من تاريخ الصحافة العراقية..عندما اصدر ابراهيم صالح شكر صحيفته (الزمان) سنة 1927

من تاريخ الصحافة العراقية..عندما اصدر ابراهيم صالح شكر صحيفته (الزمان) سنة 1927

اريج ناظم سيالة
صدرت جريدة الزمان في 11 تموز 1927م وهي جريدة يومية سياسية اجتماعية انتقادية كانت تصدر مساء الاثنين والجمعة من كل اسبوع صاحبها ورئيس تحريرها إبراهيم صالح شكر ومديرها المسؤول شاكر الغصيبة اما تأميناتها فقد دفعها احد الوزراء السابقين هو (علي جودت الايوبي). كان على الصحفيين دفع تامينات في مديرية الدعاية التابعة لوزارة الداخلية وفقا للقانون لكي يسمح لهم باصدار الصحف وقد ذكر إبراهيم صالح شكر ذلك فكتب

(وبهذا"الافلاس"الابي الجبار اصدرت"الزمان"فكانت اجرة طبعها"دينا"، وكان"ثمن ورقها"بالدين الذي لا"فائض"له، اما"التامينات القانونية"وهي"بيت القصيد"فقد دفعها بالنيابة عني"وزير سابق)، صدرت الزمان باربع صفحات بالحجم العادي وكل صفحة تحتوي على ثلاثة أعمدة طويلة وجاء في رأسها أنها (جريدة يومية ادبية سياسية اجتماعية انتقادية تصدر مساء الاثنين والجمعة من كل اسبوع موقتا) وجاء في اذين الجريدة الايمن (صاحب الجريدة ورئيس تحريرها إبراهيم صالح شكر) (المكاتبات باسم صاحب الجريدة) (العنوان البرقي بغداد جريدة الزمان)(الاعلانات يتفق عليها مع الادارة) (قيمة النسخة انتان) كانت جرائد إبراهيم صالح شكر تصدر بصفحتين فقط غير انها كانت تباع بانتين بينما كانت الجرائد التي تزيدهافي الحجم تباع ب(انة واحدة) أي 4 فلوس ومع كل هذا فقد كانت رائجة رواجا منقطع النظير إلى ذلك الزمن اذ تصرف الف نسخة خلال ساعة تقريبا فان كل قارئ متاكد من ان العدد سيصادر ولابد ان تغلق الجريدة فيما ثبت في الاذين الايسر للجريدة (المدير المسؤول المحامي شاكر الغصيبة) (الاشتراكات لسنة كاملة في بغداد والعراق 15 ربية وفي خارج العراق 125 قرشا مصريا) (لاتعتبر الوصولات مالم تكن ممضاة من قبل صاحب الجريدة ومختومة بختم الادارة) اما عنق الجريدة فثبت فيه التاريخ بالتقويمين الهجري والميلادي طبعت الاعداد(1، 2، 3، 4، 24، 26، 27، 28) من جريدة الزمان في مطبعة النجاح فيما طبعت الاعداد الباقية وحتى احتجابها في مطبعة دار السلام احتوت الجريدة على عدد من الابواب منها: (المعلوم والمجهول، ورؤوس اقلام، وخلاصة البرقيات العامة، وأنستاسيات، و العاصمة، وعلى المكشوف).
ان ضعف الحالة المادية لاصحاب الصحف في تلك المرحلة جعلتهم عاجزين عن أن يدفعوا اجورا للكتاب ان وجدوا فكان الواحد منهم يجمع في شخصه بين المالك الجديد ورئيس التحرير والمراسل ومدير الادارة وقد يكون الموزع ايضا فكان عمل إبراهيم صالح شكر في جريدة (الزمان) يشمل كتابة ابوابها ومحلياتها وتصحيح تجارب الطبع وتغليف نسخ المشتركين فيها وكتابة عناوينهم على الاغلفة حاذيا في (الزمان) حذو علي يوسف في جريدة (المؤيد) بادارتها وتحريرها لاعجابه بالمؤيد وصاحبها وتعلقه باسلوبه، كتب إبراهيم صالح شكر تحت عنوان (على الهامش) : (يرحمك الله ياعلي يوسف فقد تركت لي"اسلوبك"في الصحافة اماخيرك منها فاني لااطمع به في هذه الديار،فالعراق ايها المرحوم غير مصر. اننى الان ماض على اسلوبك في"المؤيد"اصدر جريدة"الزمان"واكتب"فصولها"وحتى"محلياتها"واصحح مايلتبس على"المرتبين"في المطبعة فهمه من"خطي"،البديع حتى اذا ماصدرت عمدت إلى"تغليف"الجريدة وكتابة"عناوين المشتركين"وهكذا امضي ايامي بين هذه"المهلكات"في هذا البلد المملوء ظلاما وتعاسة!) وكان يكثر من قراءة جريدته قبل صدورها للاسواق وغالبا ماكان يعود مع رفائيل بطي في منتصف الليل إلى المطبعة ليعيد قراءة نسخة من الجريدة ويتاكد مما كتبه ويقرؤها على رفائيل ويساءلهُ ساخراً: (هلا حسبت كم يبلغ عدد من أصيبوا بسهامي في هذا اليوم) كانت (الزمان) تلقى اقبالا كبيرا من القراء الا انها كانت تعاني من تلكؤ المشتركين في دفع اشتراكهم السنوي في الجريدة ولذا كانت تنشر بين الحين والاخر اعلانا تطلب فيه من مشتركيها دفع بدل الاشتراك اذ كانت تعتمد في تمويلها على تلك الاشتراكات وكان من بين المشتركين ملوك اليمن والحجاز ونجد ومصر وشاه ايران ومن الامراء امير شرق الاردن والامير زيد ومن رؤساء الحكومات جعفر العسكري رئيس الحكومة العراقية انذاك فضلا عن رؤساء الحكومات السورية والمصرية والتركية وعدد من الشخصيات الغربية العاملة في العراق.
كانت جريدة (الزمان) صوتا مدويا من اصوات الدفاع عن حرمة الوطن وحقوق الشعب واماله وكانت نذيرا شديدا يصك اسماع الاستعمار واذنابه كما خدمت الفكر السياسي خدمة كبيرة بايقاظ الناس وشحذ هممهم عبر تسجيل ادق التفاصيل حول الوزراء والنواب باسلوبها الساخر وكان لمقالاتها الفضل الكبيرفي تصحيح الكثير من القيم البالية والمفاهيم القديمة وفي تقويم سلوك كثير ممن كانوا يجر تصرفهم على البلاد والامة الاوبئة النفسية والامراض الخلقية فقد اتسم اسلوبها بالتأثير النفسي وبالصيغ التعبيرية ذات الرنين الموسيقي الذي يحمل القارئ على التعاطف السريع معها عن طريق استخدام عبارات جميلة ذات مسحة ادبية مجازية وباستثناء عدد قليل من الكُتّاب الذين اسهموا بمقالاتهم في جريدة (الزمان) فقد حرر إبراهيم صالح شكر ابواب (الزمان) واعمدتها وزواياهاجميعها بنفسه تارة تحت اسماء مستعارة وتارة اخرى بدون توقيع.
و جاء في العدد (31) من الجريدة و الصادرة في 30 اذار 1928م رسالة قصيرة وجهها إبراهيم صالح شكر إلى ياسين الهاشمي كاشفا فيها تعرضه للتهديد من قبل الهاشمي وقد
جاء في الرسالة (ان رجلا يقيم معك في دارك، ويزعم ان له بك صلة قربى، جاء إلى ادارة"الزمان"في عصر الثلاثاء الماضي، فالتمس ان يختلي بي ليكلمني بصورة خاصة، فاجبت ملتمسه، فاظهر لي انه متالم مماتكتبه جريدة"الزمان"عنك، ثم ذكرلي انه لايستطيع ان يشاهد ذلك ويسكت، وقد افهمته بانني لست عدوا لك، وانما انا خصم لناحية من سياستك لاعتقادي انها اضرت البلاد كثيرا ولكنه قبل ان يتفهم ذلك ذكر لي بانه مازال متالما من"حادثة الاعتداء"التي ارتكبها"الانذال"معي في 19 حزيران عام 1923، تلك الحادثة التي ربما تعرفها جيدا).
كان العديد من الساسة يخشون قلم إبراهيم صالح شكر ويحاولون التقرب اليه وكسبه إلى جانبهم وقد اشار إلى ذلك قائلا (ويتسائل الكثيرون من"رجال الدولة"وذوي النفوذ في البلاد عن"الاوفيس"الذي يستطيعون مقابلتي فيه، وقد اردت ان ادلهم على المكان الذي استطيع ان اقابل فيه من يتفضلون بزيارة هذا المخلص! انني يوميا من الساعة الخامسة بعد الظهر إلى الساعة الثامنة مستعد لملاقاة"المحبين"في القهوة المجاورة"لدار مستشارا لداخلية"حضرة المستر كرنوالس والقهوة التي شيدت على"قبر فوندر غولتز باشا"الالماني، فهناك فقط استطيع ملاقاة الاخوان ومقابلة الاصدقاء) فكان باب (المعلوم والمجهول) وتناول فيه طائفة من الساسة الذين كانوا يؤدون ادوارهم على المسرح السياسي انذاك كاشفا عما في طباعهم من مفارقات.
تعرضت جريدة الزمان إلى التعطيل الاداري من قبل وزارة جعفر العسكري بعد صدور عددها (23) في 21/ تشرين الاول /1927م واستمرهذا التعطيل حتى استقالة الوزارة في كانون الثاني 1928م ثم عاودت ا لجريدة صدورها عندما شكل عبد المحسن السعدون وزارته الثالثة واستمرت بالصدور حتى العدد (40) اذ عطلت الجريدة للمرة الثانية بعد ان شنت هجوما على الحزب الحاكم (حزب التقدم) متهمة اياه بتزوير الانتخابات التشريعية التي اجريت باشرافه عام 1928م، وبعد مرور اربعة اشهر استانفت الجريدة صدورها فبرز عددها ال(41) في 26 اب 1928م وتضمن مقالات عنيفة ضد الوزارة ورجالاتها......... مما حمل الوزارة على اصدار قرار يقضي بتعطيلها نهائيا بعد صدور عددها (44) في 16 ايلول 1928م.

عن رسالة (ابراهيم صالح شكر صحفيا)