يوسف سلمان ( فهد ) ... البدايات والمحاكمة والرحيل

يوسف سلمان ( فهد ) ... البدايات والمحاكمة والرحيل

د . سيف عدنان القيسي
كانت لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار واجهة أولى لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي،اذ إن بيان اللجنة المركزية نشر يوم 31 آذار/مارس 1934، حدد أهداف الحزب السياسية ونظامه الداخلي.والملاحظ، من خلال البيان, أنه أصطف وإختار صفوف «الكادحين»، التي تعني بمفاهيمهم «العمال والفلاحين والجنود والطلاب», وجعلهم قاعدته الجماهيرية ,ونصب نفسه مدافعاً عن حقوق الفقراء ضد الاقطاعيين وكبار المسؤولين,

وقدم مطالب كانت تعد قفزة نوعية يومئذ لصالح العمال والفلاحين كألغاء ديون الفلاحين والضرائب المرهقة, وحرية العمال في الاجتماع والكلام, وإقامة نقابات لهم وضمان وتأمين مستقبلهم، ونادى بسقوط الاستعمار البريطاني ومعاهدته.

البداية

ولم يمض وقت طويل حتى عقدت اللجنة المركزية للجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار إجتماعاً أواخر تموز/يوليو 1935 قررت فيه انبثاق الحزب الشيوعي العراقي وأهمال التسمية السابقة وأصدروا جريدة « كفاح الشعب» بشكل سري ,طرزت صفحاتها الاولى بالمطرقة والمنجل وشعار كارل ماركس «يا عمال العالم إتحدوا» وشعار الحزب الشيوعي العراقي «يا عمال العراق إتحدوا» وضمت اللجنة المركزية الاولى عدداً من ملاكات الحزب كان على رأسهم يوسف سلمان يوسف فهد وعاصم فليح وغالي زويد وآخرون.
لقد حدث تطور جديد ضّيق الخناق على نشاط الحزب الشيوعي العراقي إذ أصدرت الحكومة العراقية ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم (51) لسنة 1938، نصت الفقرة الاولى من المادة الاولى» يعاقب بالإشغال أو الحبس مدة لاتزيد على سبع سنين أو الغرامة ,أو كليهما,كل من حبذ أو روج بإحدى وسائل النشر المنصوص عليها في المادة 77 من هذا القانون أياً من المذاهب الاشتراكية أو البلشفية أو الفوضوية أو الإباحية».وقد أعطت تلك المادة القانونية السلطات الحكومية الغطاء القانوني، لإعتقال الكثير من قيادات الحزب الشيوعي، فلم يجد الحزب الشيوعي من خيار سوى تجميد نشاطه.
لم يستمرّ تجميد نشاط الحزب وقتاً طويلاً،ولاسيما بعد بروز دور يوسف سلمان يوسف (فهد) عقب عودته, الى العراق في 31 كانون الثاني/يناير عد إتمام دراسته في «الجامعة الشيوعية لكادحي المشرق» في الاتحاد السوفيتي، سافر فهد يوم 3 شباط 1935 الى موسكو في دوره تدريبية في الجامعة الشيوعية لكادحي المشرق ووصل في شهر تموز وبقي هناك حتى صيف 1937 . وبدأ بنشر المبادئ اللينينية,فاستطاع إعادة نشاط الحزب بعد أجراءات الحكومة الصارمة وتشتت أعضائه، وصب جهوده لإعادة بناء الحزب وترسيخ وحدته وتنظيمه وتقاليده الثورية على أسس الماركسية- اللينينية والاممية البروليتارية (، من الملاحظ أن يوسف سلمان يوسف بدأ نشاطه السياسي هذه المرة من بغداد العاصمة، وهذا يؤشر قفزة نوعية في نشاط الحزب الشيوعي، ومن العاصمة انكب على تجميع وتوحيد خلايا الحزب المبعثرة في الوسط والجنوب وربطها باللجنة المركزية الجديدة وسكرتيرها عبدالله مسعود القريني، التي ضمت ستة أعضاء، وهكذا أعاد الاخير مع فهد نشاط الحزب في العراق ولاسيما بعد إصدار جريدة الشرارة، في كانون الاول 1940 وقد كتب فهد معظم مقالاتها الافتتاحية وأصبح رئيساً لتحريرها، ولكن قيادة عبدالله مسعود القريني لم تستمر طويلاً إذ اعتقلته الشرطة يوم 29 تشرين الاول 1941، فتسلم فهد سكرتارية الحزب الشيوعي العراقي، في خضم ظروف الحرب العالمية الثانية التي اندلعت في الثالث من أيلول/سبتمبر 1939 بين دول الحلفاء والمحور، ودخل الاتحاد السوفيتي الحرب، وهو يرفع لواء الشيوعية، الى جانب المانيا يوم 17 أيلول، تنفيذاً للبروتكول السري الملحق بالاتفاقية الالمانية السوفيتية عام 1939.
ولابد من الإشارة الى إن الملاحقات الحكومية لخلايا الحزب الشيوعي العراقي، وكم الافواه الذي تعرضت له صحيفة الحزب عطلت نشاطه، الا أن ذلك السكوت لم يدم طويلاً إذ أصدر الحزب الشيوعي العراقي السري أصلاً بياناً في الرابع عشر من نيسان/ابريل 1940، وقعته الهيئة التنفيذية للحزب الشيوعي العراقي، ناشد فيه أبناء الشعب العراقي ورجال الحكم، الى إتخاذ موقف حيادي من الحرب الاستعمارية- الحرب العالمية الثانية.
وبدأت العواصف السياسية تشتد في العراق فقد تبوأ رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزارة في الحادي والثلاثين من أيار 1940 وهو لم يكن راغباً في دخول الحرب الى جانب الحلفاء، ولهذا فمن الطبيعي أن البريطانيين لم يكونوا راغبين في تسليمه رئاسة الوزارة وفضلوا عليه نوري السعيد لتسهيل مهامهم الحربية، فوضعوا العراقيل أمام تسهيل شحن الاسلحة الامريكية الى العراق وضغطت على الوصي للتخلص من وزارة الكيلاني، وهذا ما فعله الوصي لعدم إحراجه مع البريطانيين وخلفتها وزارة طه الهاشمي، التي تشكلت في الثاني من شباط 1941، الا أن قادة الجيش شككوا في سياسته ، وأعتبروه متواطئاً مع الوصي والبريطانيين، فشكل العقداء الاربعة حكومة، الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني في الثاني من نيسان 1941، بعد استقالة الهاشمي,وأيد الحزب الشيوعي تلك الحكومة، وهذا يعني أن موقف العراق لم يكن حيادياً,ولاسيما بعد أن شكل رشيد عالي الكيلاني حكومة الدفاع الوطني واتصالاته مع الالمان والايطاليين .


مؤتمر الحزب الاول

وعلى الرغم من تخفيف القيود الحكومية انعقد مؤتمر الحزب الاول، كما تشير حوليات الحزب، بسرية تامة في آذار 1944 في بيت سائق القاطرة علي شكر في منطقة الشيخ عمر، المنطقة التي تعج بالعمال.

وألقى فهد تقريره بين المندوبين حول الوضع السياسي، وكان عنوانه «قضيتنا الوطنية»، تناول فيه الأوضاع الدولية، كما بيّن أن العراق لم يتحرر من السيطرة البريطانية(، وصدر عن الكونفرنس «الميثاق الوطني» للحزب الشيوعي العراقي يعلوها شعار «وطن حرَ وشعب سعيد» ودعا الميثاق الى سيادة العراق وحل مشكلات التموين وحقوق الشعب ولاسيما حقوق المرأة والمساواة والتعاون الاجتماعي.إن إقرار الميثاق الوطني للحزب، وتثبيت القواعد اللينينية في عمل الحزب ومنظماته التي نشط عملها بين «جماهير الشعب» كما يسميها أحد قياديي الحزب الشيوعي ومفكريه، فضلاً على إن الانشقاقات لم تفلح في إضعاف وانهيار الحزب الشيوعي العراقي، لهذا وجه قادة الحزب لتثبيت الاسس التنظيمية من خلال عقد المؤتمر الوطني الاول للحزب.
عقد هذا المؤتمر في شهر آذار 1945، وهذه المرة في دار (يهودا إبراهيم صديق) في منطقة الصالحية، حضره (سبع وعشرين) مندوباً يمثلون قواعد الحزب في العراق وتضمن جدول الإعمال، التقرير السياسي والنظام الداخلي وانتخاب الهيئات القيادية للحزب (، وتحت شعار «قوّوا تنظيم حزبكم الشيوعي...قووا تنظيم الحركة الوطنية» افتتح فهد الاجتماع، وتناول في تقريره الوضع الدولي ودور الجيش السوفيتي في دحر دول المحور، وحول الأوضاع الداخلية تناول تدخل بريطانيا في العراق وتنامي النفوذ الأمريكي في العراق.

كما أقر النظام الداخلي الذي نص على الاعتراف بمنهاج الحزب والتقيد بنظامه الداخلي، وتمويل الحزب مالياً، وكيفية العمل في إحدى منظمات الحزب، ونُظّم الحزب الى فروع ولجان مختلفة في البلاد لتنفيذ قرارات اللجنة المركزية، وضمت اللجنة المركزية الجديدة المنتخبة كلاً من: يوسف سلمان يوسف (فهد) سكرتيراً للحزب، وزكي محمد بسيم (حازم)، وحسين محمد الشبيبي (صارم) أعضاء في المكتب السياسي، وأحمد عباس (عبد تمر)، عضو لجنة العمال الملحقة باللجنة االمركزية.

اعتقاله ومحاكمته
شكل نوري السعيد الوزارة في الحادي والعشرين من الشهر نفسه، الذي حل البرلمان ووعد بإجراء إنتخابات نزيهة، ولكن التدخل الحكومي الفاضح رافق تلك الانتخابات منذ بدايتها لضمان فوز الموالين للحكومة، فوزع الحزب الشيوعي بياناً هاجم فيه حكومة نوري السعيد وأكد ان المجموعة التي تقوم بالانتخابات هي ذاتها التي تآمرت لاسقاط وزارة توفيق السويدي مشيراً الى أن هذه الانتخابات تخدم أغراض الدول لاستعمارية.

ومن جانبه قام فهد بحملة رأب صدع الاحزاب السياسية التي إنشغلت بصراع حزبي، داعياً الى وقف التدهور بين حزبي الاتحاد الوطني وحزب الشعب من جهة والوطني الديمقراطي من جهة ثانية، داعياً الى توحيد مواقف الكتل الوطنية تجاه الحكومة.

وعلى الرغم من كل هذا النشاط والفعاليات للحزب الشيوعي العراق كان نوري السعيد يتظاهر بأن لاشيوعية في العراق، لانه وحسب اعتقاده «أن الشيوعية تظهر في البلدان الصناعية، أما نحن فلا صناعة عندنا»، جاء ذلك في مؤتمر صحفي لنوري السعيد يوم الحادي والعشرين من تشرين الثاني 1946.
وفي خضم هذا النشاط السياسي للحزب الشيوعي على الساحة الوطنية، تم إعتقال سكرتير الحزب يوسف سلمان يوسف (فهد) ومعه عضوا المكتب السياسي حسين محمد الشبيبي وزكي محمد بسيم، يوم الثامن عشر من كانون الثاني 1947 في أحد الدور الموجودين فيها بالصالحية.
وجاء إعترافه أمام محكمة الجزاء ببغداد بأنه يفتخر بكونه شيوعياً، بل دافع عن الحزب الشيوعي بالحرف الواحد «أني كمواطن شخص لي تيار خاص في الحركة الوطنية هو المعروف بالشيوعية، وقد إعتنقت هذا المبدأ منذ عام 1932- 1933».
وفي الثالث والعشرين من حزيران 1947، حكمت المحكمة على فهد بالاعدام وعلى زكي محمد بسيم وأبراهيم ناجي الصيدلي، الذي قبض على فهد في بيته إضافة الى ثلاثة عشر شيوعياً بالاشغال الشاقة مدًدا مختلفة، وجراء الضغوط الدولية ولاسيما الاحزاب الاشتراكية التي نددت بالحكم، عدلت تلك الاحكام في الثالث عشر من تموز 1947، فأصبحت عقوبة (فهد)الاشغال الشاقة المؤبدة وزكي محمد بسيم بالاشغال مدة خمسة عشر عاماً وتم نقلهم الى سجن الكوت.

اعادة المحاكمة والرحيل

وجدت الحكومة ان الفرصة سانحة للتخلص من فهد وقادة الحزب الشيوعي الاخرين، فأعادت محاكماتهم في الواحد والعشرين من كانون الاول 1948، بعد أن كشفت رسالة حملها يهودا صديق مضمون نشاط فهد واتصالاته مع الحزب في الخارج ، وشكلت وزارة نوري السعيد التي تشكلت في السادس من كانون الثاني 1949، مجلساً عسكرياً عرفياً لمحاكمة الموقوفين بتهم الشيوعية، وفي العاشر من شباط حضر فهد المحاكمة ومعه اعضاء المكتب السياسي بتهمة قيادة الحزب من داخل السجن.
وأصدر المجلس العرفي قراره بإعدام فهد ورفيقيه زكي محمد وحسين محمد الشبيبي شنقاً، وفق الفقرة الثالثة من المادة (أ) من قانون ذيل العقوبات البغدادي رقم (51) لسنة 1938، كما حكم أيضاً على يهودا صديق بالاعدام شنقاً.ونفذت الاحكام فجر يومي 14 وأعدم فهد وحسين الشبيبي و15 شباط 1949أعدم زكي بسيم في ساحات مختلفة من بغداد(,وردد فهد حينما صعد المشنقة»الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق».وأستنكر الحزب الشيوعي في بيان له حكم الاعدام، كما أستنكرته الاحزاب الشيوعية العربية والعالمية، واعتبرت اذاعة موسكو ذلك العمل «جريمة شنعاء ضد المناضلين من أجل صيانة استقلال العراق».
وهكذا انتهت صفحة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي لتبدأ مرحلة وصفحة جديدة لاتقل مخاطرة عما سبقتها، لان الحزب عمل في وسط سياسي ينتمي في نظرته الى الغرب، ووسط ديني- أسلامي- من الصعب اختراقه بشكل واسع.

عن رسالة (الحزب الشيوعي العراقي ودوره في الحركة الوطنية العراقية1949 _1958)