علي حسين
في 13 ايلول عام 1862 ، كتب تولستوي في يومياته :" انا احب حباً ، لم احبه في حياتي من قبل ، انا مجنون وسأطلق الرصاص على نفسي اذا سارت الامور على ما هي عليه ، لا يمكن وقف عواطفي نحوها " ، وفي اليوم التالي كتب " كل يوم يمر اعتقد فيه اني لن احتمل المزيد من شعوري بالسعادة ، سأذهب في الغـد اليهم وسأصارح لهم بكل شيء وإلا فإني أنتحر ؟ " .
كانت هي الابنة الثانية لعائلة يعرفها ويتردد عليهم دوما ونراها تكتب في يومياتها في 23 آب 1862 :" اني خائفة لو دلت تلك التجربة على رغبة خاطفة في الحــــب وليست حباً دائماً".
كان هو حذراً في مسألة الحب والزواج وكان يعتقد ان الارتباط بامرأة مدى العمر شيء رهيب ، كانت علاقاته الاولى مع نساء كثيرات لا تتعدى اياما وتنتهي باستثناء علاقته بامرأة ريفية تدعى " اكسينيا " اثرت عليه تأثيرا كبيرا دامت علاقاته بها مدة طويلة ، وقد كتب عنها فيما بعد قصة الشيطان التي يروي فيها حكاية انسان يخضع لعبودية جسده ، لكنه وجد نفسه في أشد الحاجة الى امرأة ، وجعل يفكر في زوجته المستقبلية وقد اشترط فيها شروطا خاصة الى ان وقع في حب صوفيا ونراه يكتب في يومياته 23 آب 1863 :" اني خائف ، ماذا لو دلت تلك التجربة على رغبة خاطفة في الحياة ، وليست حباً حقيقياً دائماً " لكنه عاد ليكتب في ايلول من نفس العام : لا اعتقد ان مستقبل حياتي مع زوحة يضارع ما يبدو لي الان مع صوفيا .. المستقبل السعيد الهادىء الخالي من المخاوف " .
كانت صوفيا الابنه الوسط لطبيب الماني الاصل " بيرز " يعمل في بلاط القيصر ، تزوج من الانسة ليوبونوف ابنة احد ملاك الاراضي ، كانت اول زيارة لتولستوي لعائلة الطبيب الالماني سنة 1856 ، في تلك الفترة كان قد انتهى من كتابة قصص من سيبستول وكانت صوفيا واخواتها يشعرن بسعادة حين يقوم تولستوي بقراءة الاجزاء الاولى من قصة عهد الطفولة ، ونراه يعجب بالفتيات ويقول لاخته انه لو تزوج يوما فستكون عروسه من عائلة الدكتور بيرز ، وكانت الاخت تعتقد ان الابنة الكبرى ليزا خير من تصلح عروس لشقيقها الكاتب ، لكنه يخبر شقيقته انه لايحبها ونراه يكتب في يومياته :" ليزا تغريني ، لكني لن ادع ذلك يحدث ، فان مجرد الإغراء الذي لا يصحبه اي شعور ما غير مجدٍ " .فقد احسّ ان صوفيا الأقرب الى قلبه ن وذات يوم تقترب منه على استحياء لتطلب منه ان يرقص معها فيجيبها بابتسامة :" اني اليوم اكبر سناً من ان افعل ذلك " . ونراها تكتب في مذكراتها ان الكونت تولستوي رفض الرقص لكنه طلب منها طلبا غريبا " ان أغني ولما كان ذلك آخر ما كنت ارغب فيه فقد هربت الى غرفتي " . يكتب في يومياته : لقد بقيت يومين افكر على انفراد في امر صوفيا .. وقلت لنفسي لا تدفع نفسك حيث الشباب والجمال والشعر والحب ، فان لهذه ايها الشيخ من هم اصغر منك ، ان موضوعك في صومعة من صومعات العمل ، لقد عشت في هذه الصومعة وسأعود اليها " .
ويكتب بعد ايام " : لقد سطّرت خطاباً سوف أرسله اليها في الغد ، ياإلهي أمنحني القوة ، أخاف ان أموت ، فان مثل هذه السعادة تبدو مستحيلة "
وذهب في مساء اليوم التالي وفي جيبه الخطاب الذي أعدّه ووجد صوفيا جالسة مع شقيقاتها ، انتظر ساعات حتى انسحبت الشقيقتان فمد يده الى صوفيا بالخطاب قائلا : انه ينتظر ردّها ، فذهبت مسرعة الى غرفتها لتقرأ : " اي صوفيا أصبح الأمر لا يُطاق ، لقد ظللت أقول لنفسي طيلة الاسابيع الماضية انني سأبوح الان ، ومع ذلك كنت اشعر بالحرج ، وكنت اخرج من البيت حزينا ساخطا على نفسي أسأل ما عساي ان اقول لو انني تكلمت ..لكن اذا كنتِ تحسين نحوي بأي عاطفة فأرجوكِ ان توافقي على ان تكوني زوجة لي ، ولكن اذا كنت تحسين ادنى شك فقولي لا ، ناشدتك الله ان تفكري ملياً في الأمر" .
وقفت صوفيا جامدة وفي يدها الخطاب ، وعندما شاهدتها شقيقتها الكبرى على هذه الحال صرخت :" اخبريني ماذا بك ؟ فقالت بهدوء : ان الكونت طلب يدي ، فصرخت الاخت قائلة : ارفضيه ، كان تولستوي خلال هذه الفترة ينتظر والقلق قد سيطر عليه يحاول ان يسترق السمع على ما يجري داخل الغرفة الى ان سمع وقع أقدام حيث خرجت صوفيا لتقول له جملة واحدة :" نعم .. ثم دخلت مسرعة الى غرفتها .
الغيرة القاتلة
كانت اول كلمة كتبها تولستوي في يومياته بعد الزواج قوله :" حظ من السعادة لا يُصدَّق " ، لكن هذه السعادة لم تدم طويلا اذ سرعان ما كدّر صفوها الغيرة ، فنجد صوفيا تكتب في مذكراتها ": ان ماضي زوجي كله مخيف حتى انني لا اعتقد اني سوف أقبله " ثم تكتب بعد ايام :" إن زوجي مريض ، معتل المزاج وليس يحبني ، إنه يفترُ يوما في حين اني ازداد له حباً وانه يعتقد اني لا أحبه " .، وفي يومياتها هناك غيرة واضحة من بطلات رواياته فتكتب لتصف شعورها :" لقد قرأت اوائل بعض كتبه ، وكنت اشمئز واضيق كلما قرأت له شيئا عن الحب والنساء "
كانت صوفيا تتنقل في قراءة أعمال زوجها ، ولم يكن يخامرها ألشك بأنه كان يحاول ان يرسم صورة للمرأة الحقيقية التي في مخيلته ، كان تولستوي من جانبه قد وجد مفهوما جديدا للحب عند الالماني شوبنهور ففي تلك السنوات تفرغ لقراءة الفلسفة وأُعجب اعجاباً شديداً بكتاب شوبنهور " العالم ارادة وتمثلا " والذي يفند فيه شوبنهور جميع مبادىء الحب الرومانسي ، وهو يعتقد ان جميع الشعراء والكتّاب الرومانسيين قد أخطأوا في سعيهم الى امثلة الحب من حيث هو الشهوة الانسانية ، فمثل هذا الرأي يُعد وهماً مطلقاً ، اما الحقبقة فهي ان الحب هو انعكاس لإرادة عمياء في الحياة وغريزة لاعقلانية لاستمرار النوع البشري.