من شهداء انقلاب شباط الاسود.. طه الشيخ احمد وماجد محمد امين

من شهداء انقلاب شباط الاسود.. طه الشيخ احمد وماجد محمد امين

العميد طه الشيخ احمد.. التحق بالزعيم صبيحة 8 شباط

د . عبد الله حميد العتابي
ولد الشهيد طه الشيخ أحمد عام 1917 في مدينة العمارة(ميسان) في عائلة ميسورة الحال، وكان والده الشيخ أحمد تاجرا للحبوب وله إلمام بالعلوم الدينية أهله لأن يطلق عليه لقب الشيخ، وقتل والده على خلفية نزاع، حيث طعنه أحدهم بخنجر وهو يؤدي الصلاة فتوفي على أثر ذلك، فتولى أحد أبنائه أدارة أعماله التجارية،

فيما انصرف الشهيد لمواصلة دراسته وتخرج في دار المعلمين،ليلتحق بالكلية العسكرية التي كانت يومها بحاجة إلى الطلبة فالتحق إليها الكثير من المعلمين، ولاجتهاده وتميزه بين أقرانه أرسل لدراسة الهندسة العسكرية في انكلترا، ثم درس الحقوق وتخرج فيها أواخر الأربعينيات وكان من أوائل الضباط الذين شاركوا في العمل السياسي حيث أنشأ سنة 1942 مع ضباط آخرين جمعية سرية أخذت على عاتقها نشر الثقافة السياسية والترويج للمبادئ الوطنية التقدمية، وأسسوا لهم مكتبة لبيع الكتب كانت مصدرا لنشر الوعي بين المواطنين، فلفت نشاطه هذا القوى الأمنية، ولخشيتها من انتشار الفكر الوطني التقدمي في صفوف الضباط أحالته على التقاعد مع مجموعة من الضباط الوطنيين سنة 1953 بسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، وبعد أن بدأ النظام الملكي يكثف من نشاطه الاستخباراتي في الجيش ويشدد الرقابة على الضباط بعد ثورة يوليو المصرية التي نفذها الضباط المصريين، ما جعل السلطة تقوم بحملة كبيرة في صفوف الضباط واحالت الكثير منهم على التقاعد.بعد احالته على التقاعد أخذ يعمل في المقاولات ومارس نشاطه السياسي بحرية أكثر، وشارك في حركة الضباط الأحرار الذين كانوا يخططون للثورة، لذلك ما أن نجحت الثورة في القضاء على الحكم الملكي حتى دعاه عبد الكريم قاسم للإسهام في السلطة لعلاقته به من خلال العمل العسكري ومشاركته في نضال الضباط الأحرار وحركتهم السرية، وأعيدت له رتبته (عميد ركن) وأصبح مديرا للخطط العسكرية في وزارة الدفاع رغم عدم رغبته في العودة إلى العسكرية، ولكن إصرار الزعيم ومناشدته لتقديم الخدمة للشعب والوطن كانت وراء هذه العودة.

استطاع طه الشيخ احمد من خلال عمله في وزارة الدفاع وإناطة مسؤولية الخطط العسكرية به أن يعمل على بناء جيش مهني حديث وأن يسعى لتسليحه بالأسلحة القادرة على مواجهة تحديات المرحلة وكان لتأثيره على عبد الكريم قاسم بحكم العلاقة المتينة أثر في إصدار الكثير من القرارات والتشريعات النافعة التي كانت من أهداف الثورة، وكان الشيخ أحمد الذي لا يدخر وسعا للدفاع عن الثورة وحمايتها، وهو ما ثبت فعلا صبيحة الانقلاب، فرغم الخلاف بينه وبين قاسم،الا أنه التحق إلى وزارة الدفاع صبيحة الانقلاب ليقف إلى جانب عبد الكريم في إفشال الانقلاب، ولم تثمر اتصالاتهم بضباط الجيش المسؤولين عن حماية بغداد للتحرك وقمع المؤامرة لأن معظم أولئك الضباط كانوا من المتواطئين مع الانقلابيين، وكان الزعيم طه الشيخ أحمد قد سمع البيانات التي تذيعها الإذاعة، وكانت داره قريبة من دار الزعيم، فارتدى ملابسه العسكرية وتوجه الى الزعيم، فوجده متهيئا للذهاب الى معسكر الرشيد، فاقترح عليه التوجه الى وزارة الدفاع، خرج الزعيم بسيارته ومعه طه الشيخ أحمد وخلفهما سيارة الحماية عبر الباب الشرقي باتجاه شارع الجمهورية، وهناك استقبلته الجماهير محيية مرحبة، ورد تحيتها حتى وصلا وزارة الدفاع وصعد الزعيم الى غرفته، وفي هذا الوقت التحق عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري، فاقترح عليه الزعيم طه الشيخ أحمد تطبيق خطة أمن بغداد لإنهاء الحركة، فاتصل عبد الكريم قاسم بآمري الوحدات لتطبيق الخطة، فكان القادة يبدون استعدادهم للتطبيق ولكنهم لا ينفذون الأوامر ولم يتحرك أي منهم لتأدية ما عليه من مهام.
ماجد محمد امين تنبأ بتآمر عبد السلام عارف
ولد ماجد محمد امين عبد الله الامامي في مدينة النعمانية التابعة لمحافظة واسط العام 1922، وقد واصل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية فيها , ليقبل بعد ذاك في الكلية العسكرية في بداية الاربعينيات وحصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية، حين كان برتبة رائد..ثم واصل دراسته الجامعية في كلية الحقوق والاركان ليتم تعيينه بمنصب آمر لأحد الألوية في منطقة جلولاء بعد ان حصل على رتبة رائد ركن وليتزوج بعدها في عام 1948 ثم انتقل الى مدينة الحلة حيث يسكن اهل والدته.
برغم ان مكان عمله كان في منطقة جلولاء.وفي الخمسينيات كان أمين قد انضم إلى مجموعة من الضباط الاحرار وقد وثق ذلك في المصادر التاريخية ومنها كتاب عن ثورة تموز العام 1958 للباحث ليث عبد الحسن الزبيدي.
وفي العام 1957 شارك في احدى دورات الهندسة العسكرية في الولايات المتحدة الاميركية وحصل فيها على المرتبة الاولى على اقرانه وانجز الدورة بمدة قياسية، ولكن للأسف الشديد تعرضت الوثائق والصور والمستندات الخاصة به الى التلف والحرق والدمار بعد مداهمة ما يسمى بالحرس القومي العام 1963 الى داره اثر الانقلاب الذي حصل ذلك الوقت.
ولكون أمين هو احد الضباط الاحرار فقد فاتحه احد اصدقائه المقربين ويدعى (ابو شوكت) وهو من الاخوة التركمان ومعروف بنزاهته ووطنيته واخلاصه للاشتراك بهذه الثورة وقلب نظام الحكم، فوافق من دون تردد، حيث التقى بعدد اخر من الضباط من بينهم العقيد الراحل فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب بعد ثورة 14 تموز وقد توطدت معرفته وصداقته، ما شجعه على الاشتراك بالثورة وكان حينها يسكن في مدينة الحلة وانتقل بعدها الى بغداد للسكن في منطقة راغبة خاتون. كان لأمين معرفه سابقة ببطل الثورة وزعيمها الراحل عبد الكريم قاسم , حيث تعرف عليه خلال اشتراكه في معارك فلسطين العام 1948.
إذ كان ضمن قطعات احدى وحدات الهندسة العسكرية، فضلاً عن تعرفه هناك على عدد اخر من الضباط. وبعد نجاح الثورة تم تشكيل محكمة الشعب حيث تم اختيار المرحوم فاضل عباس المهداوي رئيسا لها وماجد محمد أمين مدعيا عاما فيها. من المواقف التي لاتنسى عن تلك الفترة هي اصرار أمين على تطبيق حكم المحكمة الذي صدر بحق عبد السلام محمد عارف لاتهامه بالخيانة العظمى، الا ان الزعيم عبد الكريم قاسم رفض تطبيق هذا الحكم بحقه وطالب بتخفيفه الى السجن، وقد حدث ذلك بعد جلسة المداولة التي دارت بين المرحوم فاضل المهداوي رئيس المحكمة وأمين، وامام اصرار الأخيرعلى تطبيق وتنفيذ الحكم بحق عبد السلام اضطر المهداوي للاتصال بالزعيم عبد الكريم واخباره بالامر، وعندما طلب الزعيم من أمين تخفيف عقوبة الاعدام عن عبد السلام رفض ذلك قائلا له ان هذا الشخص سوف يكون اول من يتآمر عليك، ولذلك ارجو قبول استقالتي.
فصدر الحكم على عبد السلام بالسجن بدلا من الاعدام. ولم يكن أمين حاضرا لحظتها في قاعة المحكمة وبقي جليس المنزل لمدة خمسة عشر يوما.
وعلى اثرها زار الزعيم بيت أمين ليطلب منه التنحي عن استقالته والعودة للمحكمة، وفعلا بعد ايام عاد أمين الى عمله تقديراً للزعيم ومكانته عنده.استشهد ماجد محمد أمين وحيدا فريدا بعد انقلاب 8 شباط الأسود قرب مدينة الزبيدية بمحافظة واسط بعد ان تكالبت عليه عصابات الحرس القومي برشاشاتها وبعد ان نفدت طلقات مسدسه.