في ذكرى صدورها عام 1910 مجلة ( العلم ) وريادتها الاصلاحية والعلمية

في ذكرى صدورها عام 1910 مجلة ( العلم ) وريادتها الاصلاحية والعلمية

اعداد : ذاكرة عراقية
كانت مجلة العلم التي صدرت في التاسع والعشرين من آذار من عام 1910 أول مجلة عراقية علمية إصلاحية في تاريخ الصحافة . أصدرها السيد هبة الدين الشهرستاني ( 1884 ـ 1976 ) أحد أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث . دعت المجلة الى نشر التطورات العلمية في العالم والأخذ بها في مجتمعنا . إضافة الى الدعوة الإصلاحية والأخلاقية التي عرف بها صاحبها ، في وقت مبكر من تاريخ العراق الحديث . ولم تعمر المجلة سوى سنتين بعد ان تركت أثرا حميدا .

أسس الشهرستاني لمجلته مكتبة ، أصبحت في السنوات التالية من اكبر المكتبات في تاريخ العراق الحديث ، ولم تزل الى اليوم مركزا علميا وأدبيا تفخر بها الكاظمية . أرخ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء صدور هذه المجلة بقوله :
هبة الدين أتانا بعلوم مستفيضة
وله التاريخ أهدي طلب العلم فريضة

لقد كان للمطبوعات الحديثة الأثر الكبير في تطور ذهنية السيد الشهرستاني فكريًّا ومعرفيًّا، والوقوف ضد الجمود الديني والعلمي، والمطالبة بالإصلاح. كما وأنه كانت بينه وبين رواد النهضة العربية وحركة الإصلاح أمثال محمد عبده ورشيد رضا مراسلات ومخاطبات. «ومن أوائل الذين ولعوا بالمطبوعات المصرية وتأثروا بها كانوا اثنين أحدهما في بغداد والآخر في النجف، هما جميل صدقي الزهاوي، وهبة الدين الشهرستاني...» .
وينقل الأستاذ مير بصري عن جعفر الخليلي ما سببته الصحافة للشهرستاني،فقال :كان الشهرستاني أول من غامر وخاطر وضحّى بمستقبله الروحاني ؛ الذي لو حافظ عليه لكان اليوم أحد المراجع الكبرى إن لم يكن المرجع الذي ينفرد بالمرجعية (ولما رأى الشهرستاني وجوب توسيع الحركة وبث الأفكار الحديثة والدعوة إلى الإصلاح أصدر مجلة (العلم) في النجف، ولأول مرة يتخذ من هذه المجلة مدرسة سيارة لنشر دعوة إصلاحية عامة إلى جانب اهتمامه بنقل الأخبار العلمية والاكتشافات الحديثة، وقد تولى الرد في هذه المجلة على بعض المستشرقين الذين نالوا في بحوثهم من الإسلام، وعلى رغم العراقيل التي جابهها السيد هبة الدين، وجابهتها مجلته فقد كان لها أثر ملموس في الوعي العام).
أما السيد هبة الدين الشهرستاني فيذكر بنفسه أنَّ بعض الناس كانوا ينظرون إليه نظرة ريبة بعد إصداره المجلة ؛ إذ قال: «إنَّ من مضار المجلة لشخص منشئها سقوطه في أنظار العوام وأكثر المثقفين وقلة من رجال الدين سيما المستبدين.

وعلى الرغم من ذلك استمرت المجلة بالصدور عامين تقريباً، توقفت بعدها في السابع عشر من شهر شباط عام 1912 م، بعد أن أصدرت عشرين عدداً ؛ إذ أثرت في وجدان قرّائها لا في العراق فحسب، بل على مساحة واسعة من الوطن العربي والعالم .
ونشير في هذا الصدد إلى ما كتبه (سلمان الصفواني) في أثر مجلة العلم في نفوس قرّائها، جاء فيه: «فلها الفضل الأكبر في بث الأفكار السامية، ونشر دعوة العلم بين طبقات أفراد الأمة في وقت كان الجهل ضارباً أطنابه في جميع الأنحاء العراقية... كانت تضاهي المجلات الراقية بمواضيعها وحسن عباراتها التي نالت
استحسان أمهات الصحف العربية وتعد مجلة العلم علامة مضيئة في تأريخ الصحافة العراقية لما فيها من آثار في أنواع المعارف جميعاً، فكانت بحق «عاملاً من عوامل النهضة الحديثة والانتقال إلى العصر الحديث .
ويذكر الاستاذ توفيق تميمي في تحقيقه التاريخي عن الشهرستاني :م يكن اصدار مجلة علمية في هذا الوقت وفي مدينة محافظة مثل النجف امرا عاديا حيث جازفت المجلة التي كان هبة الدين الشهرستاني محررها الوحيد بنشر اخر موضات العلم والنظريات العلمية الغربية والاجنبية ،وعرّفت القراء باكثر من اربعين كتابا متنوعا في الاداب والفلسفة والعلوم وعرفت القراء بأبرز اساطين العلماء والاستشراق من امثال ادموند مونييه وتوماس كارلايل وادوارد بروان ، وتعرضت لقضايا لم تكن مالوفة في زمانها ولا مكانها كقضايا التبشير والاستشراق والحريات العامة، وترجمت لامهات الروايات الانسانية كرواية الحرب والسلام .
لم يكن امرا سهلا ان تعرض او تروج للعلم الطبيعي الذي يعتمد المنهج التجريبي في العلوم الحديثة كعنوان لمجلة وموضوعاتها وكتابها تقابل مفهوم العلم الديني والعالم الروحاني المتخصص بعلوم الفقه واستنباط الحكم الشرعي من القواعد العامة للاصول .هذا ما فعله الشهرستاني في مطلع القرن العشرين وفي قلعة دينية حافلة بحراس القديم والدفاع عنه .
لم تمض العلم في سيرتها الاعامين فقط وتوقفت بعدها ، ولكنها احدثت اثرا مجلجلا وفتحت افاقا مترامية في عقول طلبة الدين ، وستكون مصدرا ملهما لدراسات واطاريح جامعية لسنوات طويلة بعد اصدارها ........(لما راى الشهرستاني وجوب توسيع الحركة وبث الافكار الحديثة والدعوة الى الاصلاح اصدر مجلة العلم في النجف ولاول مرة يتخذ من هذه المجلة مدرسة سيارة لنشر دعوة اصلاحية عامة الى جانب اهتمامه بنقل الاخبار العلمية والاكتشافات الحديثة فقد تولى الرد على هذه العراقيل التي جابهها السيد هبة الدين وجابهتها مجلته فقد كان لها اثر ملموس في الوعي العام .
(ولعل السيد الشهرستاني في إطلاعاته الواسعة ورغبته الحقيقية في استنهاض الامة وايقاد شعلة نشاطها كان دؤوباً على معرفة وتعلم ما عليه العالم وما يبثه المصلحون المجددون في العالم الاسلامي وهو ليس يعبد زماناً ومكاناً عن دعوات ونداءات السيد الجليل جمال الدين الافغاني وعلى غرار نهجه وإدراكه لاهمية الاعلام والصحافة في نشر الوعي والتثقيف والمعارف بين الناس فقد اصدر الشهرستاني وبروح المكافح المخلص مجلته الشهيرة مجلة (العلم) 1910 وهي واحدة من افضل وابرز المجلات التي تصدت للعلم والمعرفة والفكر التنويري إذ جاءت في زمن صعب وبظروف قاسية لتؤكد العلاقة بين الاسلام والعلم والصلة بين هذا الدين العظيم والتطورات العلمية ومن يطلع على اعداد صادرة من هذه المجلة لابد له ان يتوقف على حقيقة نزعاتها الاصلاحية وتقدمها على العصر الذي صدرت فيه مع ملاحظة مدى الجهل والارتداد الذي كان يطبق على كل أرجاء العالم الاسلامي ولم تكن هذه المجلة الا الجهد الاول الذي عرّف النخب المثقفة بالسيد الشهرستاني ودوره في حركة الدستور والدعوة للحكم المقيد وقد واجهت هذه المجلة تعنت ورفض البعض من المتزمتين الذين نظروا اليها بقلق وخشية لكن الشهرستاني استمر في إصدارها لتكون لسان حال المتنورين في إنطلاقتهم نحو التجديد وبناء الامة وربطها بالعلم والمعارف ولذلك فقد جابه الشهرستاني المعاندين عندما جعل لهذه المجلة مكتبة خاصة بها يرتادها محبي العلوم) .