توماس كون .. العلم ونظرياته الثورية

توماس كون .. العلم ونظرياته الثورية

علي حسين
قبل صدور كتاب ستيفن هوكينغ الشهير " تاريخ موجز للزمان " باكثر من عشرين عاما تلقت الاوساط الفلسفية والعلمية في العالم كتاب مثير للجدل بعنوان " بنية الثورات العلمية " للكاتب الاميركي توماس كون ، والعجيب ان هذا الكتاب ايضا لاقى صدى في ترجمته العربية التي صدرت المرة الاولى عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية عام 1997 بترجمة شوقي جلال ، ثم توالت طبعاته ليصدر عن المنظمة العربية للترجمة عام 2008 بترجمة حيدر حاج اسماعيل ،

وليعاد طبعه من جديد عام 2017 ، بترجمة شوقي جلال مع مقدمة جديدة كتبها إيان هاكينج ..

كان توماس كون طالب دراسات عليا في الفيزياء عندما طلب منه ان يقدم محاضرات في دورة تدريبية حول تاريخ العلم لجمهور لاينتمي الى فصيلة العلماء ، ويخبرنا في مقالة له ان هذه الدورة التدريبية غيرت وجهة نظره حول العلم ، فاضطر ان يترك اتطروحته في الفيزياء ليكتب بعد خمس سنوات كتابا عن " كوبرنيكوس " ، وعندما بلغ الاربعين من عمره اصدر عام 1962 كتابه " بنية الثورات العلمية " ، ولم يشتهر الكتاب في البداية حيث بيع منه ما يقارب التسعمائة نسخة فقط ، الا انه في بداية الثمانينيات بيع اكثر من مليون نسخة ، ثم توالت طبعاته ، وتمت ترجمته الى اكثر من ثلاثين لغة ، حتى ان مون قال لزوجته لقد اصبت بالصدمة ، هل يعقل ان كتاب عن العلوم يجعلني احصل على كل هذه الثروة .
كان كون في بداية الامر يخطط لاصدار كتاب بعنوان " موسوعة العلوم الموحدة " لكنه اكتشف وهو يراجع العديد من المؤلفات ان الكتب التقليدية التي يقراها الطلبة في الجامعات والتي تناقش تطور العلوم ، ما هي الا عبارة عن " كتب سياحية " كما يقول ، فهي تصف نظريات نشأت من تجارب علمية ناجحة ادت الى زيادة المعرفة ويتساءل كون : هل يتقدم العلم بهذه الطريقة ؟ والسؤال الآخر : هل تاريخ العلم هو سلسلة من التطور التراكمي الذي تنتج فيه النظريات العلمية انطلاقا من النقطة التي توقفت عندها النظريات السابقة لها ؟ . يرى كون أن الأمور لا تسير كما يرى اصحاب " الكتب المدرسية " ، لان البحث العلمي يقول كلاما آخر وهو ان هذه النظرة المثالية صالحة فقط في الكتب المدرسية. ، لان تاريخ العلم يحتوي العديد من الانقطاعات او ما يسميه كون "الثورات العلمية" التي تنتج عن فهم مغاير للسابق وتثمر عن توجه جديد في العلم ونظرة مختلفة. هذه الثورات تعني تحوّل في النموذج المتعارف عليه من القوانين والتقنيات والأدوات المرتبطة بنظرية علمية والمسترشدة بها، والتي بها يمارس الباحثون عملهم ويديرون نشاطاتهم. وحالما تتأسس تتخذ اسم " العلم العادي".، ولذا فإن تاريخ العلم حسب نظرية كون يتطور بشكل مغاير وعلى هذا النحو : تصدر نظرية علمية ما ثم تحظى بقبول المختصين ، حتى تتحول إلى مجموعة متكاملة من النظريات والتطبيقات والأدوات التي تتمكن من اعطاء الجواب الحاسم في مجالها ويصبح الغالبية من العلماء يفكرون من خلالها وينشغلون فيها . في هذه الحالة تصبح هذه النظرية نموذج لا بد من الاحتذاء به داخل العلم وإلا تم الاستبعاد والتجاهل. تستمر الأمور على هذه الحال حتى يبدأ هذا النموذج بعد سنوات او عقود او حتى قرون الاجابة على أسئلة معينة. في البداية يتم الالتفاف على هذه الأسئلة من أجل الإبقاء على النموذج ، ولكن مع تزايد الأسئلة تحين الثورة العلمية التي تبدأ بتصورات ونظريات خارج إطار النموذج السابق بل ومعارضة له وتحمل تصورا للكون والمجال يختلف عن السابق وبهذا يتكون نموذج علمي جديد.
عندما صدر كتاب " بنية الثورات العلمية " كان صادما للقراء ، حين يفترض ان العلم لاياخذ الانسانية على مسار خطي انيق نحو حقيقة موضوعية عن واقع العالم من خلال مراكمة مراقبات تجريبية ، لكنه ابداع الانسان في الواقع . يكتب توماس كون : إن كان العلم محاولة لجعل نظرياتنا تتوافق مع الطبيعة ، فان طبيعة الانسان حينها هي ما علينا ان نناضل من اجلها اولا " .
تاثر توماس كون بالفيلسوف الكبير كارل بوبر ( ولد عام 1902 وتوفي عام 1994 ) والذي لعب دورا كبيرا في في وضع مفاهيم جديدة لفلسفة العلوم وذلك من خلال كتابه الشهير " منطق البحث العلمي " الذي صدر عام 1934 - صدرت ترجمنه العربية في طبعتين الاولى عام 1982 والثانية عام 2009 - كان كارل بوبر الذي وصفهُ هوكينغ بانه الفيلسوف الاكثر تاثيرا على العلماء في العصر الحديث ، حيث يرى بوبر ان العلماء الحقيقيّون يتميّزون بمحاولة تخطئة ورفض نظرياتهم بدلاً من محاولة إثباتها، حيث تسنتد فلسفة بوبر كما جاءت بكتابه الشهير هذا إلى أن الخاصة المنطقية المميزة للعلم التجريبي هي إمكان تكذيب عباراته ، هي قابليته المستمرة للمواجهة مع الواقع والوقائع ، للنقد والمراجعة واكتشاف الأخطاء وبالتالي التصويب والاقتراب الأكثر من الصدق ، التقدم المستمر ، يكتب توماس كون ان بوبر :" علمنا كيف تكون فلسفة العلم هي منطق قابل للتقدم المستمر".
ولد توماس كون عام 1922لاب مهندس وام تعمل في الصحافة ، وقد نشأ في نيويورك ، درس الفلسفة ، ثم بدأ يتخصص في تاريخ العلوم ، لم يحصل على كرسي الاستاذية في هارفارد التي تخرج منها عام 1945 ، فعمل في جامعة كاليفورونيا ، وبعد صدور كتابه بنية الثورات العلمية عرضت عليه هارفارد منصب بروفيسور ، لكنه فضل جامعة برنستون ، اول كتبه صدر عام 1957 بعنوان " الثورة الكوبرنيكية " ، بعدها اصدر عام 1961 كتاب وظيفة البحث العلمي ، عام 1962 " بنية الثورات العلمية " ثم اصدر كتاب " مصادر تاريخ فيزياء الكم عام 1967 ، وكتاب دراسات مختارة عام 1977 ، توفي توماس كون عام 1994 .