ورحل علي الشوك الأرستقراطي اليساري في مغتربه اللندني

ورحل علي الشوك الأرستقراطي اليساري في مغتربه اللندني

شكيب كاظم
في يوم الجمعة الحادي عشر من ينايلر/كانون الثاني 2019، رحل الكاتب الموهوب علي الشوك، في أحد مشافي لندن، عن تسعين سنة، وإذ أؤكد صفة (الكاتب) فلأنه سئل ذات مرة؛ أي النعوت أقرب إلى نفسه، فاختار أن يوصف كاتباً، هو الذي أرسل في بعثة دراسية إلى جامعة بركلي في الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الفيزياء، لكن رغبته في دراسة الرياضيات،

دفعته إلى دراستها أكاديمياً، وكان من المؤمل أن يواصل دراسته العليا، لكن حدوث التغيير في يوليو/تموز 1958 دفعه للعودة إلى الوطن، والانغماس في العمل السياسي، وزاول التدريس في المدارس الثانوية العراقية، لكن نفسه التواقة إلى المعالي ما رضيت له أن يمضي العمر مدرساً مغموراً، يطوي ذكره الموت.
كان يجد في نفسه قابليات لا تحد، لذا طرق أبواباً في الكتابة شتى، هو الذي كان يصف نفسه قارئاً جيداً، يتوق كي يصبح كاتباً، فكتب «الأطروحة الفنطازية"بداية سبعينيات القرن العشرين أردفها بـ»الداداءية بين الأمس واليوم»، كما كتب الرواية، ومنها رباعيته الروائية «السراب الأحمر. سيرة حياة هشام المقدادي»، ولتكون «فتاة من طراز آخر» الحلقة الرابعة والأخيرة من مشروعه الروائي هذا.
لقد ظل علي الشوك يتوق إلى كتابة رواية أجمل، أو كما يصفها رواية مذهلة، أما لماذا لم يكتبها فلانشغاله بقراءات متشعبة وكتابات متفرقة، كما يصفها هو في سيرته الذاتية الحياتية التي أصدرتها (دار المدى) سنة 2017 وحملت عنوان «الكتابة والحياة"وهو آخر ما كتب.
لقد عجبت من هذه القراءات البعيدة جدا عن مجال إبداعه، فهو فيزياوي ومختص بالرياضيات، دراسة ومهنة، وهو أديب وكاتب روائي في مجال الإبداع، لكنه يقرأ ويبحث في اللغات القديمة وجذورها وصلتها بالعربية، بالرجوع إلى مجلدات المعجم الآشوري الذي يزوده عالم الآثار العراقي فوزي رشيد، واللجوء إلى قواميس عبرية وآرامية، فضلاً عن دراسات مكثفة في الموسيقى كانت حصيلتها كتابا عن «الموسيقى الإلكترونية» نشرته سلسلة الموسوعة الصغيرة، التي كانت تصدرها دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد وحتى سنة 2003، فضلا عن قراءات في الأساطير السومرية والمصرية والكنعانية والعبرية واليونانية والرومانية والعربية، وقراءات في الميثولوجيا، والبحث المضني عن الجذور الأصلية للعديد من المفردات والاصطلاحات، ويظل توقه لكتابة الرواية مؤجلاً، والعمر الإنساني القصير لا يسعفك بالتأجيل، حتى لو كتبها فإنه يؤجل نشرها، أو (يطمرها) كما يقول نصاً.
لماذا هذا الطمر، والزمن القاسي يترصد بنا كل مرصد؟ ألم يطمر روايته «الكلب والأوبرا» ست سنوات، ولولا حث الروائي فؤاد التكرلي على نشرها، لزاد الطمر ولربما لم تنشر. أيجوز هذا ونحن نسابق الزمن في سيره المتراكض نحو اللاأين؟
كما يحدثنا في مذكراته هذه، أنه وجد نفسه مكرسا لاهتمامات أخرى كالموسيقى والفيزياء، ويراها مهمة يجب أن تنال حقها من الاهتمام، قبل أن ينتقل إلى عالم الرواية. مع أنه خلق مبدعا وكاتبا، وهذه الانشغالات تأكل من جرفه الإبداعي، فالموسوعية في زمننا أضحت عبئا على القارئ، وستمسي أكثر وطأ على الباحث والكاتب، وإذا كان الاستطراد سمة الكتابة في أيام طفولتها، والجاحظ نموذج له، فان الزمن المتسارع، المعارف التي تزداد وتتضاعف سنوياً، ما عادت تسمح لنا بهذا التشعب والتوسع والاستطراد. لقد قدم الكاتب الموسوعي علي الشوك الشيء الكثير لثقافة العرب، ستبقيه في الذاكرة طويلا، وكان سيقدم الأبهى والأدوم، لو لم ينغمس في السياسة ولو لم يؤجل مشاريعه، ويرتمي في هذه التشعب والموسوعية.