في ذكرى رحيله في 8 اذار 1945 شيء عن رشيد القندرجي

في ذكرى رحيله في 8 اذار 1945 شيء عن رشيد القندرجي

اعداد : ذاكرة عراقية
في مثل هذه الايام من عام 1945 توفي الفنان العراقي الرائد رشيد القندرجي احد اعمدة قراءة المقام العراقي وفق اصوله التقليدية القديمة ، واحد ابرز تلامذة قاريء المقام احمد زيدان رأس المدرسة المقامية ببغداد ..
واذا كانت الطريقة القندرجية في قراءة المقام العراقي قد انتهت وسادت الطريقة القبانجية بفنونها التطويرية الجديدة ، فان ذكرى رشيد باقية في الذاكرة العراقية ..

كتب الباحث الموسيقي عبد الوهاب بلال
ولد المطرب رشيد القندرجي في عام 1884 من ابوين فقيرين.. نشأ في بغداد.. وعندما شب ادخله والده في احد المعامل البغدادية لصنع الاحذية حيث تعلم هذه الصنعة واتقنها.. اذ ان حالة والديه لم تكن ميسورة ولم تكن تساعده على الدراسة والتعليم فلذا لم يكن امام والده بد الا ان يجعل ابنه يتعلم صنعة يعتاش منها.. وعندما اتقن صناعة الاحذية اصبحت مهنته الرئيسة التي اشتهر بها حيث اخذ يسمى (رشيد القندرجي) بدلا من (رشيد حبيب) او (رشيد حسن)..
وكان المرحوم رشيد القندرجي يحب الغناء البغدادي – المقام العراقي – منذ صغره حيث احبه وتولع به وتعلق به تعلقا كبيرا .. واخذ يتابع الاستماع الى مغني المقام العراقي باهتمام وتفهم عميقين ومن ثم اخذ يتعلم هذا الغناء شيئا فشيئاً.. اذ كان يستمع الى المقامات العراقية كل يوم.. ثم اخذ يتصل في مغني المقام والتعرف عليهم والاستماع الى غنائهم مباشرة وعلى الاخص الفنان الكبير احمد زيدان الذي يعتبر استاذه الاول حيث اخذ عنه تعلم فن المقام العراقي وحفظ جميع حركاته وسكناته ولم يترك حركة الا وحفظها ونبرة الا واتقنها.. وكثيرا ما كان المطرب احمد زيدان يسمع تلميذه – رشيد القندرجي – يغني امامه بعض المقامات العراقية التي اتقنها واجاد في غنائها بحيث كان يدهشه، بل ويطرب الى غنائه .. وفي احد المرات التي غنى بها قال له استاذه احمد زيدان بعد ان غنى بعض المقامات العراقية واجاد في ادائها:
"رشيد انت ستكون خليفتي من بعدي". وبالفعل حصل المطرب رشيد القندرجي على مرتبة فنية عالية كالتي كان يتمتع بها استاذه المطرب الكبير احمد زيدان.. وبدا نجم المطرب رشيد القندرجي يلمع عندما اخذ يغني المقامات العراقية في المجالس بعد ان استكمل دراسته للمقام على يد استاذه المطرب المطرب المشهور احمد زيدان وكذلك درس على يد اساتذة اخرين كالمرحوم خليل الرباز وصالح ابو دميري وغيرهم من اعلام المقام العراقي في ذلك العصر.. ثم اخذ طريقه الى الغناء في الاماكن العامة اي المقاهي كمقهى القيصرية لطه الكهرجي ومقهى الشط (المصبغة) في شارع البنوك لحسن صفو ومقهى الشابندر التي لا زالت بالقرب من محاكم بداءة بغداد.. وبدأت شهرته كمغن للمقام العراقي تنتشر في افاق بغداد ومجالسها وانديتها حتى اصبح مطربا مشهورا من مطربي المقام العراقي واصبح معروفا في كل مكان واصبح استاذا من اساتذة المقام العراقي ومغنيا بارعا من مغني المقام في ذلك الوقت الذي كان المقام العراقي في طريقه الى الازدهار والذي اصبح يكون جانبا مهما من جوانب المجالس والاندية البغدادية واصبح من نجوم الاذاعة اللامعين وتهافتت عليه شركات التسجيل لتسجل له مقامات عديدة .. واشتهر المطرب رشيد القندرجي كمغن للمقام العراقي بطريقة الجوابات التي كان يؤديها والتي كثيرا ما كان يستعمل الاشارات والحركات باليد اثناء الغناء.. وانه عندما كان يغني المقام العراقي كان ينفعل بحيث يرتعش جسمه من شدة التأثر ولما يتطلبه الغناء من طبقة الجوابات.. وقد اختير في اواخر ايامه خبيرا فنيا في دار الاذاعة.. وبقي يعمل كخبير للمقام العراقي الى ان وافاه الاجل في عام 1945..
ويذكر الصحفي الراحل صادق الازدي عن ذكرياته مع القندرجي فيقول :
تعرفت على رشيد القندرجي، في شهر مايس عام 1941 ، وهو الشهر الذي قامت في بدايته الحرب بيننا وبين بريطانيا وقد اسهمت اثناء ايام تلك الحرب بتحرير جريدة يومية مسائية كان يصدرها المرحوم عبد الله حسن، وكانت الاعداد التي صدرت منها خلال مايس، هي آخر ما صدر منها طوال مدة الحرب العالمية الثانية، فقد اعتقل صاحبها في "الفاو" والغي امتياز جريدته، ثم استأنف اصدارها بعد ان وضعت الحر اوزارها وكان احد اصحاب "مطبعة الرشيد " التي تطبع "النهار" على ماكنتها من قراء المقام العراقي، وهو المرحوم محمد سعيد، الذي استقل فيما بعد بمطبعة مازالت قائمة حتى يومنا هذا، وهي "مطبعة اسعد"، وكان محمد سعيد هذا من اصدقاء المرحوم رشيد القندرجي بحكم كون الاول من عشاق المقام ومن حفظته ، ولكنهما، هو والقندرجي، من ابناء منطقة بغدادية واحدة!، وكان رشيد يزور مطبعة الرشيد في معظم ايام الاسبوع، وكان يرتدي الملابس العصرية ويضع "السدارة" على رأسه، وهو ممتلئ الجسم ، قوي البنية، رغم كونه قد تجاوز الخمسين من العمر، وعندما كان يجلس معي في غرفة ادارة المطبعة كان يسألني قائلا:
- ما هي اخبار الحرب يا صادق؟
فكنت اروي له، الانباء التي سمعتها عن طريق الاذاعات العربية، او التي قرأتها في جرائد صباح ذلك اليوم، وكنت احسبه غير معني بمتابعة الاذاعات، وانه يعزف عن قراءة الجرائد ، ولم افطن الى انه لم يحسن القراءة والكتابة، حتى قال لي ذات يوم بعد ان فرغت من تقديم "تقريري الاخباري" :
- قل لي يا صادق.. لماذا لا تقوم دار الاذاعة بقراءة الانباء علينا بمثل الطريقة التي ترويها انت لي !! وبقصد اللهجة البغدادية – الشعبية–
كما يذكر الشيخ جلال الحنفي البغدادي وهو صديق شخصي لرشيد القندرجي عن ذكرياته عنه، استعاد اكثر من صورة ظلت عالقة بذهنه حتى الان عن رشيد تلميذ احمد زيدان المغني البغدادي الذي كان صاحب مدرسة ذائعة الصيت في بغداد وكيف تعلق بطريقة ابن زيدان غير واحد من المغنين كعباس بن كمبير والحاج جميل البغدادي الذي – رغم خبرته الواسعة في دقائق المقام العراقي واستيعاب مفرداته الا ان عطاءه الغنائي ظل محدودا ليبقى رشيد القندرجي الوحيد الذي يمتلك امكانيات واسعة وعطاء غزيرا لم يغب يوما عن اسماع المستمعين في بغداد، ثم يتذكر الشيخ الحلفي الاماكن التي كان رشيد يتردد عليها ومجالسه في مقهى القيصرية – الى جوار خان مرجان – وكهوة الشط وغيرها من المحلات الاخرى..
وتبقى النقطة الاهم، ما سر خلاف رشيد القندرجي مع الاستاذ محمد القبانجي؟ يقول الشيخ الحنفي:
كان رشيد سلس القياد اليفا بسيطا لم اره متعنتا يوما ما الا في موقف يتطلب منه الاعتراف بالاستاذ القبانجي او الالتقاء به تحت سقف واحد.. واني بذلت جهدا كبيرا استمر زمنا غير قصير من اجل جمعهما في مكان واحد فلم افلح في ذلك وكان موقف القبانجي من هذه الناحية لا يقل امتناعا عن موقف صاحبه الذي لم يصاحبه..
وفي الثلاثينات كنت احمل معي الة تصوير بدائية اجول بها على المغنيين والمواسقة وقراء المقام العراقي لالتقط لهم صورهم فكانت صور رشيد القندرجي تتعرض عندي للفشل الذريع المتكرر. ولقد لاحقت رشيد القندرجي ملاحقة مستمرة وكنت اخذه الى مسجد حسب الله الذي ال الى جرف من نهر الشارع بعد شق شارع الجمهورية وهو يقرب تماما من مصرف الرافدين في الشورجة.. وكان امام المسجد الاستاذ عبد الله الشيخلي.
وفي مسجد حسب الله كان رشيد يعرض لنا نماذج من تسبيحات التمجيد الذي هو ضرب من الغناء الصوفي الذي كاد ينقرض ويندثر.. وفي مسجد حسب الله تم لي التقاط صور كثيرة لغير واحد من رجال المقام العراقي اذ كنت اتخذ من هذا المسجد مترددا لي في الثلاثينات قبل الشخوص الى حصر وكنت الاحق رشيد القندرجي واذهب الى بيته لاخرجه منه لاتخبر له موقفا في عرض الطريق لالتقاط صورة له قد تكون اجلى من الصور الاخرى الفاشلة غير ان الفشل كان يلاحق صور الرجل على كامرتي الضئيلة الشان والرخيصة الثمن.