ق.م)، وتخلص الدراسة وفقا لمصادر التنقيبات أن هناك مدينة باسم (بغدادو) كانت معروفة منذ العصر البابلي الوسيط وكانت عاصمة لمقاطعة مهمة قريبة من دوركوريالزو- عكركوف.
وتشير دراسة أخرى لهذه الانعطافة التي أحدثتها المكتشفات الآثارية في دحض ما جاء في المصادر الأدبية في أصل اسم بغداد إذ تقول: أن تفسيرات المؤرخين العرب الأوائل وما بني عليها ستتضاءل إذا علمنا أن بغداد موجودة بهذا الاسم منذ زمن البابليين قبل أن يعرف العراق أية تأثيرات فارسية لغوية او سياسية بوقت طويل،وان المؤرخين المسلمين الأوائل والذين بحثوا في أصل أسماء الأعلام الجغرافية ومعناها ممن تصدى للبحث في معنى اسم بغداد،اتجهوا الى اللغة الفارسية للوصول إلى مبتغاهم بسبب إجادتهم لها لأنها اللغة الرسمية في العراق منذ سقوط الإمبراطورية البابلية عام 538 ق.م إلى الفتح الإسلامي عام 635م باستثناء الفترات التي خضعت لها بابل لاحتلال الإغريق ثم الرومان، وقد كانت قرية بغداد الأصلية قائمة في أثناء الحكم الساساني الفارسي للعراق، وأن هؤلاء المؤرخين المسلمين ممن كتب في أصل اسم بغداد قد جاءوا بتفسيرات افتراضية من اللغة الفارسية الشائعة وقت ذاك ثم أخذها منهم المؤرخون اللاحقون.
وإذ تستنتج هذه الدراسة على ما تقدم من معطيات أن أصل اسم بغداد ومعناه ينبغي الرجوع به إلى مضان الدراسات البابلية الآشورية والتي تورد معاجم مصطلحاتها أن معناه هو (قلعة قبيلة الصقر أو هيكل الصقر)، فان اراءً لمحدثين تشير أن معنى اسم بغداد في تلك اللغات (البابلية أو الآرامية) غير مؤكد إلى الوقت الحاضر ولا يمكن الجزم به لعدم إسناده بدليل علمي رصين.
ولعل مؤرخينا الأوائل تعذر عليهم الرجوع بالكلمة إلى أصلها البابلي الآشوري لأسباب عديدة لعل من أبرزها أن الآثار التي عثر عليها بوسائل حديثة قد اندثرت زمن تأليف ما دونوه عن بغداد وبالتأكيد فهم ليس لهم ما لدينا من وسائل الاستدلال بالآثار، هذا إذا علمنا أن حوالي ألفي سنة بين استعمال كلمة بغداد بابليا وآشوريا بمعنى قلعة قبيلة الصقر أو هيكل الصقر أو دار الغزال وبين دلالة استعمالها عطية الصنم أو بستان رجل أو غيرها، كفيلة بأن تدثر الآثار التي استدل بها لإرجاع الكلمة إلى أصل بابلي آشوري.
وهناك إشارات من بعض المستشرقين تقول بقدم اسم بغداد كقول Oleary)) أن”بغداد مدينة عريقة في القدم كانت تعرف زمن البابليين ببغدادو"، ولا يبعد عن هذا المعنى كوك إذ يقول"أن اسما يشبه اسم بغداد عرفته بلاد ما بين النهرين منذ بواكير تاريخها"، وكذلك جاء في دائرة المعارف الدولية”تقوم بغداد في الموقع الذي كانت تحتله المدن المهمة في العصور القديمة والتي تلقت التجديد في العصر الإسلامي"، وفي ذلك دلالات واضحة تؤشر تنبه بعض المستشرقين لهذه الحقيقة.
وبالمقابل اكتفى البعض بما أوردته المصادر العربية كما أوردنا، لهذا بقيت استنتاجاتهم قاصرة اذ كان جل اعتمادهم على هذه المصادر، حيث ارتكنوا إليها دون النظر لأبعاد تاريخ هذه المنطقة، ومن الغريب حقا أن تغيب مثل هكذا جزئيات مهمة في تاريخ اسم بغداد عن دراسات المستشرقين الذين كان لهم فضل السبق في المكتشفات الآثارية والتي استدل بها الآثاريون والمؤرخون العرب المحدثون على قدم اسم بغداد وفندوا بها حتى آراء المؤرخين العرب الأوائل والذين تستقى نبع المعلومة منهم.
ولا تخال هذه الدراسة أن من بحث من المستشرقين في تاريخ بغداد وخططها كان يجهل العمق التاريخي لها، إلا انه وعلى ما يبدو أن الارتكان إلى المصادر الأدبية والتي تقول بفارسية اسم بغداد قد أبطلت ديناميكية الاستدلال عندهم وعطلتها، فأخذوا الأسماء على علاتها ضنا منهم أن كل ما كتبه الأولون دستور لا نقاش فيه،او أن المستشرقين قد بيتوا النوايا في عدم الاستدلال على تاريخ اسم بغداد لغاية قد يكون الاهتداء لمعرفتها ليس بالأمر الصعب.
على أن الاسم الرسمي لعاصمة العباسيين ليس بغداد ويشير ليسترانج إلى احد أسمائها العديدة فيقول”أن النصف الغربي من بغداد في العهد الإسلامي يعرف بالزوراء أي العوجاء"، ويبدو أن ليسترانج قد نعت النصف الغربي من بغداد بهذا النعت لأنه أول ما بني من شقيها وأن المدورة أول ما بني من الشق الغربي فكان النصف الغربي الذي اسماه الزوراء هو المدورة.
ولقد سميت بالزوراء لانعطافتها مع دجلة أو لعل المفردة صيغة عربية لكلمة إيرانية قديمة اكسبها خضوعها للصور القياسية الشائعة معنى جديدا،كما أن بعضهم كان يسميها الصيادة لأنها تصيد قلوب الرجال وتنسب أحيانا إلى منشئها فيقال المنصورية، وقد اسماها بانيها أبو جعفر المنصور مدينة السلام وهو الاسم الرسمي الذي ظهر في وثائق الدواوين العباسية وعلى النقود والأوزان، ويفسر كوك سبب تسميتها مدينة السلام فيقول"لقد أطلقوا عليها هذا الاسم لأنها تمثل عاصمة الإسلام"،ولا تزال تسمى (دار السلام) كما كان اسمها في الماضي، ويسميها بعضهم مدينة الخلفاء بالإضافة إلى اسمها (بغداد)”
عن رسالة (خطط مدينة السلام)