اجاثا كريستي في كربلاء في الخمسينيات

اجاثا كريستي في كربلاء في الخمسينيات

سلمان هادي الطعمة
اهتم الرحالة الاجانب بمدن العراق كافة اثناء زياراتهم المتكررة اليها الا انهم اعطوا اهتماما خاصا لهذه المدينة المقدسة وكان لما قاله اولئك الرحالة الاثر الكبير في اندفاع عالم الاثار الانكليزي الشهير ماكس مالوان وزوجته الكاتبة البوليسية الشهيرة اجاثا كريستي الى زيارتها في الخمسينيات حيث تعرضا الى موقف كاد يؤدي بحياتهما

فحين عودتهما من بحيرة الرزازة انغرزت اطارات سيارتهما في الرمال ولم تفلح محاولاتهما لاخراجها فارسلا السائق الى المدينة لجلب المساعدة لهما وظلا هما في الصحراء المقفرة، وفي تلك اللحظات العصيبة فوجئا بسيارة ظهرت قربهما بحالة غير متوقعة وسط هذه الصحراء الجرداء فترجل ركاب السيارة واخرجوا سيارتهما ووضعوها على الطريق ليواصلا رحلتهما الى كربلاء وعندها ايقن مالوان وزوجته كريستي بان معجزة الارض المقدسة هي التي انقذتهما ليكملا ما تبقى من ليلتهما في ضيافة مركز للشرطة. وكأن هذه المعجزة للارض الطاهرة قد ارادت من تلك الواقعة سببا لتمتين العلاقة بينهما لتنتهي بالزواج والرفقة الطويلة حتى الممات.. فحملا ذكرى عطرة في نفسيهما جعلتهما يحبان العراق واهله مجسدين ذلك الحب في اعمالهما الاثارية والروائية.ان اهمية هذه المدينة المقدسة تنبع من كونها تضم الحرمين الشريفين للامامين الحسين واخيه العباس عليهما السلام وتخضب اديمها الطاهر بدماء الشهداء يوم عاشوراء الواقعة الشهيرة التي قدمت للانسانية والتاريخ الانساني دروسا في الحرية والاباء والكرامة.فاستشهاد الامام الحسين وعترته الطاهرة وال بيته عليهم السلام الذين كانوا معه في تلك الواقعة منحها الاهمية التاريخية والمكانة المتميزة بين المدن العربية المقدسة واصبحت حلم الكثير من الرحالة الاجانب لزيارتها واقدم من زارها الرحالة البرتغالي (بيدرو تكشيرا) سنة (1601) م قادما من جزيرة (غوا) الهندية متوجها الى ايطالية سالكا طريق الخليج والبصرة ثم النجف الاشرف فكربلاء الطاهرة ويصفها بانها كانت تحوي اربعة الاف بيت وكانت اسواقها مليئة بالسلع التجارية حيث كان يؤمها الزوار من مختلف الجهات لزيارة الاضرحة المقدسة ويذكر كذلك رخص اسعار المواد التي كانت تباع بها كالحنطة والشعير والفواكه والخضراوات واللحوم.وفي سنة (1765) زارها الالماني (كارستين نيبور) ضمن بعثة استكشافية علمية حيث وصفها بانها مدينة غناء زاخرة بالبساتين واشار الى موقع المخيم (مخيم البركتان) اللتان حفرهما الامام العباس عليه السلام في بحثه عن الماء وسط المخيم حيث جعل الناس مؤمنين بان ظهور الماء في هاتين البركتين كان معجزة من المعجزات … وزارها ايضا عالم الاثار الانكليزي (لوفتس) ضمن بعثة ترسيم الحدود بين العراق وايران سنة (1853) و (جون اشر) عضو الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية سنة (1864م) واللذان ابديا اعجابهما باسواق المدينة والبساتين الكثيرة الجميلة … ومن جملة ما اشار اليه الصناعات التي تشتهر بها المدينة ومنها (صياغة المصوغات المخرمة من مغاطس ومغاصات البحرين).وابدى)اشر) اعجابه بحيوية المدينة حيث ذكر بانه لم يجد فيها علامات الركود والانحطاط التي شاهدها في بقية البلدان.هؤلاء الرحالة وغيرهم بالتأكيد اعتمدوا على ما ذكره اشهر الرحالة العرب الرحالة الشهير (ابن بطوطة) الذي زارها سنة (762هـ) والذي وصفها بقوله (سافرنا من الحلة الى مدينة كربلاء مشهد الحسين بن علي عليهما السلام وهي مدينة صغيرة تحفها حدائق النخيل ويسقيها الفرات والروضة الشريفة داخلها وعليها الحجاب والقوامة لايدخل احد الا عن اذنهم ويقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة وعلى الابواب استار الحديد..).كذلك زارها ياقوت الحموي وذكرها في معجمه (معجم البلدان).. وغيرهم.. وبعد هذه الرحلة القصيرة في المدينة مع الرحالة العرب والاجانب نقول:ان الاستنتاجات التي خرج بها الاثاريون والباحثون من نتائج المكتشفات الاثرية قرب بحيرة الرزازة تؤكد وجود اثار ما قبل التاريخ التي تجعل من المسلم به ان مدينة كربلاء وبابل تدخلان ضمن مدينة (دلمون) السومرية التي يعود تاريخها الى خمسة الاف وخمسمئة سنة ق. م اول مدينة في العالم ورد ذكرها في الكتابات السومرية بحسب اثار قصبتها (دلمة) التي ما تزال اثارها موجودة على سفح الرزازة وهي نفسها جنتهم وجنة الساميين – جنة عدن – …وليس بكثير من الذي تقدم وما قام به (الخليفة الظاهر العباسي) (367 – 372هـ) من اعمار بالمدينة بعد ان شيد ضريحي الامامين الحسين والعباس عليهما السلام وبناء المآذن بجانبهما حيث ازدهرت عمرانيا وثقافيا واقتصاديا وظلت تزدهر قرنا بعد قرن ان تسمى بزهرة الفرات الاوسط في العراق

عن كتاب (كربلاء في مدونات الرحالة والاعلام)..