في 26 تشرين الثاني 1947 ..تأسيس المجمع العلمي العراقي

في 26 تشرين الثاني 1947 ..تأسيس المجمع العلمي العراقي

اعداد : ذاكرة عراقية
في السادس والعشرين من تشرين الثاني من عام 1947 تاسس المجمع العلمي العراقي، وهو ارقى مؤسسة علمية تعنى باللغة العربية وادابها، اسست في العراق على غرار المجامع العلمية واللغوية في العالم، ومنها مجمع دمشق (1919) ومجمع القاهرة (1932). غير ان العراق كان قد شهد افتتاح مجمعا علميا باسم المحفى العراقي في العشرينيات، سرعان ما تمت تصفيته لاسباب مالية.

وفي منتصف الاربعينيات تاسست في بغداد هيئة علمية ولغوية باسم لجنة الترجمة والتأليف والنشر، حتى صدور نظام المجمع وافتتاحه باسم المجمع العلمي العراقي.
ويصدر المجمع مجلة فصلية محكمة، ويمتلك مطبعة خاصة به. كما ان مكتبته تعد من المكتبات الكبيرة في العراق. كان بداية تأسيس المجمع العلمي العراقي يقتصر اختصاصه على اللغة العربية لكن في عام 1963م تم تأسيس مجمعان علميان آخران الأول للغة السريانية والآخر للغة الكردية، وفي 1978م تم دمج المجعات اللغوية الثلاثة العربية والكردية والسريانية ضمن مجمع علمي واحد وهو المجمع العلمي العراقي. وفي العام 1996 صدر قانون جديد، أُعيد بموجبه تنظيم المجمع العلمي وتوسعت اهدافه لتشمل كافة التخصصات العلمية والتقنية وعدم حصرها بتخصصات اللغات العربية والكردية والسريانية والتراث العربي والإسلامي، بل امتدت لتشمل تخصصات العلوم التطبيقية والهندسية والزراعية والفلسفية والقانونية والاقتصادية والمعلومات وشتى المعارف المختلفة بهدف إثراء المعرفة الإنسانية وتوظيف هذه المعارف لخدمة التنمية في العراق والبلاد العربية والإسلامية، وبذلك يقترب عمل المجمع أكثر فاكثر إلى مفهوم عمل مايعرف في دول العالم المتقدمة بأكاديميات العلوم التي تضم في العادة كبار العلماء والمفكرين والمبدعين.
وننقل هنا شهادة السيد عبد الحسين البغدادي احد موظفي المجمع الاوائل عن بدايات العمل في المجمع العلمي العراقي :
كانت لجنة الترجمة والتأليف التابعة لوزارة المعارف والنشر تشغل البناية الكائنة خلف الاعدادية المركزية للبنين قبالة نادي الضباط تشاركها في البناية مديرية التربية الرياضية، وحين صدر نظام المجمع في 26/11/1947 تقرر ايجاد بناية تليق به.فكانت دار السيد عبد الله لطفي، الواقعة قرب مديرية الاوقاف العامة، خلف جامع الملك وبقي المجمع مثابرا على ايجاد بناية له، ففكر في اشغال (المدرسة المستنصرية) فذهبت مع عدد من الاعضاء، ولدى الكشف عنها وجدناها غير ملائمة، مما اضطر المجمع لاستئجار دار واسعة في الوزيرية تعود الى ورثة المرحوم رؤوف الكبيسي ببدل سنوي قدره 1150 دينارا، ولما خفضت ميزانية المجمع فيما بعد، اصبح من الصعب عليه وضع هذا البدل العالي، فانتقل الى دار اخرى في شارع الزهاوي تعود الى الانكورلي، وكان يسكنها الاستاذ الحصري.
وحاول المجمع ان يحصل على قطعة ارض من الاراضي العائدة الى وزارة المعارف في جانب الكرخ والمنوي –انذاك- انشاء المتحف العراقي عليها وحصلت موافقة الوزارة على ذلك فخصصت له سبعة الاف متر مربع.
واقترنت بموافقة وزارة المالية ايضا، وما كاد المجمع يسجل الارض باسمه حتى عارضت ذلك بعض الجهات الرسمية وبدأت بوضع العقبات ومنها الغاء فكرة تأسيس المجمع نهائيا، ولكن المجمع بذل جهودا جبارة في سبيل الحفاظ على ما بناه وحققه في المجال العلمي. وحين خفضت ميزانيته لم يعد قادرا على القيام بمشاريعه مما اضطره الى الاستغناء عن بعض موظفيه وايقاف بعض مشاريعه كما سنبين ذلك وشيكا، الا انه بقي يلح في الحصول على الارض ليتخلص من دفع بدلات الايجار الباهظة، وتكللت مساعيه بالحصول على قطعة ارض في الوزيرية مساحتها 2500م2، وهي الارض التي اقيمت عليها بنايته الحالية، وعندما انتهت معاملة تسجيل الارض باسمه بادر فورا الى مفاتحة وزارة المعارف ووزارة المالية لبناء بناية بسيطة ينتقل اليها فوافقت وزارة المالية على صرف مبلغ لايتجاوز الثلاثة الاف دينار لهذا الغرض فشكلت لجنة من السادة الدكتور مصطفى جواد والدكتور احمد سوسة وكاتب السطور للاشراف على العمل وبمعرفة المهندسين الذين اختارتهم وزارة المعارف للتنفيذ واخيرا تم اكمال البناية حسب التصاميم التي وضعتها وزارة المعارف، وبقيت فضلة من المبلغ المخصص بنيت به غرفة اضافية ومرافق اخرى، وما تبقى من المبلغ اعيد الى الخزينة المركزية.
ولما كثرت الكتب التي المراد نشرها، قرر المجمع ان تكون له مطبعة خاصة به، وعهد الى الاستاذ الاثري ومتي عقراوي وجواد علي، دراسة الموضوع ومفاوضة احدى الشركات لتجهيز المجمع بمطبعة حديثة، الا ان تخفيض الميزانية اضطر المجمع الى التفكير بشراء مطبعة مستعملة من انكلترا بمعرفة السيد قاسم المنجد –مدير مطبعة الحكومة انذاك –وتمت عملية الشراء وقمت انا باجراءات فتح الاعتماد اللازم في مصرف الرافدين نيابة عن المجمع، بقيمة 600 دينارفقط، وعند وصولها الى بغداد اتصلنا بمطبعة الحكومة لارسال احد المنصبين الفنيين، فارسلت ابراهيم الهايس الذي قام بنصبها، اما الحروف فقد تمكنا من الحصول عليها من المتيسر في بغداد، ومن مسبك الشرق في القاهرة، وتم تعيين طباع واحد وثلاثة منضدين (مرتبين) وفيها طبعت كتب المجمع ومجلته ونشراته، ولما توسع العمل، عين لها ملاحظ وعدد آخر من المنضدين.

مكتبة المجمع:
عندما كانت لجنة الترجمة في البناية الكائنة خلف الاعدادية المركزية ثم انتقلت الى اماكن اخرى، انتقلت معها الكتب داخل صناديق غير مرتبة بعدها الت الى المجمع ولم تكن هذه الكتب كما اسلفت مصنفة ومسجلة في فهارس وحين استقر الوضع في دار السيد رؤوف الكبيسي عينت ملاحظا للمكتبة –اضافة الى اعمالي الاخرى-فبادرت اولا الى تصنيفها وجردها وترتيبها وتسجيلها في السجلات، وحيث انني لا امتلك خبرة في علم المكتبات، لذا بدأت بقراءة ودراسة طريقة (ديوي) في ترتيب المكتبات، كما استعنت بالطريقة المتبعة في مكتبة الاثار القديمة العامة، التي كان الاستاذ كوركيس عواد يشرف عليها، والذي له الفضل الكبير في ارشادي وتوجيهي، وراجعت كذلك طريقة المكتبة العامة في بغداد، والتي كان يشرف عليها الاستاذ نهاد عبد المجيد، واستعنت كذلك بطريقة مكتبة دار المعلمين العالية، ولا اكتم ان هذه المراجعات والتتبعات اخذت مني وقتا وجهدا كبيرين، فكنت اداوم حتى ساعات متأخرة من الليل، وكم كانت فرحتي عظيمة حين وجدت الطريقة التي اتبعتها في التنظيم ما زالت متبعة حتى الان.

المحاضرات :
نظم المجمع محاضرات كثيرة دعا اليها المهتمين بالثقافة والعلم والادب، فكانت اولى المحاضرات محاضرة الشيخ الشبيبي في قاعة فيصل، كما القيت محاضرة للدكتور شريف عسران،وللدكتور محيي الدين يوسف،وللبروفيسور كيوم، كما القى المستشرق لويس ماسينيون، محاضرة في بناية المجمع بشارع الزهاوي وكذلك القى الاستاذ متي عقراوي محاضرة عن اليونسكو، والقى الاستاذ منير القاضي محاضرة عن اسلوب القرآن الكريم ومفرداته ومحاضرة للدكتور هاشم الوتري عن الهيئة الصحية العالمية، ومحاضرة عن الادب العراقي في العصر المغولي، القاها الدكتو رمصطفى جواد، وعن الفلسفة العربية في اوروبا القى الدكتور جواد علي محاضرة ممتعة اما المستشرق ج د اندرسون فقد القى محاضرة عن دراسة الشريعة الاسلامية ومن المحاضرين الاستاذ شيت نعمان عن العلوم الحديثة واللغة العربية والدكتور احمد سوسة عن ري العراق والعلامة الاثري عن الجغرافية عند المسلمين وكثير من الافاضل وغيرهم.
*المجمع حقق وطبع اثارا علمية جليلة، ولكنني اعتبر خريطة الشريف الادريسي التي ترجمها من اللاتينية الى العربية العلامة الاستاذ محمد بهجت الاثري والدكتور جواد علي وطبعاها بمطبعة مديرية المساحة من افضل انجازات المجمع، وكانت الطلبات تنهال عليه من مختلف بلدان العالم، وكنت خلال رحلتي المتعددة الى اوروبا اشاهد هذه الخريطة تزين جدران المكتبات والمؤسسات العلمية فكانت بحق خير دعاية للعراق.واعتبر كتاب (تاريخ العرب قبل الاسلام) لايقل اهمية ودعاية عن خريطة الادريسي وهناك ذكريات مضيئة اخرى.