في ذكرى رحيله 18 شباط 1985 احمد حامد الصراف .. كاتب مجلسي ظريف

في ذكرى رحيله 18 شباط 1985 احمد حامد الصراف .. كاتب مجلسي ظريف

اعداد : رفعة عبد الرزاق محمد
في مثل هذه الايام من عام 1985 فقدت الحركة الادبية في العراق احد روادها المؤسسين ، وهو الاستاذ احمد حامد الصراف الذي كان حديث المجالس واندية العلم منذ العشرينيات من القرن الماضي ، والحديث عنه طويل الا اننا هنا نكتفي بالقول :

في مثل هذه الايام من عام 1958 فجعت الثقافة العراقية
ولد احمد حامد الصراف في كربلاء سنة 1900 وكان ابوه الحاج موسى بن احمد من ضباط الدرك العثماني واصله بكتاشي اما امه كريمة من اهل المسيب . ونشأ احمد في الحلة وبغداد حيث تنقل والده بحكم وظيفته ثم توفي عنه وهو صبي في نو العاشرة فكفلته امه وكانت من فضليات السيدات الحافظات المتكلمات . ولج احمد حامد المدارس الرسمية وعلى اثر الاحتلال الانكليزي التحق بدورة للمعلمين وعيّن بعد نجاحه فيها معلما في مدرسة البارودية في بغداد ( شباط 1918 ) ولم يلبث ان نقل في السنة نفسها معلما في مدرسة الحلة فمديرا لمدرسة علي الغربي ( 1919 ) فمدير مدرسة كربلاء ( 1919- 1921 ) ونقل في سنة 1922 مدرسا في المدرسة الثانوية في بغداد فكاتبا في دائرة نائب مدير المحاسبات العام ( 1922 ) فكاتبا في دائرة خزينة بغداد (1923) . وانتمى في الوقت نفسه الى مدرسة الحقوق ( 1922 ) وتخرج فيها سنة 1926 .
نقلت خدماته سنة 1923 الى وزارة العدلية فعين كاتبا فيها فملاحظ التحرير ( 1926 ) فمدير المطبوعات في وزارة الداخلية (ايلول 1928 – 1930) فملاحظ مكتب المطبوعات حين خفضت درجة المديرية نفسها (1930). وصحب توفيق السويدي في تموز 1928 الى مؤتمر جدّة المعقود مع الملك عبد العزيز آل سعود سكرتيرا للوفد العراقي. ونقل بعد ذلك سكرتيرا لقنصلية العراق في كرمنشاه ( 1930 ) لكنه استقال وامتهن المحاماة. وأعيد تعيينه مدعيا عاما للواء البصرة ( ك أول 1933) ثم تولى بعدها مناصب قضائية مختلفة حتى اصبح مدونا قانونيا (أيلول 1952) ثم أحيل على التقاعد برغبة منه في أيلول 1954 فأخذ يزاول المحاماة.
وقد انتخب عضوا بالمجمع العلمي العربي في دمشق (ت ثاني 1947) وعضوا بالمجمع الإيراني في طهران (فرهنكستان) (1951). وله مقالات وبحوث ومحاضرات كثيرة نشرت في الصحف والمجلات العربية. من مؤلفاته المطبوعة: عمر الخيام (1931) وقد أعيد طبعه مرتين موسعا، الشبك (1954). أما مؤلفاته المخطوطة فكثيرة منها : بين بغداد وطوس ، الدراويش ، رسالة في الحلاج ، رسالة في ابن سينا وادبه الفارسي، الزهاوي شاعر العراق. توفي احمد الصراف في بغداد في 18 شباط سنة 1985 بعد مرض طويل .
كتبت ابنته الدكتورة شيماء الصراف : أبي، أمه عربيّة، أبوه كردي كان له رتبة في الجيش العثماني، وإن كان الصراف قد أتقن اللغة التركية بتعليم أمه له، والفارسية من مربيّته، فهو لم يتقن اللغة الكرديّة من أبيه، فهذا لا يتكلّم بها في البيت إلاّ قليلاً جداً ومع الأكراد من الجند وكانا اثنين يكلّفهم بأمور قد تكون بيتيّة أحياناً. أبي يحدّثنا، وهو يبتسم بحب، كيف يتكلّم والده العربيّة : جبْته آني طين (تين) البارحة، وينه طين؟ إيجيب اليوم؟ وأرسلت جدّتي صالحة وهو اسمها، الجنديين إلى السوق لشراء حطب، وحين رجوعهما كان أبي ـ الصغير السن آنذاك ـ حاضراً فحفظ الحديث، قال لها أحدهما : شوفي خانم، هذا عبّاس، هذا حسين، عَمَتْ عينك كَسَرْ رجلك كلمن لكى عليك حتابة وما جابه. فحتى لا تتهمهم جدتي بالتهاون يدعو على نفسه وصاحبه بالعمى وكسر الرجل مشهِّداً على قوله الأئمّة العباس والحسين، إن كان قد عثرا على حطب ولم يأتوا به.

لازم الصراف جميل صدقي الزهاوي أعواما طويلة وروى أخباره وأشعاره وكتب عنه صفحات ممتعة. ورافقه سنة 1934 إلى طهران لحضور مهرجان الفردوسي. لقد أقامت الحكومة الإيرانية احتفالا عظيما بالذكرى الألفية للشاعر الفردوسي. وفي الحفلة الكبرى التي شهدها رضا شاه يهلوي وأركان دولته والعلماء القادمون من مختلف بقاع المعمورة ألقى شاعر العراق قصيدة باللغة الفارسية أشاد فيها بذكر شاعر الأمة الإيرانية ورفع منزلة الملك البهلوي الذي عرف قدر الفردوسي أكثر من معاصره الملك محمود الغزني.
وكان لهذه القصيدة وقع عظيم حتى ان رئيس الوزراء ايران لم يتمالك نفسه عندما فرغ الزهاوي المشهود هنأه الشاه واحتفى به الناس. فلما عدنا إلى الفندق دعاني الشاعر الشيخ وقال ( ياولدي احمد ، هل رأيت رئيس الوزراء يقبل يدي؟ قلت ( نعم يا استاذ ، وقد رأى ذلك كل من حضر الاحتفال). فقال الزهاوي (أحفظ ذلك جيدا يا ولدي احمد لترويه في بغداد، فأنت شاهدي الوحيد هناك فلتؤد الأمانة ولتوف بالعهد) .
ولما اصدر الصراف كتابه عن عمر الخيام قال له احد الادباء وهو الشيخ جواد الدجيلي : لقد جمعت كتابك من شتى المصادر فلفقته حتى خرج كالثوب المرقع . قال الصراف : موعدنا في المساء في مقهى الباب الشرقي لنتكلم في الموضوع ، وفي المساء التقيا ، وكان الباب الشرقي انذاك مجموعة من البساتين الملتفة الاشجار لم يصلها العمران ، فسارا والشيخ جواد يشرح وجوه الانتقاد والماخذ على الكتاب . وفجاة وقف الصراف واخذ بتلابيب الشيخ وقال له : انتقد كتابي الذي تعبت في تأليفه ؟ وانهال عليه ضربا ولكما والشيخ ولا مغيث . و تركه اخيرا على اسوأ حال وعاد أدراجه. وفي صباح اليوم الثاني جاء الشيخ جواد يشكو الصراف الملاحظ في وزارة العدلية الى مديرها العام توفيق السويدي . فاستدعى السويدي الصراف وقال: كيف تعتدي على الشيخ بالضرب ؟ فأجاب: هل اعتديت عليه في الدائرة ؟ قال الشيخ: لا . قال السويدي : اذن فارفع شكواك الى الشرطة.
وحدث مرة ان اجتمع نادي القلم إبّان عزه لسماع محاضرة للصراف في الدراويش . وكان الاجتماع حافلا برجال الفضل والقلم، وقد حضره بدعوة خاصة سرب من المعلمات اللبنانيات . لم يكد الصراف يمضي في إلقاء محاضرته حتى نسي انه في مجلس علم وأدب وخال نفسه متصدرا ناديا من اندية مدام ريكامييه الجميلة او مدام دي ستال الذكية الفطنة فترك النصّ المكتوب جانبا . واخذ يفيض في حديث الدراويش ويروي نوادرهم واخبارهم وينشد أشعارهم واذكارهم والعيون متطلعة اليه والاسماع مصغية والاعناق مشرئبة.. واذا بصوت يشق السكون الشامل ، ذلك صوت الصديق الأستاذ عباس العزواي يقول: (يا ابا شهاب، ليست هذه محاضرة بل هي "تكويكات" فما كان من أبي شهاب إلا أن مد يده إلى جيبه واخرج ورقة نقدية قدمها إلى أبي فاضل وقال (هاك دينارا و "كوّك مثلها" ) وضج المجلس بالضحك.