في ذكرى الاحتلال البريطاني لبغداد في 11 اذار 1917 هكذا ترك الاتراك بغداد ودخلها الانكليز ..

في ذكرى الاحتلال البريطاني لبغداد في 11 اذار 1917 هكذا ترك الاتراك بغداد ودخلها الانكليز ..

د . علــــي الـــــوردي
في بداية شهر آب من سنة 1914 ومع نشوب الحرب العالمية الأولى أعلن النفير العام أو سفر برلك كما كان يطلق عليها بالتركية.وقد تحولت لفظة سفر برلك التركية بين السن العامة في بغداد إلى سفر علك أي حرب الهرب.كان عدد الفارين من التجنيد الذي تم فرضه من قبل الدولة العثمانية يزداد يوما بعد يوم وفي أواخر شهر شباط من عام 1915 جرى في بغداد أول إعدام لاحد الفارين من أداء الخدمة العسكرية وكان لمجند يهودي يدعى بنيامين بن يعقوب من محلة قنبر علي.

وبعدها أخذت مشاهد الإعدامات تتابع في مدينة بغداد. كانت بغداد قبل إعلان النفير العام تصدر فيها عددا من الجرائد والمجلات منها الرقيب لصاحبها عبد اللطيف ثنيان والمصباح لصاحبها عبد الحسين الآزري وصدى بابل لصاحبها داود صليوه وغيرها من الجرائد والمجلات.وعند تولي نور الدين باي منصب الوالي وقائد الجيش العثماني في العراق في سنة 1915 أمر هذا الوالي بإغلاق جميع الصحف الموجودة في بغداد وبنفي أصحابها في أماكن نائية وقرر إصدار جريدة خاصة بالحكومة أطلق عليها اسم صدى الإسلام]. ونيطت إدارة سياسة هذه الجريدة برئيس بلدية بغداد رؤوف بك الجادرجي وقد صدر العدد الأول من هذه الجريدة في يوم 23 تموز من سنة 1915. وقد قام كذلك نور الدين باي بنفي نفر من وجهاء كلا الطائفتين اليهودية والمسيحية إلى الموصل. وبعد انتصار القوات العثمانية على الجيش البريطاني في الكوت في سنة 1916 حيث تم جلب الأسرى واستعراضهم في مدينة بغداد على شكل دفعات اما قائد القوات البريطانية الجنرال طاوزند فقد تم نقله مع أفراد حاشيته الذين تم أسرهم والجنرالين ديلامين ومليس بدار القنصلية الإيطالية ببغداد.وقد قام وزير الحربية العثماني أنور باشا بعد هذا الانتصار بزيارة إلى مدينة بغداد تفقد خلالها جبهات الحرب في عدة مدن عراقية. بعد هذا الانتصار قام الوالي خليل باشا بشق شارع في بغداد ممتدا بطول المدينة من محلة الباب الشرقي إلى محلة باب المعظم بموازاة نهر دجلة وقد بدا العمل بإنشاء هذا الشارع في شهر أيار من سنة 1916 وقد تم افتتاحه في يوم 23 تموز من نفس السنة احتفاء بذكرى إعلان الدستور العثماني وقد أطلق على الشارع اسم خليل باشا.وقد كانت للرشاوى التي كان يتلقاها القائمون على أمر هذا الشارع الأثر الكبير في تحديد مساره بين الدور الواقعة في طريقه.
فيضان عام 1914
في منتصف الليل من مساء يوم 29 تشرين الثاني - نوفمبر أصيبت بغداد بفيضان مدمر في نهر دجلة وكانت الحكومة المحلية في المدينة قد تلقت قبل حدوث الفيضان برقيات من الموصل تنبئ بسقوط مطر غزير هناك وإن في النهر غير اعتيادية قادمة إلى بغداد ولكن الحكومة المحلية في بغداد لم تعر اي اهتمام لهذه البرقيات الواردة إليها. وقد أصابت المحلات التالية الواقعة في الجانب الشرقي من المدينة الضرر نتيجة هذا الفيضان: الفناهرة، السنك، المربعة، العوينة، قهوة شكر، فضوة عرب، الكولات، بني سعيد، الطاطران، زين العابدين، الشيخ سراج الدين، فرج الله، الخالدية، الجوبة، العزات، طوالات، الدركزلية، خان لاوند، المعدان وقهوة حوري وقد استمر هذا الفيضان حوالي ثلاثة ايام وتهدم نتيجته ما يقارب 2000 دار. وتجدر الإشارة من إن جانب الغربي من بغداد لم يصب بالغرق كحال الجانب الشرقي من المدينة. وقامت السلطات العثمانية عندها بعزل عزت بك الفارسي رئيس بلدية الرصافة وقامت بتعين رؤوف بك الجادرجي كرئيس لبلدية الرصافة بالوكالة.

طائرات فوق بغداد
إن أول ظهور للطائرة في سماء مدينة بغداد كان في 27 ذو القعدة 1334 هجري المقابل ليوم 5 تشرين الأول من سنة 1915 ميلادي حيث شاهد أهالي بغداد طائرة إنجليزية في عصر ذلك اليوم. فأنتشر الخوف بين الناس عند سماعهم لصوت ازيز الطائرة وصعد مغاوير المحلات والأشقياء إلى المنائر وفوق السطوح العالية وأخذوا يرمون الطائرة بالرصاص ولكن بدون فائدة تذكر[123] وبعد عشرة أيام ظهرت في سماء بغداد طائرة إنجليزية أخرى وكان ذلك في وقت الصباح بعدها صار منظر ظهور الطائرات في سماء بغداد أمرا اعتياديا. وفي نفس الشهر اي شهر تشرين الثاني من نفس العام تم أسر طائرة إنجليزية مع اثنين من طياريها عندما كانت تحاول قطع خط التلغراف الواصل ما بين مدينتي بغداد وسلمان باك حيث ارتطمت الطائرة بأحد أعمدة التلغراف قرب نهر ديالىوتم أسر الطائرة مع طياريها من قبل الخيالة الأعراب وقد قرر القائد التركي للمنطقة إرسال الطائرة مع الرجلين إلى بغداد لعرضها على الناس وقد خرج الناس للتفرج على الطائرة وكانوا يبصقون على الطيارين. وبعد هزيمة الإنجليز في سلمان باك إنقطع ظهور الطائرات عن بغداد وفي كانون الثاني من عام 1917 عاودت الطائرات الإنجليزية تحليقها فوق بغداد وفي يو 20 كانون الثانيقامت ثلاث طائرات إنجليزية بقصف مدينة بغداد بسبع قنابل على كل من ثكنة المدفعية أي القلعة فأصابت رجلا فقتلته وجرحت آخر وعلى المدرسة النعمانية وعلة نهر دجلة بالقرب من باخرة ألمانية كانت راسية هناك وسفطت القنبلة الرابعة على محطة القطار غربي بغداد والخامسة على مقربة من السراي الحكومي (القشلة) وقد أصبح منظر الطائرات مألوفا وهي تحلق في سماء بغداد بعد سقوطها بيد الإنجليز.

سقوط بغداد
في أواخر شهر شباط من سنة 1917 كانت القوات البريطانية قد وصلت إلى العزيزية والتي تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة بغداد.وفي يوم 5 أذار تحركت تلك القوات من العزيزية صوب مدينة بغداد وفي اليوم التالي الموافق 6 أذار أصدرت الدولة العثمانية أمرا بوجوب مغادرة الموظفين من مدينة بغداد فغادرها الكثير منهم بعد صدور الأمر. وفي مساء يوم 10 أذار اجتمع القواد العثمانيون برئاسة خليل باشا والي بغداد في كشك من خشب بالقرب من جسر الغرب الواقع في الجانب الغربي من بغداد ومعهم بعض الضباط الألمان. للمداولة في التي هم بصدد مواجهة القوات البريطانية وسرعان ماظهر الخلاف في الاجتماع إذ انقسم القواد إلى فريقين فريق يرى بوجوب الصمود والدفاع عن المدينة وكان يرأسه الوالي العثماني خليل باشا وفريق ثاني كان يرى بضرورة الانسحاب من المدينة قبل من أن تتمكن القوات البريطانية من تطويقهم ويضعوا بذلك الخيط والعصفور معا وكان يرأس هذا الفريق قائد الفيلق 18 كاظم بك. وقد احتدم النقاش بين الفريقين حول هذا الموضوع وبعد شد وجذب وافق خليل باشا على الانسحاب وأبرق إلى وزير الحربية أنور باشا يعلمه بالقرار الذي اتخذ. وبدأ الأتراك مع انسحابهم من المدينة بنسف كافة مخازن الذخيرة والمنشآت العسكرية والتي يمكن أن يستفيد العدو منها وقد عمت بغداد حالة من الفوضى والفلتان الأمني مع الانسحاب التركي وغياب وجود أي سلطة حقيقية في المدينة فأخذ الغوغاء بالقيام بعمليات السلب والنهب في أي مكان ممكن أن تطال ايديهم فيه. وفي صباح يوم 11 أذار دخلت القوات البريطانية مدينة بغداد وقد تم رفع العلم البريطاني على سطح القلعة القريبة من منطقة الباب معظم وبعد مرور 45 دقيقة نقل العلم إلى برج الساعة في ساحة القشلة ورفع هناك أنه الكثر ارتفاعا وبدأ الجنود البريطانيون بمطاردة اللصوص وذلك بإطلاق النار عليهم لإرهابهم وفي الساعة الرابعة والنصف من مساء ذلك اليوم وصلت إلى بغداد سبعة مراكب حربية تحمل الجنرال ستانلي مود وحاشيته فنزل الجنرال مود في دار القنصلية البريطانية الواقعة على النهر.

عن ( لمحات اجتماعية ) بتصرف