في ذكرى رحيل رفائيل بطي في 10 نيسان 1956..معركة صحفية بين بطي و الجادرجي

في ذكرى رحيل رفائيل بطي في 10 نيسان 1956..معركة صحفية بين بطي و الجادرجي

سعاد محمد مرهج
تعرض كامل الجادرجي وحزبه الحزب الوطني الديمقراطي إلى مساجلات ومهاترات صحفية من ساسة وكُتاب عديدين يمثلون اتجاهات مختلفة من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار، فقد كتب الصحفي المعروف رفائيل بطي، مقالات صحفية في جريدة الأسبوع المصرية، إذ انه هاجر [رفائيل] إلى مصر، لكن بقيت جريدته البلاد مستمرة في الصدور، اذ كان يرى من الضروري استمرار جريدته بالصدور بالرغم من بعده عن العراق وفق خطة رسمها لادارة الجريدة من القاهرة.

انتقد فيها بشدة مشاركة الحزب الوطني الديمقراطي في وزارة نوري السعيد 21/تشرين الثاني/1946م – 29/آذار/1947م عندما ذكر:
"انه سبق لاركان هذا الحزب ان حاسنوا المستعمرين ايام محنة الوطن في خلال الحرب الأخيرة [الحرب العالمية الثانية]" .

اثار المقال حفيظة كامل الجادرجي، إذ كتب مقالا اكد فيه ان الأستاذ رفائيل قد يستطيع بمهارته ان يخدع اسرة الصحافة المصرية والقراء المصريين بزعم انه ضحى بمكانته في العراق، واتى إلى مصر ليقوم بخدمة الثقافة العربية بل خدمة القومية العربية، او دنيا العرب كما يقول، إن السيد رفائيل بطي لم يغادر العراق ولم يقرر غزو مصر الا بعد ان كسدت بضاعته وهبطت قيمته ، ولم يكتف الجادرجي بذلك بل استعرض مسيرة رفائيل بطي بدأ من عمله في جريدة العرب، لصاحبها انستانس الكرملي، ثم عمله في جريدة العراق، وتعاطفه مع الجمعية الاثورية، وانشائه المكتبة الاثورية، وتقصد الجادرجي من اثارة هذا الموضوع كون الاثوريين قد استخدمهم البريطانيون لشل الدولة العراقية وتمزيق الوحدة الوطنية.
وفي السياق نفسه حاول الجادرجي ان يستهدف جريدة البلاد الذي كان رئيس تحريرها رفائيل بطي عندما وصف الجريدة بأنها كانت في خدمة الاسياد المختلفين باختلاف الظروف ولكن موقفه العدائي من حقوق الشعب ومصالحه لم يتغير، ولما انشئ حزب الاخاء الوطني سنة 1930م انتسب اليه رفائيل بدافع حقده على سيده القديم نوري السعيد.
واكد الجادرجي ان جريدته صوت الأهالي كانت اول جريدة في العراق تدافع عن حرية الرأي وعن الحياة الدستورية و الحريات الديمقراطية كافة، وتدافع عن حقوق عرب فلسطين وبقية الاقطار العربية المحرومة من استقلالها او المنقوص استقلالها اذ كانت الجريدة الوحيدة التي طالبت بالغاء الاحكام العرفية وغلق ابواب المعتقل الذي كان السيد رفائيل بطي وغيره فيه، وقد سمع كاتب هذا المقال من السيد رفائيل نفسه عند عودته من المعتقل اطراء على خطة هذه الجريدة. وان اشتراك الحزب في هذه الوزارة او تلك لم يجعله "يحيد عن مبادئه قيد شعره" كان امرا طبيعيا، ان يرد بطي على ما كتبه الجادرجي لا سيما ان الاول، قد عد ذلك مسا بتاريخه الوطني والمهني، فقد كتب بطي سبع مقالات كان عنوانها الرئيس "شعوذة كامل افندي بالحوادث والارقام" اكد فيها انه عمل في جريدة العرب مع الاب الكرملي عندما كانت الموصل ولاية تابعة لبلاط السلطنة العثمانية ولم يحتلها الانكليز، وانه يشرفه انه عمل في جريدة العراق الذي قال عنها محمد مهدي البصير احد خطباء ثورة العشرين "لنحّي جريدة العراق وسقيا لها على كتاباتها المعبرة عن نبضات قلب الشعب". اما جريدته التي اصدرها وهي جريدة البلاد فقد كانت لخدمة مبادئ الحزب وتثقيف الرأي العام بسياسته، الامر الذي "نالني من ذلك اضطهاد عظيم تقبلته بصبر ورضى، فعطلت جريدتي والجرائد التي اصدرتها بمكانها اربع عشرة مرة، وذقت الوان التعسف من تعطيل صحفي تعطيلا اداريا ومحاكمتي وحبسي ونفي في القرى البعيدة اشهرا".
لم يكتف بطي بذلك، فقد حاول في مقالاته التقليل من مكانة الجادرجي عندما ذكر انه كان موظفا بسيطا في متصرفية بغداد، وكان لياسين الهاشمي صلة بأخيه فساعده على الحصول على النيابة عن لواء الدليموهو ما يطلق على محافظة الانبار حالياً، وكان لهذا التوسط عند ياسين الهاشمي اذ جعله المدير المسؤول لجريدة الاخاء الوطني.
اكد بطي ان ياسين الهاشمي فضلا عن مقامه في الزعامة كان يقوم بخدمة وطنية فريضة على كل عراقي يشعر شعورا وطنيا حيا مؤازرته فيها والعراق يقف في مرحلة خطرة من مراحل كفاحه الاستقلالي، وبالمقابل، رد الجادرجي على ما كتبه بطي، فقد ذكر ان رفائيل بطي ايد تأييدا تاما الوزارة الهاشمية في عملها بالغاء الحياة الحزبية.
ظلت المهاترات الصحفية قائمة بين الجادرجي وبطي، فقد اكد الاخير أنّ أولاً : الوزارة الهاشمية لم تلغ الحياة الحزبية بل اوقفت أعمال حزب الاخاء الوطني. و ثانياً: التي أسمت هذه العملية تجربة والتجربة معناها شيء وقتي ولا تفيد التأييد.
وفضلا عن ذلك، فقد أكد بطي ان الجادرجي كان من مؤيدي انقلاب بكر صدقي عام 1936م فقد شارك في حكومة حكمت سليمان 29 تشرين الثاني 1936م – 17/آب/1937م عندما اصبح وزيرا مسؤولا للاقتصاد والمواصلات؛ كما انه كان من اشد المحبذين لانقلاب عام 1941م.
وجاء بطي بمقالته السابعة والأخيرة بقوله "اما كلمتي الصائبة في حزب كامل افندي الجادرجي وتوريطه في الاشتراك بالوزارة الحاضرة فانا اشكر الظروف التي عجلت في تحقيق رأيي واثباته فعليا".
واما عن اشتراك الحزب الوطني الديمقراطي بالوزارة السعيدية فذكر الجادرجي ان هناك شروطا اشترطها الحزب الوطني الديمقراطي للدخول للوزارة والتي تتلخص في ان تكون وزارة انتقال مهمتها إجراء انتخابات حرة، واطلاق الحريات المنصوص عليها في الدستور بما في ذلك حرية الصحافة والاجتماع وحرية العمل للأحزاب كما جاء في قانون الجمعيات، وان تزاول الأحزاب أعمالها القانونية وتفتح لها فروعا لها حسبما يتطلبه وصفها وعملها، وفي شؤون الدولة ينحصر تعاون الحزب مع وزارة نوري السعيد في تدوير الأعمال الروتينية الاعتيادية.

عن رسالة ( كامل الجادرجي واسهاماته الصحفية)