نغوجي واثيونغو .. نوبل في القلب

نغوجي واثيونغو .. نوبل في القلب

علي حسين
قالت الأكاديمية السويدية انها ستُمنح جائزة نوبل للآداب مرتين هذا العام بعدما تم تأجيل منح الجائزة في عام 2018 على خلفية فضيحة تحرش جنسي أدت إلى استقالة عدد من أعضاء الأكاديمية.
وما ان اعلن الخبر حتى اخذت الصحافة العالمية تتكهن باسم الفائزين بالجائزة ، وقد توقعت صحيفة الغارديان البريطانية ان الجائزة ستذهب اما الى الياباني هاروكى موراكامى او الكاتبة الكندية الشهيرة مارغريت أتوود وهي واحدة من ابرز الاصوات الادبية في السنوات الاخيرة

وقد ترجمت الكثير من اعمالها الى اللغة العربية ، ويبقى عشاق ميلان كونديرا ينتظرون ان يتوج كاتبهم المفضل بالجائزة ، حيث يعده البعض اكبر الكتاب الاحياء منزلة ، واضافت الغارديان الى القائمة الكينى نغوجى واثيونغو صاحب الملحمة الروائية تويجات الدم التي ترجمها الى العربية الشاعر سعدي يوسف ورواية النهر الفاصل التي ترجمها الى العربية عبد الله صخي وكتاب تصفية استعمار العقل نغوجى الذي يبلغ من العمر اليوم واحد وثمانين عاما ، اصدر قبل مدة مجموعة قصصية قصيرة ، وهو يقول ان القصة القصيرة تستهويه جدا ، فاول اعمالة الادبية مجموعة قصصية بعنوان "دقائق المجد" ، التي قال عنها انها نوع من "السيرة الذاتية الأدبية".
عندما كان نغوجي طالبًا جامعيًا في أوغندا في أوائل الستينيات ، كان من كبار المعجبين بالكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي صاحب الرواية الشهيرة " الاشياء تتداعى " : " في أحد الأيام التقىت أتشيبي كنت شديد الفرح لدرجة أنني لم اكن اعرف ماذا افعل.يضيف نجوجي: "قلت له لقد كتبت قصة قصيرة - هل ترغب في النظر إليها؟" قال: "نعم! هل لديك؟" وبالطبع لم يكن معي الأمر ، لمجرد أنني لم أكتب كتابًا ، وفي تلك الليلة عدت إلى البيت ، واضطررت لتلفيق ما يسمى بالقصة ".
معظم اعمال نجوجي القصصية والروائية تأخذ القارئ ليتعرف على الواقع القاسي لحياة القرية من خلال التغييرات التي جاءت مع نهاية الحكم الاستعماري البريطاني لكينيا ، كان يامل ان يتحول الاستقلال الى حياة جديدة : "لقد أصبح مجيء الاستقلال وعدًا بحياة أفضل من أجل الجميع ، ليس فقط عدد قليل من الناس ، ولكن بالنسبة للجميع ، لكن بعد الاستقلال ، بدأت أرى أن هناك نوعًا من الاختلاف بين التوقع والواقع. وحاولت أن أوضح ذلك في قصصي القصيرة".
في قصة "دقيقة من المجد" ، التي تعطي هذه المجموعة اسمها ، يروي نغوجي امرأة شابة تغادر قريتها لتصبح نادلًا في واحدة من قاعات البيرة العديدة التي نشأت في كينيا ما بعد الاستعمار. الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لها ، وفي وقت من الأوقات تتطلع إلى العودة إلى المنزل ، لكنها لا تستطيع ذلك. يطرح نغوجي موضوعة اتصال بالأرض التي نجدها في معظم اعماله كانت روايات نجوجي التي كتبها في البداية بالانكليزية غالباً ما تنتقد الاوضاع في كينيا ما بعد الاستعمار وحكامها. لكنه يقول إنه ما ان كتب بلغته الأم حتى تم تهديده واعتقاله :" المسرحية الأولى التي كتبتها بلغتي الأم ، وضعت بسببها في سجن شديد الحراسة ، ليس من قبل حكومة استعمارية ، بل من قبل حكومة أفريقية تدعي انها وطنية ".، أثناء وجوده في السجن ، كتب نغوجي روايته الأولى بلغته المحلية ، وقد كتب الرواية على ورق التواليت حيث كان ممنوع عليه ادخال الورق والاقلام الى السجن :" ورق التواليت الذي كنت استخدمه في الكتابة لم يكن من النوع اللطيف الذي نشاهده في التلفزيون ، لذلك كانت الكتابة عليه صعبة للغاية " ، بعد خروجه من السجن ، ذهب نغوجي إلى المنفى ، حيث عاش أولاً في إنكلترا ثم في الولايات المتحدة. رغم أنه لم يعيش في كينيا منذ سنوات ، إلا أنه ما زال يكتب عنها ، يقول إن العيش في المنفى نوع مختلف من السجن :" السجن مثل المنفى الداخلي والنفي مثل السجن الخارجي، وكلاهما يمثلان نفس التحديات. كيف تتواصل مع الأشخاص الذين انفصلت عنهم؟ في السجن كتبت رواية وفي المنفى أحاول أن أفعل نفس الشيء ، لمحاولة الاتصال بكينيا ، من خلال مخيلتي ، من خلال كتابتي ".
أما بالنسبة لجائزة نوبل التي يسميها المراوغة ، فإن نجوجي يجدها أكثر تسلية من أي شيء آخر. إنه مهتم أكثر بما يسميه "نوبل القلب". ، : "عندما أذهب إلى مكان ، وألتقي بشخص ما ، ويخبرني أن روايتك أو قصتك القصيرة أثرت في حياتي ، هذه لحظة خاصة للغاية عندما أشعر انني كاتب مؤثر في الناس فاقول لنفسي ، كان الأمر يستحق ذلك ، هذا ما أسميه نوبل القلب ، وأنا أقدر ذلك حقًا ، " ويضيف: " اهمية نوبل القلب هو أن كل كاتب يمكن أن يحصل عليها ، نعم؟"
وُلد نجوجي في عام 1938 ، وهو ابن مزارع مستأجر في كينيا الريفية التي كانت تحتلها بريطانيا ، اطلق نداءه المهم والذي قال فيه إن على الأفارقة أن يكتبوا بلغاتهم الأم كجزء من حملة التحرر من القيود العقلية للاستعمار.كان قرار نجوجي بالابتعاد عن اللغة الإنكيزية قرارًا شجاعًا بالنسبة لكاتب ينحدر من إفريقيا ، وهي قارة غالباً ما كانت تعتبر غير مهمة بالنسبة للعالم ولغاتها غير مفهومة . كان من الممكن أن يؤدي قراره هذا إلى اختفائه من المسرح الادبي العالمي ، ولكنه بدلاً من ذلك عزز سمعته ككاتب من الطراز الاول : "نحن ملتزمون بشدة بقوميتنا المناهضة للاستعمار ، وهذا أمر مهم بالنسبة لنا ، ولكن الجيل الأصغر سناً تجده لا يحصر شخصياته بالضرورة في إفريقيا. إنهم سعداء جدًا بإحضار شخصيات من أعراق أخرى ، وهكذا ... هذا أمر جيد لأنهم يكبرون في عالم متعدد الثقافات . "
كتب نغوجي ثلاثة مجلدات من المذكرات ، عائدًا إلى الفترات التي غطاها في رواياته. الأولى ، "أحلام في زمن الحرب" – ترجمتها الى العربية الروائية لطفية الدليمي ونشرت متسلسلة في صحيفة المدى - تبدأ بأجداده خلال مؤتمر برلين في عام 1885 عندما قسمت البلدان الأوروبية إفريقيا بينها ، ثم تحكي عن طفولته كمزارع بلا أرض. أما الجزء الثاني ، فيتحدث فيه عن سنواته في مدرسة داخلية تديرها بريطانيا بالقرب من نيروبي وكيف تم هدم منزل عائلته وسجن شقيقه في معسكر اعتقال بريطاني . يروي المجلد الثالث ، "ولادة حلم" ، السنوات الأربع التي قضاها في جامعة ماكيريري في أوغندا عندما اقتربت كينيا من الاستقلال وبدأ نجوجي في كتابة أعماله الأولى في الأدب.
اليوم من بين جميع الكتاب الذي يتنافسون على جائزة نوبل ، فإن صوت نغوجي هو الأكثر وضوحاً . كما كتب هو نفسه في عام 2005: "الكلمات المكتوبة يمكن أن تُغني أيضًا".