شعوبي إبراهيم إنطلق من الأعظمية عازفاً ومطرباً تاركاً لطلبة الموسيقى إرثاً كبيراً

شعوبي إبراهيم إنطلق من الأعظمية عازفاً ومطرباً تاركاً لطلبة الموسيقى إرثاً كبيراً

رياض المحمداوي
علامة عراقي اعظمي الهوى احب الموسيقى والمقام العراقي وكرس له حياته وهواول من درسه اكاديميآ. شارك في تأسس معهد الدراسات الموسيقية العراقي. هو العلامة العراقي الكبير صاحب المنهاج العلمي الاول لاصول المقام العراقي المغفور له باذن الله .
ولد العلامة والأستاذ الراحل شعوبي ابراهيم العبيدي الاعظمي البغدادي في بغداد بمدينة الأعظمية محلة الشيوخ سنة 1925.

اكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الاعظمية الاولى، ثم الدراسة المتوسطة، واكمل دراسته الاعدادية في ثانوية بيوت الامة المسائية الاهلية في الكاظمية. واشتغل بوظيفة مراقب في امانة العاصمة، ثم موظفاً في الزراعة.. ثم انتسب الى معهد الفنون الجميلة القسم المسائي، وتخرج في فرع (الكمان) ثم جدد الدراسة في المعهد المذكور ثانية، وتخرج في فرع العود.

استمع لقراءة القرآن الكريم في جامع الامام الاعظم، وكان على رأس القراء فيه المرحومان الحافظ مهدي العزاوي والحاج محمود عبد الوهاب. رحمهما الله.والكثير من القراء الاخرين.ويضاف الى ذلك استماعه وحفظه للمقام واصوله عن طريق الاسطوانات ومتابعة قراء المقام وكبار الموسيقيين الذين يعرفون اصول المقام العراقي حتى اصبح من كبار الخبراء بأصول المقام العراقي وفروعه .
والاستاذ الفنان الكبيرشعوبي فنان موهوب يمتلك ذوقا مرهفا، واذنا موسيقية ذات حس وتميز نادرة المثال .
عين معلما في المدارس الابتدائية، ثم مشرفا على الاناشيد المدرسية في وزارة التربية، ثم مدرسا في معهد الفنون الجميلة، واخيرا مدرسا لالة الجوزة معهد الدراسات الموسيقية العراقي.
وانتسب الاستاذ شعوبي الى فرقة (الجالغي البغدادي) في اذاعة بغداد سنة 1952.
نشأ الفنان الكبير الاستاذ شعوبي في الاعظمية وهي البيئة التي تحب المقام العراقي وتتذوقه والتي حافظة على اصوله وطقوسه البغدادية الاصيلة وكان في صباه يحرص على حضور المناقب النبوية (الموالد) والاستماع الى قراء المقام العراقي ويحضر حلقات الذكر القادرية والى التمجيد ليلة الجمعة وضحاها، وتلاوة القرآن الكريم واكتسب الخبرة الشعبية التي عززها بالمعرفة والعلم والدراسة الاكاديمية (شعوبي وقد تخصص بالعزف على الة(الجوزة) واحبها وكان من اشهر العازفين على تلك الالة التراثية العريقة وتخصص بتدريسها وخرج الكثير من عازفين وعازفات على هذه الالة الجميلة وقداحياها واعاد لها مجدها وشبابها بعد ان جار عليها غبار الزمن
وهو من العازفين البارعين على الالات الكمان والعود والقانون والساطور، بدرجة عالية الكفاءة وهو من عازفي الايقاع البارعين وايضآ كان ويحسن العزف على التي الناي والمزمار، وكان في صباه ينتزع بعض القصبات ويصنع من تلك القصبات (شبابات)،كما صنع في شبابه(سنطوراً). والات الجوزة.
وتمتد مواهب الاستاذ شعوبي الفنية الى الموسيقى الغربية، فهو يعزف على اغلب الالات الغربية بمهارة عالية كما لحن الفنان شعوبي بعض الاغاني للمطربين قبل عشرين عاما او اكثر بالاضافة الى تلحين الاناشيد المدرسية . كانت له هوايات عديدة منها النجارة وصناعة القوارب الصغيره والاثاث الخشبية .
كما انه نظم الشعر الشعبي (الزجل) من المربع وغيره، ونظم الزهيري (الموال) والابوذية والعتابة ببراعة تامة وابداع في الجناس فكانة له تجارب في النثر وكانت له اهتماماته الادبية فالف كتابه (المقامات) 1961م في (مقهى عباس) بالاعظمية، كان ينشئ كل يوم مقامة او مقامتين، يمليها املاء، فيها سجع ادبي، وفيها معلومات قيمة عن الانغام والالحان والمقامات العراقية، ولم يرجع فيها الى مصدر يعتمد عليه، سوى حفظه للاشعار، ولكنه جعل في اخر الكتاب قائمة بالمصادر، وكل افادته منها هي تحديد تواريخ وفيات الاعلام الوارد ذكرهم في الكتاب او الاشارة الى ارقام الصفحات في دواوين الشعراء الذين ذكر لهم بعض الابيات امثال المتنبي والرصافي وشوقي وغيرهم واغلب قصائد (شعوبي) في الاخوانيات، ومداعبة اترابه. وتعزية بعضهم في الرسوب اثناء الدراسة وكان يلمع شعره بالفاظ عامية او انكليزية وهندية وفارسية وكردية. فتقع تلك الألفاظ الغريبة كالشذرات البهية في ابياته ولو انه حمل نفسه على الجد والمداومة في نظم الشعر في شتى أغراضه لكان من كبار شعراء العراق. والفنان الاستاذ شعوبي لا يكتب قصائده، ولا يحتفظ بها، بل ينشدها في المقهى او (الجرداغ) او مجلس من مجالس أصدقائه، ويعطي القصيدة لمن يطلبها منه ولايسال عنها بعد ذلك. كما ذكر انه كان ذكيا قوي الذاكرة وكان في صباه وشبابه، يكتفي بتقرير المعلم او المدرس في الصف، ولا يراجع كتب الدراسة الا في ايام الامتحانات. فكان رحمه الله يحب قراءة دواوين الشعر، والقصائد التي تستهويه في دواوين المتنبي والرصافي والزهاوي وشوقي وحافظ والسياب وغيرهم من الشعراء العراقيين والعرب وديوان (الملاعبود الكرخي).
وقد شارك (الفنان الكبيرشعوبي في ندوات فنية عديدة حول المقام العراقي، فلم يسهم إلا بقسط ضئيل من البحث والمناقشة، لايتناسب مع ما يختزنه من المعرفة الواسعة والدراسة المحيطة الشاملة بتلك المواضيع وهو رجل شديد التواضع وكأنه بهذا التواضع يرد على مظاهر التعالي عند غيره . ومن الكتب التي الفها الاستاذ شعوبي كتاب( المقامات ) صدر سنة 1963 ، حيث جمع فيه ألواناً من فنون الجد والهزل والدعابة والفكاهه وفنون الغناء والابوذية والعتابة ، أضافةً الى تنظيمة ( آرجوزات تعليمية ) شملت تعريفاً للمقامات العراقية ، كتبه بأسلوب السجع البسيط غير المتكلف قريب من اسلوب مقامات الهمداني ومقامات الحريري وناصيف اليازجي .. كان هدفة من هذا الاسلوب ، أبعاد الملل عن القارئ ، وللمساهمة في احياء اسلوب عربي قديم كان حلية الادباء وزينة الكتاب في أبهى عصور الادب العربي ، فكان هذا الكتاب باكورة اعماله الادبية والذي تضمن عشرين مقامة نثرية ومنها المقامة البنائية ، المقامة العثمانية ، وامقامة الموصلية حيث ضمن اسماء المقامات الرئيسة والفرعية في المقامة الموصلية والمقامة البغدادية المقامة الشعرية المقامة الموسيقية المقامة الغزلية والمقامة البصرية وغيرها لتفسير وتوضيح المقام العراقي باقسامه الفرعية والرئيسة وفصوله
لكتابه الثاني ( دليل الانغام لطلاب المقام ) والتي صدرت الطبعة الاولى منه عام 1982 ، اما الطبعه الثانية فقد صدرت في العام 1985 ، تضمن تعريفاً بالمقام واقسامه مقرونة بست اشرطة ( كاسيت ) بصوته لتعليم وتدريبس المقام والتدريب قراءته ، مع شرح مفصل عن خفايا هذا الفن ، جعلت من درس المقام درساً حيوياً لطلبة ( معهد الدراسات الموسيقية العراقي )ومحبباً لهم ورأوا فيه سهولة في تعلم خفايا هذا الفن الذي سهلت هذه الطريقة عملية نشره وتعليمه في المعاهد والمؤسسات الفنية والتراثية حتى أصبح فيما بعد مرجعاً لكل من درّس هذه المادة من بعده وكذلك لطلابه ومحبيه واصبح هذا الكتاب منهجاً معتمداً حتى يومنا هذا في تدريس مادة المقام العراقي التي ابتكرها شعوبي ابراهيم من حرصاً منه وحفاظه عليه من الانقطاع والاندثار ، وبهذا يكون للفنان الراحل الدور الاساس في وضع منهج علمي لفن المقام العراقي، فأصبح واحداً من مؤسسي هذا الصرح التراثي العريق. ولقد أوكلت ادارة المعهد تدريس المقام الى الفنان شعوبي ابراهيم ، فكانت تجربته رائدة وجديرة بالتقدير في تدريس هذه المادة الحيوية واستطاع ان ينقل خبرته الطويلة الى طلابه خلال ساعات الدرس بسلاسة ودون تعقيد ، كذلك هواول من درّس مادة المقام على شكل مجاميع ، وطبقها على طلاب المعهد ، ثم نقل تجربته هذه الى فرقة الانشاد العراقية في مطلع السبعينات. لقد كان شعوبي ابراهيم ملماً بجميع المقامات العراقية والقطع والاوصال عزفاً وغناء وعلماً ومطلعاً على مدارس فن المقام العراقي وروادها ومؤسسيها من خلال استماعه لتسجيلاتهم ومرافقته لكثير من قرائه المبدعين والمعاصرين له واصبح كتابه ( دليل الانغام لطلاب المقام ) كتاباً منهجياً وعلمياً لتدريس هذه المادة التراثية والحفاظ على اصول وفروع المقام العراقي.
وقد سجل جميع هذه المقامات بصوته وعزفه على آلة الجوزة واختار لكل مقام طبقة صوتية ملائمة ليتمكن كل طالب من مرافقة التسجيل بصوته لكي لا يجد صعوبة بذلك ، اما تحليله للمقامات فجعله على درجات صوتية مبسطة ، لان جميع المقامات تغنى على درجات مصورة ، ولو حللنا كل مقام على درجته المصورة لصعب على المبتدئ ذلك ، وعلى سبيل المثال فان مقام الرست الذي يغنى على درجة الرست (دو) نرى أغلب قراء المقام لا يتمكنون من الوصول للميانات ( الجوابات ) فتراهم يغنون هذا المقام على درجة أو درجتين اقل من درجته الاصلية وبهذه الطريقة المصورة يكون التحليل صعباً على المبتدئ في هذا الفن ظرفه ونوادره
ويعتبر الاستاذ شعوبي من اكبر ظرفاء بغداد المعاصرين، ولا يعرف ذلك إلا قليل من الناس ممن خالطه فأحبه وتعلق به . وهو يحمل بين جنبيه قلبا نقيآ طاهرا وروحا مرحة ذات دعابة ومزاح يحب الناس والحياة وفعل الخيروكان صوته وسحنته يزيدان في الانشراح والانبساط.وهو زينة المجلس في حديثه وتلميحه وبطرافته وخفة دمه وتعريضه وتصريحه وه سريع البديهية حلو النادرة ولم يُرى يوما في المقهى جالسا وحده . وحتى اذا جلس وحده فسرعان ما ترى محبيه ينتقلون الى طاولته ويستمعون الى حديثه وتعليقه، وشعره وغنائه، وهو ينسجم بسرعة ويستغرق في الفن حتى يستولي عليه الموضوع، فيسهو عن أصدقائه ولم يسقهم شايا او مرطبات، وأحيانا يسقيه زواره وقاصدوه، فلم يشعر بذلك ولم ير فيه معارة. ولم يعتب عليه احد من أصدقائه لحبهم له، وتعلقهم به ، ولو صدر ذلك عن غيره لعوتب وقوطع. والفنان الكبيرشعوبي ابراهيم فنان بسيط سليم القلب، له براءة الأطفال وهو متواضع وقنوع وخجول، ينتهي من احياء الحفلة، ويعرض عليه القائمون بها ما يشاء من المكافأة فيستحي، ويطلب مبلغا ضئيلاً.
يعد العلامة الاستاذ شعوبي ابراهيم اول من درس المقام العراقي في معهدي الفنون الجميلة والدراسات الموسيقية وفرقة الانشاد منذ سبعينات القرن الماضي .وتعد طريقته في تدريس المقام فريدة من نوعها لما تحمله من خبرة كبيرة بجميع المقامات الرئيسة والفرعية وهو واحداً من مؤسسي معهد الدراسات الموسيقية الذي تخرج على يده العديد من الطلبة في مجال المقام والعزف على آلة الجوزة.
رحل العلامة والفنان الكبير شعوبي ابراهم في9/9/1991 في بغداد وترك ارثآ عظيمآ لشعب عظيم لقد أفنى شبابه وعمره مجاهدآ في سبيل ان يحافظ على ارث الاجداد فكافح بالحفاظ عليه وقام بتعليمه جيل الشباب الذي حمل هذه الامانة ونشرها بيننا بفضل ذلك العلامة الكبير الذي عاش في ربوع بغداد صباه واحبها واتم لها الوفاء والحب. و سجل له التاريخ الثقافي العراقي انه اول من درس المقام العراقي اكاديميآ وبطريقته التي اعتمد فيها على نفسة وعلمه وهو من مؤسسي هذا العلم الحديث وهو المرجع العراقي الاول لعلم المقامات وفروعها واصولها . كان ولايزال الفتى الشيخ العلامة العراقي الكبير شعوبي ابراهيم نخلة من نخيل بلاد الرافدين كلما هب على سعفها الريح تعزف مقامات الحب وتحكي حكايات الصبا على ضفاف شواطيء دجلة وجلسات السمر في اعظمية السحر والجمال والعراقة والتراث.
رحل شعوبي جسدآ ولكن روحه لاتزال كحمامة بيضاءترفرف على محبيه وتلامذته وكل نغم يتغنى بحب الوطن والارض.
رحم الله هذا الصرح الكبير واسكنه الجنة وعزاؤنا فيك كبير ياابا هيثم ولكن كلما ذكرناك ومر اسمك على اسماعنا تبسمنا وكانك حاظر فينا انك الغائب في عالم لايصل اليه الاحياء . لكننا نصل اليك بالدعاء والحب الذي يخترق حدود جميع العوالم.اللهم ابلغ عنا السلام الى رجل كان يحب السلام .