إعداد/ منارات
في العام ٢٠٠٠ قام معهد كلاي للرياضيات، وهو مؤسسة غير ربحية في كامبريدج بالإعلان عن جوائز مسائل القرن الواحد والعشرين. وهذه المسائل هي عبارة عن ٧ مسائل رياضية تعد الأهم، والتي لم يتم حلها لغاية الآن. ولكونها هامة للغاية فإن المعهد وضع جائزة قدرها مليون دولار لكل مسألة يتم حلها. وبينما واحدة من هذه المسائل، التي تحمل اسم حدسية بوانكاريه تم حلها بالفعل عام ٢٠٠٦، والتي حصد عالم الرياضيات الذي حلها شهرة إضافية عند رفض مليون الدولار والميدالية. المسائل الست الأخرى ما تزال غير محلولة.
في أيلول من العام ٢٠١٨ قدم عالم الرياضيات مايكل عطية حلاً لفرضية ريمان، والتي تعتبر أقدم مسألة رياضية وأكثرها صعوبة. ولكن بطبيعة الحال لم يتم الإعلان رسمياً بأن المسألة تم حلها؛ لأنها تحتاج إلى المراجعة والتدقيق من قبل لجنة المعهد قبل حسم الأمر والإعلان ما إن كان عطية قد نجح فعلاً بحلها أم لم ينجح.
النشأة والتعليم:
تشتت بين عالمين
ولد مايكل عطية في هامستاد لندن عام ١٩٢٩ من أم إسكتلندية ووالد لبناني. والده إدوارد سليم عطية كان طبيباً يعمل في الخرطوم في السودان، كما كان كاتباً وصاحب برنامج إذاعي خلال الحرب العالمية الثانية، وقد تحدث مايكل عن والده في أكثر من مقابلة، إذ قال «كان حلمهم الذهاب إلى أكسفورد، فهو أراد تحويل نفسه إلى رجل إنكليزي. ولكن التحول ذلك لم يحدث، لذلك عاد إلى السودان؛ لأن المجتمع الإنكليزي نظر إليه على أنه شخص ينتمي للطبقات الدنيا، رغم كونه من خريجي أوكسفورد. عدم تقبله خلق لديه نوعاً من التناقض، فوجد حياته بين طرفين، الأول هو رغبته الشديدة بأن يصبح بريطانيًا وبين تحوله إلى قومي عربي من جهة».
عدم قدرة والده على التأقلم جعلت مايكل عطية يتنقل مع والديه بين السودان والقاهرة، حيث تلقى تعليمه الابتدائي في السودان، ثم الثانوي في القاهرة. ولكن وبسبب الحرب العالمية الثانية عاد الى إنكلترا، حيث أكمل تعليمه وتخرج في كلية ترنتي، كامبريدج.
مسيرة حافلة لمايكل عطية
أمضى مايكل عطية معظم سنواته الأكاديمية (١٩٥٥- و١٩٥٦) في معهد الدراسات المتقدمة في برنستون ثم عاد إلى كامبريدج، حيث كان مساعد باحث ومساعد محاضر خلال عامي ١٩٥٧ و ١٩٥٨ ثم لاحقاً عمل كمحاضر في كلية بمبروك في كامريدج. ثم انتقل في العام ١٩٦١ إلى جامعة أوكسفورد. لاحقاً أصبح زميلاً في كلية سانت كاترين، وتبوأ كرسي سافيل المرموق في تلك الجامعة عام ١٩٦٣. كما عمل أستاذاً للرياضيات في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون لمدة ثلاث سنوات، وأصبح عام ١٩٩٠ أستاذاً للرياضيات وعميداً لكلية ترنيتي، وأول مدير لمعهد إسـحق نيوتن لعلوم الرياضيات، في جامعة كمبردج. وقد حل أستاذاً زائراً في جامعـات أخرى مثل هارفرد، وبيركلي، وشيكاغو، وييل، وكولومبيا، كما عمل رئيساً لجامعة ليستر.
عقل خارق
مايكل عطية واحد من علماء الرياضيات الأكثر تأثيراً في عصرنا، وعلى يده تتلمذت مجموعة من أبرز علماء الرياضيات. لمايكل مجموعة كبير من النظريات منها عطية - بوت - نظرية النقطة الثابتة (تعاون بين عطية وعالم الرياضيات الشهير راوول بوت)، عطية - سنجرـ نظرية - المؤشر (تعاون مع عالم الرياضيات إزادو سينجر) ونظرية كاي بالتعاون مع فريدريك هيزيربروش وغيرها الكثير من النظريات الخاصة بعالم الرياضيات.
ولكن من بين جميع النظريات تعتبر نظرية كاي ونظرية المؤشر الأكثر تأثيراً في تطوير علم الرياضيات. أعماله في مجال الرياضيات لا تنحصر أهميتها فقط في هذا المجال، إذ إن استخدام الهندسة الجبرية لإنشاء المعدلات التفاضلية الجزئية هامة في الفيزياء النظرية أيضاً كما أن أعماله مكنت من تعميق الفهم لنظرية الحقل الكمي وللنسبية العامة.
جوائز وألقاب للسير مايكل عطية
تمكن مايكل عطية من تحقيق الحلم الذي لطالما أراده والده، فالابن بات رجلاً بريطانيا بكل ما للكلمة من معنى، ولا أحد ينظر إليه نظرة دونية، على العكس فهو مصدر فخر واعتزاز، وقد منحته ملكة بريطانيا لقب فارس (سير) ووسام التميز، كما تم انتخابه زميلاً في الجمعية الملكية في لندن وفي الجمعية الملكية في إيرلندا، ورئيساً لجمعية الرياضيين.
منحته أكثر من ثلاثين جامعة درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم، كما منحته أكاديميات العلوم في أكثر من عشرين دولة زمالتها الفخرية. الجوائز والميداليات والأوسمة التي منحت له عديدة جداً منها ميدالية فيلدز، والتي هي بالنسبة للرياضيين تضاهي جائزة نوبل أهمية، بالإضافة إلى الميدالية الملكية، وميدالية كوبلي، وجائزة الملك فيصل العالمية.
حل فرضية ريمان
عندما تم الإعلان بأن مايكل عطية قدم حلاً لنظرية ريمان التي تعتبر الأكثر صعوبة والأقدم فإن الخبر أحدث ضجة في ذلك الوسط ، إذ إن المحاولات لحلها مستمرة منذ أكثر من ١٦٠ عاماً. عطية قال بعد تقديم حله «قم بحل نظرية ريمان وستصبح مشهوراً ولكن إن كنت مشهوراً فستصبح سيئ السمعة». وأضاف «لا أحد يصدق أي إثبات يتم تقديمه لفرضية ريمان؛ لأنها صعبة للغاية ولا أحد قد تمكن من إثباتها، فلماذا على أي شخص إثباتها حالياً؟ السبب هو أن الشخص الذي يريد حلها يملك فكرة جديدة».
النظرية التي تسمى أحجية الأرقام الأولية تتحدث عن توزيع هذه الأرقام، وفي حال كان الحل الذي قدمه عطية صحيحًا فحينها علماء الرياضيات سيحصلون أخيراً على خريطة توزع هذه الأرقام. عطية يؤكد أن الحل الذي قدمه بسيط، وهو استند إلى أعمال كل من جون فون نيومان وفردريك هايزربزش.
وعمل عطية في مجال السلام العالمي، في منظمة "بوغواش" التي تنظم مؤتمرات حول العلوم وقضايا العالم، وحاول نزع فتيل الحرب النووية بين الهند وباكستان. كما وعمل رئيسا للمجتمع الملكي، ومن خلال منصبه انتقد البرنامج النووي البريطاني، وقال إنه تضييع خطير للموارد العلمية.
توفي في الحادي عشر من كانون الثاني عام 2019 ، عن عمر ناهز الـ 90 عاماً، بحسب ما اعلنه المجتمع الملكي في لندن.