في ذكرى رحيله 13 شباط 1984 .. من احاديث الدكتور صائب شوكت

في ذكرى رحيله 13 شباط 1984 .. من احاديث الدكتور صائب شوكت

اعداد : ايمان البستاني
في سنة 1977 وبمناسبة مروره خمسين سنة على تأسيس الكلية الطبية كتب الدكتور صائب شوكت مقالة بعنوان (هكذا كانت البداية) حيث جاء في النص مايلي:

هكذا كانت البداية
أحمد الله وأشكره إن مد في عمري لاحتفل وأياكم بمرور خمسين عاماً على تأسيس هذا الصرح الشامخ الذي أراه أمامي وقد عارك الزمن معركة فيمتلىء قلبي فخراً واعتزازاً ويمتلىء رأسي بذكريات التخطيط والتدبير لابرازه طفلاً يحبو أمام نظري يكبر ويكبر وأراه اليوم زاهياً متربعاً على قمة كليات الطب في المنطقة فلا يسعني إلا أن أحمده وأشكره وأسأله تعالى أن يسبح نعمه على هذه الأمة الكريمة.

هذا الصرح الشامخ بدأ بلجنه في مديرية الصحة العامة مكونة من مديرها العام الدكتور حنا خياط ومستشار الصحة الدكتور هالينان ومدير مستشفى المجيدية (المستشفى الجمهوري) الدكتور دنلوب وكاتب هذه السطور وكنت آنذاك معاوناً لمدير المستشفى ورئيس الشعبة الجراحية الأولى وفي الجلسة الأولى تم التخطيط المبدئي لاستحداث كلية الطب على الوجه التالي:
أولاً: - البناية – لم ترى اللجنة ضرورة الانتظار حتى يتم تشييد بناية خاصة للكلية بل دابت على إيجاد محل لائق ومناسب لحين إنجاز العمل في البناء المقرر الذي شغلته الكلية لفترة طويلة وتشغله كلية التمريض في الوقت الحاضر ولقد تم اختيار ردهتين من ردهات المستشفى هما الردهتان الجنوبيتان (ردهة 10 و 11) حيث جعل منهما قاعة محاضرات وثلاث مختبرات هي مختبر الكيمياء والفيزياء ومختبر العلوم الحياتية ومختبر التشريح.
ثانياً: - المعدات والأدوات – ولقد تم تجهيزها من قبل المذخر الطبي وأستورد ما لم يكن متوفراً منها في المذخر من الخارج بطريق الاستعجال.
ثالثاً: - الكادر التدريسي – لم نجد صعوبة في تهيئة كادر لتدريس منهج الصف الأول وكنا قد اعتمدنا تطبيق منهج كلية أبردين في بريطانيا كأساس لمنهج التعليم.
فكُلف هوكنس مدير المختبر الكيمياوي في وزارة الصحة بتدريس الكيمياء وتطوع بتدريس الفيزياء أيضاً كما وتطوع نورمن (وكان مديراً لقسم الأشعة في المستشفى) بتدريس العلوم الحياتية وكان لي الشرف أن يناط بي علم التشريح وكنت ومما يملىء قلبي فخراً أول أستاذ وطني يدرس في الكلية الطبية.
وما أن وصلنا إلى هذه المرحلة حتى وجدنا أنفسنا مستعدين لافتتاح الكلية في بداية السنة الدراسية 1927-1928 وأخيراً للكلية عميداً هو الدكتور سندرسن وأعلن في الجزائر عن قبول الطلاب للدراسة الطبية من خريجي الدراسة الثانوية ولما لم يتيسر العدد الكافي من خريجي هذا الدراسة في تلك السنة أظطررنا إلى اعتماد (المقابلة) والثقافة العامة كأساس للدخول إلى الكلية في تلك السنة فقط. فتم قبول (20) طالباً من المتقدمين إلى الدراسة وفي السنة الثانية من عمر الكلية المديد اعتمدت الشهادة الثانوية كأساس أولي للقبول وبذلك كان عدد طلاب الصف في تلك السنة أربعة فقط وكان من بينهم عبد الرحمن الجوربجي ومهدي فوزي.
وتوالت الأيام وتوالت السنون وأنتقلت الكلية إلى البناية التي أعدت لها ونمى كادرها تدريسياً وطلابياً حتى أمست الهدف الأول لكل متخرج من الثانوية وأصبح كادرها غاية كل متخصص في العلوم الطبية ومحطة أنظار الأمة بأسرها.
وهكذا كانت البداية وإني إذ أتطلع إليها اليوم كبنايات ومختبرات ومستشفى وككادر تدريسي وكادر طلابي أزداد فخراً وأعتزازاً وكرياء بأن تلك النواة الصغيرة التي كان لي شرف الاشتراك في بذرها وسقيها ورعايتها أمست شجرة وافرة ظلالها طيب ثمرها.

ذكرياته عن الملك
فيصل ألاول
وذات يوم تعرض الملك فيصل الاول الى الم في بطنه وقشعريرة برد فارسل البريطانيون طبيباً باطنياً هو الدكتور (سندرسن) وجراحاً اخصائياً هو الدكتور (براهام) فقالا الملك مصاب بالملاريا ولكن حين دعي الجراح العراقي المعروف الدكتور (صائب شوكت) لفحص الملك قام على الفور بتحليل دم الملك فتبين ان مرضه ليس بالملاريا بل انه التهاب الزائدة الحادة وان الزائدة بوضع متقيح وعلى وشك الانفجار ومن المعلوم لدى الاخصائيين ان تقيح الزائدة يؤدي الى برد وحمى شديدة مع الم في ايمن البطن ويقول الدكتور صائب شوكت بعد خروجي من غرفة الملك بلغت رستم حيدر وهو من حاشية الملك عن ذلك وقلت له ان الملك في حالة خطرة ويحتاج الى عملية جراحية مستعجلة فاجابني كيف نتمكن من اقناع البريطانيين واطبائهم؟ فأجبته ان المسألة بسيطة للغاية فاني سوف اخذ نموذجا من دم الملك واجري تحليله في المستشفى فاذا كان المرض هو الملاريا فسوف تظهر جراثيم الملاريا في الدم. واذا كان المرض هو التهاب الزائدة الدودية فسوف يظهر تراكم في عدد كريات الدم البيضاء وبالفعل اخذت نموذجا من دم الملك فيصل الاول وذهبت الى المستشفى وكان مدير المختبر هوبريطاني يدعى (دكي) وهو استاذ محترم وليس من المشعوذين فطلبت منه ان يفحص دم الملك لمعرفة الملابسات وعند فحص الدم تبين وجود تزايد عظيم في كريات الدم البيضاء ولا اثر لوجود جراثيم الملاريا فرجعت بتقرير فحص الدم موقعاً من قبل الاستاذ (دكي) وكان حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر وهذا كان موعد قدوم الطبيبين البريطانيين فأقبلا وانا هناك واندهشا حين شاهداني فطلبت منهما ان نذهب الى غرفة الملك وعند فحصنا اياه كانت اعرا ض التهاب الزائدة واضحة بدرجة انهما لم يتمكنا من الاعتراض عليها فقدمت لهما تقرير فحص الدم فأقرا بصحة تشخيص المرض. وقررنا معا اجراء عملية مستعجلة حالاً وقبل المساء فذهبت مسرعا الى المستشفى وحملت معي طاولة العمليات وجميع ما تحتاج العمليات من الات واضمدة ووسائط التخدير قمنا باجراء العملية في مساء ذلك اليوم فقام الدكتور (سندرسن) باعطاء المخدر وقمنا اناو الدكتور ابراهام باجراء العملية فظهر وجود التهاب شديد في الزائدة التي كانت متقيحة وعلى وشك الانفجار. وكان المصل الذي قد تسرب منها الى داخل البطن فسبب ركوده تقلص الامعاء وبعد ثلاثة ايام بدات الامعاء بالعمل وزال القيء وزال الخطر عن حياة الملك

ذكرياته عن الملك غازي
ويقول الدكتور [ صائب شوكت ] طبيب الملك غازي الخاص ما يلي
إنه عندما تأكد من وفاة الملك غازي، كان عبد الإله وتحسين قدري بالقرب مني. دنا تحسين قدري مني وهمس في آذني أن الأمير عبد الإله يرجوك بأن تقول بأن الملك أوصاك قبل وفاته بأن يكون عبد الإله وصياً على ولده الصغير فيصل، ولكني رفضت ذلك رفضاً قاطعاً قائلاً له
إن الملك غازي كان فاقداً الوعي فور وقوع الحادث وحتى وفاته
كنت أول من فحص الملك غازي بناء على طلب السيدين [نوري السعيد] و[رستم حيدر] لمعرفة درجة الخطر الذي يحيق بحياته، وأن نوري السعيد طلب إليّ أن أقول في تقريري أن الحادث كان نتيجة اصطدام سيارة الملك بعمود الكهرباء. وأنا أعتقد أنه قد قتل نتيجة ضربة على أم رأسه بقضيب حديدي بشدة، وربما استُخدم شقيق الخادم الذي قُتل في القصر، والذي كان معه في السيارة لتنفيذ عملية الاغتيال.
فقد جيء بالخادم فور وقوع العملية إليّ وكان مصاباً بخلع في ذراعه، وقمت بإعادته إلى وضعه الطبيعي، ثم اختفي الخادم ومعه عامل اللاسلكي منذ ذلك ليوم وإلى الأبد، ولا أحد يعرف عن مصيرهما حتى اليوم