الكرمليون في بغداد .. البدايات الاولى

الكرمليون في بغداد .. البدايات الاولى

كريم الفرج
الكرمليون هم رهبان كاثوليك، نشأت طائفتهم في أول الأمر على جبل الكرمل بين فلسطين وسوريا في القرن الثاني عشر، ثم نزحوا إلى قبرص عام 1238م، منها إلى أوربا، وعلى جبل الكرمل كانت مدرسة الأنبياء.. كان قد خلف القديس إيليا تلميذه أيليشاع النبي بتوخي القربان. والكرمليون في البدء لم يكونوا رهباناً بكل معنى الكلمة، فلم يكن لهم فرض مشترك ولا هم يعيشون في أديرة حياة مشتركة،

بل كانوا علمانيين زهدوا في الدنيا وشرعوا يعيشون في مغاور أو أكواخ متجاورة في سفح جبل الكرمل يجمعهم رابط روحي ورغبة مشتركة في الإقتداء بالنبي إيليا، لاسيما بحضوره الدائم أمام الله وبغيرته العارمة على مجد الله وعظمته.

وفي مطلع القرن الثالث عشر، حينما أزداد عددهم فكروا في تنظيم حياتهم الرهبانية وإعطائها طابعاً رسمياً ثابتاً، فأستقر رأيهم على أن يطلبوا من سلطة الكنيسة الاعتراف بوجودهم وإعطائهم قانوناً أساسياً. فوجهوا طلبهم إلى القديس البرتس بطريرك "أورشليم" الذي كان مقره آنذاك مدينة عكا، فسن لهم هذا عام 1209 قانوناً موجزاً يتضمن ستة عشر بنداً، وهو مجموعة من العادات الرهبانيــــــــــــــــة التي تختص بالظروف الأساسية للحياة النسكية.
عد القديس (سيمون ستوك) الإنكليزي مؤسسهم الثاني، الذي تولى الرئاسة العامة على الكرمليين من عام 1245-1265، حيث أقام أديرة وأنشأ معاهد للدراسة في كيمبردج وباريس وأكسفورد وبولونيا، جمع في نظامها بين الرهبانيتين الفرنسيسكان والدومينيكان، ثم أخذوا ينتشرون في الأقطار الأخرى من أوربا ويؤثرون تأثيراً قوياً على الناس بروحانيتهم العميقة.
أول من فكر بتأسيس رسالة في البلاد الشرقية من الكرمليين الحفاة راهب أسباني المولد، نابولي المسكن يعرف بالأب حنا اوجان.
في هذه الحقبة انتشرت إرساليات عديدة للكرمليين في الشرق، ففي تموز عام 1604 توجه ثلاثة آباء كرمليين هم أسبانيان وإيطالي من روما إلى أصفهان وفي عام 1613 وصل عدد من الرهبان الكرمليين إلى باكستان والهند والصين واليابان، ظهر بينهم في القرنين السابع عشر والثامن عشر لاهوتيون كبار وضعوا كتباً عدة في اللاهوت النسكي والصوفي. ومع وجودهم القديم في فلسطين وسوريا إلا إنهم وصلوا إلى لبنان في مطلع القرن العشرين.
بعدما كان البرتغاليون يسيطرون على مدينة هرمز في الخليج العربي أصبح هذا الموضع منطلقاً لإرساليات عدة في الشرق. لكن باستيلاء الشاه عباس على هذه المدينة عام 1623، تحددت إمكانيات الإرساليات الكرملية، فقصد بعضهم مدينة البصرة، وأُسس أول مبحث للكرمليين في العراق أوائل عام 1623م . في نيسان بالتحديد أفتتح رسمياً الأب بازيل الكرملي، وهو راهب برتغالي- الدير والكنيسة في البصرة بموافقة والي البصرة علي باشا افراسياب1623-1650 ،الذي حضره شخصياً لزيارة المؤسستين المذكورتين وأظهر الرعاية والعطف للآباء الكرمليين.
كان للبرتغاليين في البصرة جالية قليلة العدد وأسطولاً تجارياً يتجاوز عدد سفنه العشرين ... تلك هي أهم الأسباب التي حدت بالآباء الكرمليين لتأسيس مقر لهم من أجل الاهتمام بالمصالح الروحانية للطائفة اللاتينية، ورغبتهم هداية الصابئة المندائية المعروفين في البلاد الأوربية بأسم (نصارى يوحنا المعمدان) عند ذلك تقاطر الكرمليون إلى البصرة، وكانت لهم أعمالاً خيرية اشتهرت بين عموم الناس.
في عام 1677م عين رؤساء موفد البصرة بغض النظر عن جنسيتهم قناصل لفرنسا في البصرة، ذلك بموجب أمر موقع بتوقيع المركيز دي نوفتيل سفير الملك لويس الرابع عشر في الأستانة، وقد شغل هذه الوظيفة بالتعاقب أحد عشر راهباً كرملياً، إلى أن وصل الميسيو دي مارتنفيل القنصل العلماني أوائل عام 1739م، حيث أصدر أمراً بإيقاف العمل بهذه الوظيفة، لقد تأخر تأسيس مقر للكرمليين في بغداد قرناً عن تأريخ تأسيس مقرهم في البصرة. ففي عام 1721م قدم مبعوث كرملي بوصفه نائب رسولي، لكنه غادرها بعد سبع سنوات عقيمة. وفي أواخر عام 1728 أرسل عوضه الأب عمانوئيل باية. الذي جد وأجتهد في سبيل الحصول على موافقة حاكم بغداد أحمد باشا للسماح له بالإقامة في بغداد بشكل رسمي، ثم أجريت معاملات طويلة تمخضت عن استحصال رخصة بإقامة مصلى في بغداد وأفتتح في الثالث من تموز عام 1731م، على أسم القديس توما الرسول، وسعى لتأسيس مدرسة خاصة بالأولاد، تم له ذلك في عام 1737م، التـــــــــــي كانت النواة لمدرسة القديس يوسف الشهيرة في عقد النصارى فيما بعد.. وللإعتراف بما قدمه الأب عمانوئيل من جهود للرسالة تم تعيينه مطراناً للاتينيين في بغداد في 26 تشرين الثاني عام 1742.
والأب عمانوئيل باية F.Emmanuel Balleet المضاف أسمه إلى القديس البرت وأسم أسرته (باية) ولد في فرنسا عام 1702، أدخل الرهبنة الكرملية وأرسل إلى بغداد عام 1728م، وفي عام 1742م أصبح أسقفاً على بغداد، وبقي فيها إلى أن وافاه الأجل في شهر نيسان عام 1773، بعد أن أصيب بمرض الطاعون الذي أكتسح العراق وفتك بعدد كبير من نفوس بغداد. ينظر: دليل المملكة العراقية، المصدر السابق، ص734.

توسع دير الآباء الكرمليين بعد إلتحاق عدد من المرسلين بالأب عمانوئيل باية، فنشطت رسالتهم، لكن في عام 1773م حدث طاعون شديد الوطأة ففتك بأناس كثيرين من بغداد والبصرة ومن جملتهم المرسلون الكرمليون بأجمعهم ومنهم الأب عمانوئيل باية.
قلَّ نشاط الكرملية لقلة العاملين فيها، وبسبب الأحوال السائدة في البلاد. ثم دبت الحياة من جديد في الدير بعد مجيء آباء نشطين، فجرى ترميم الدير أولاً ثم توسعته إذ لم يعد كافياً لساكنيه، وكان هناك اهتمام به إذ أهتم الأب ماري جوزيف مرة أخرى بترميم الدير وتوسيعه وتم ذلك في عام 1888م.
وعندما شرعت (أمانة العاصمة) أمانة بغداد حالياً بشق شارع الخلفاء،وكان يدعى في أول الأمر شارع الملكة عالية ثم شارع الجمهورية، حيث أتى هذا الشارع على جزء كبير من الدير، فتركه أصحابه وشيدوا لهم ديراً جديداً في الجانب الآخر من دجلة (الكرخ) سموه (دير العذراء سيدة فاطمة).
ومن الجدير بالذكر أنه أنضم بعض العراقيين إلى الرهبنة الكرملية، كان أشهرهم الأب انستاس ماري المعروف بالكرملي، الذي عاش في بغداد منذ عام 1894م حتى موته في 7 كانون الثاني عام 1947م وبرز نشاطه بشكلٍ خاص في تدريس اللغة والآداب العربية والصحافة حتى عد احد اعلام النهضة الفكرية في العراق الحديث واحد بناتها الكبار .
عن رسالة ( الاب انستاس ماري الكرملي )