ادب الاطفال وحسين قدوري

ادب الاطفال وحسين قدوري

جميل حمداوي
يعتبر العراق من أهم الدول العربية التي ركزت منذ وقت مبكر على أدب الأطفال سردا وشعرا وصحافة ونقدا ودراسة. وقد أولت العراق كامل عنايتها بفلذات أكبادها، وأعطت اهتماما زائدا بالطفل من مرحلة الروض حتى مرحلة الفتوة والمراهقة، فرسمت مجموعة من البرامج والمخططات التنموية للنهوض بالطفل العراقي في جميع الميادين، فاهتمت بجوانبه السيكولوجية والاجتماعية والتربوية والأدبية والعلمية.

ثم سطرت مناهج اشتراكية علمانية إبان عهد حزب البعث في توجيه المدارس والهوايات والبرامج والأنشطة والكتب.

ومن المعلوم أن أدب الطفل لم يظهر في العراق بشكل حقيقي وفعال إلا في أواخر الستينيات من القرن العشرين بصدور مجلة"مجلتي». وبعد ذلك، أتبعت هذه الصحيفة بجريدة"المزمار"التي كان لها صيت كبير على مستوى الداخل والخارج. ومن هذه الفترة، انطلق أدب الأطفال في تطوره مدا وجزرا حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وعليه، فقد سار أدب الأطفال في العراق عبر مجموعة من المسارات الفنية والجمالية: كمرحلة الترجمة، ومرحلة الاقتباس، ومرحلة التأليف، ومرحلة التجريب، ومرحلة الإبداع، ومرحلة التأصيل.
ويمكن القول أيضا أنه اتبع مجموعة من المراحل التاريخية كمرحلة النشأة والتأسيس من العشرينيات حتى الستينيات من القرن العشرين، ومرحلة التطور والازدهار من السبعينيات حتى التسعينيات، ومرحلة التراجع والانحسار ومراجعة الذات مع سنوات الألفية الثالثة.
ظهر شعر الأطفال في العراق في العشرينيات من القرن العشرين تحت تأثير أحمد شوقي الذي كان يعد الرائد الحقيقي لأدب الأطفال في العالم العربي كما يتجلى ذلك واضحا في ديوانه"الشوقيات». ومن المجلات التي كانت متخصصة في نشر قصائد الأطفال نلفي مجلة"التلميذ العراقي"التي خرجت إلى حيز الوجود عام 1923م.
ومن أهم الشعراء العراقيين الذين كتبوا للأطفال نذكر: مصطفى جواد، ومحمد رضا الشبيبي، ومعروف الرصافي، ومحمد بهجت الأثري، وجميل الزهاوي، وعبد المحسن الكاظمي....
ومن المعلوم أن الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي قد خصص للأطفال ديوانا شعريا بعنوان"تمائم التربية والتعليم"يحمل في طياته مجموعة من القصائد والأناشيد والمقطوعات الشعرية الطفلية ذات الأهداف التربوية والتعليمية والتهذيبية.
ولاننسى أيضا الشاعر محمد باقر سماكة، وعبد الرزاق الربيعي، وعبد الرزاق عبد الواحد، ومالك المطلبي، وخيون دواي الفهد، وسعد جاسم، وكريم العراقي، وجليل خزعل صاحب ديوان"كلمات نحبها»، وصلاح حسن، وفاضل عباس الكعبي، والشاعر أحمد حقي الحلي الذي أصدر مجموعتين شعريتين، أولاهما طبعت في مصر تحت عنوان:»الأناشيد الطفلية».
ومن يتأمل برامج المحفوظات المدرسية العراقية أو المناهج والمقررات المدرسية الابتدائية، فسيجد مجموعة من النصوص والأناشيد الشعرية الموجهة إلى التلاميذ الأطفال سواء أكانوا بنين أم بنات في مختلف مستوياتهم العمرية والنفسية والبيداغوجية.
وقد قامت مجلتا"مجلتي"و»المزمار"داخل الوطن وخارجه بدور هام في تنشيط أدب الأطفال بصفة عامة وتحفيز الشعراء المبدعين على نظم القصائد والأناشيد بصفة خاصة.
لكن الحديث عن حركية فنية منتعشة في العراق في مجال أغنية الأطفال، وفي هذا الصدد يمكن استحضار الفنان حسين قدوري رائد أغاني الطفل وموسيقاه في العراق. وقد ألف موسوعة موسيقية ضخمة ملونة ومعززة بالنوتة العلمية، ومدعمة بثلاثة أجزاء ضخمة عن أغاني الأطفال ولعبهم.
هذا، وقد"أنجز خلال مسيرته الفنية أكثر من 300 أغنية للأطفال لحساب إذاعة بغداد وبعض الاذاعات العربية... كما لحن العشرات من القصص الغنائية للأطفال للإذاعة والتلفزيون في العراق.. وسجل خمسة أشرطة كاسيت سمعية لمجاميع غنائية خاصة بالأغاني الشعبية للأطفال، ولحن موسيقى الـ(16 مسرحية) خاصة بالأطفال، بحيث صار حسين قدوري رائدا مهما من رواد أغاني وموسيقى الأطفال ليس في العراق فحسب، بل في الوطن العربي كله.
الى جانب ذلك حازت أعماله على غير جائزة فنية، منها الجائزة الاولى لأحسن أغنية طفل (تحيا بلادي) في عام 1976م، والجائزة الاولى لأحسن أغنية طفل (دن دان) في مؤتمر اتحاد الإذاعات العربية بدمشق عام 1978 م، والجائزة الاولى لأحسن أغنية طفل (الأم) في العراق عام 1980 م، والجائزة الأولى في منبر موسيقى الطفل بالمؤتمر التاسع للمجمع العربي للموسيقى عام 1985 م إلى جانب عشرات الشهادات والأوسمة من مؤتمرات علمية عربية، ومن نقابة الفنانين العراقيين ووزارة الثقافة والإعلام وغيرها.»
وهكذا، فقد أنتج حسين قدوري أكثر من خمسمائة أغنية طفلية جمعت بين ماهو تراثي فلكلوري وماهو معاصر. ومن أهم أغانيه الطفلية المشهورة: الزهور، تعال نلعب، عندي حكاية، دولاب الهوا، جاء المطر، أمي، صفنا أحسن الصفوف...