موسى الشابندر  وحادث وفاة الملك فيصل الاول

موسى الشابندر وحادث وفاة الملك فيصل الاول

زهير خضر ياسين
في الاول من ايلول عام 1933 وصل الملك فيصل الاول الى مدينة برن في سويسرا لغرض الاستشفاء السنوي وكان بمعيته وفد ضم فيما ضم الملك علي ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري وفي الساعة 11،45 من مساء وم الخميس 7 ايلول توفي الملك فيصل الاول وقد اعلنت الحكومة العراقية نبأ نعيه بيان صدر في 8 ايلول جاء فيه :

فجعت الامة عند منتصف ليلة الجمعة بوفاة سيدها وباني مجدهاجلالة الملك فيصل الاول وذلك نتيجة نوبة قلبية وشاءت الاقدار الالهية ان تحرم البلاد في اشد ساعاتها من قيادة مؤسس الدولة وزعيمها المحبوب كان الله في عون الجميع على هذا المصاب الجلل سيعلن الحداد والتتويج ببيان اخر..
واذ تثير حادثة الوفاة العديد من التساؤلات وتحيطها الشكوك فان اصابع الاتهام توجه لعدة جهات كانت وراء مقتل فيصل الاول ومنها نوري السعيد الذي كانت علاقته جيدة بالملك حتى تشكيلة اول وزارة عام 1930 بعدها اخذ يتصرف من مركز قوة وهذا ما كان يثير فيصل الاول وينظر اليه بحذر وترقب وقد تفجر الصراع بينهما بسبب قضية تتعلق باضراب عام 1931 حين كان مزاحم الباجه جي وكيلا لرئيس الوزراء نوري السعيد الذي كان خارج العراق ا كان الباجه جي قد اقدم على اتخاذ تدابير قسرية ادت الى توجيه انتقادات ضده في الوقت الذي التزمه وسانده نوري السعيد عند عودته مما ادى الى اصطدامه مع الملك الذي عارض اجراءات الباجه جي.
نعود الى موقف نوري السعيد ليلة وفاة الملك فيصل الاول كما يرويها موسى محمود الشابندر الذي سبق ان شغل منصب وزير الخارجية وكان من ضمن اعضاء الوفد المرافق للملك فبعد وصولهم (برن) حل الملك وحاشيته في فندق (بللفو) وقبل وفاته بيوم واحد وبعد العشاء كان الجميع مجتمعين حسب العادة في بهو الفندق وكان الملك علي يتحدث مع الامير شكيب ارسلان في احدى زوايا البهو في الوقت الذي انشغل فيه الملك فيصل الاول وعادل ارسلان في حديث عميق اما بقية اعضاء الحاشية فقد كانوا منشغلين بمتابعة مباراة بكرة المنضدة بين سيدة انكليزية واحد رجال الوفد وفي هذه اللحظة نادى الملك فيصل على موسى الشابندر وقال له تعال يا ابا شرارة قل الحق من اكبر انا ام عادل وقبل ان يرد الشابندر واصل الملك كلامه عادل كان مبعوثا عندما كنت انا لم ازل ادرس في استنبول قل بالله عليك يا ابا شرارة من الاكبر هو ام انا؟ وبالفطنة والذكاء الذي عرف بها الشابندر اجاب(جلالتك اكبر وان كان الامير عادل قد ولد قبلك) وهنا ادرك فيصل نباهةالشابندر وحسن اجابته فضحك فرحا كالطفل.
وبعد ان انفض الجميع واوى كل الى غرفته في الفندق حدث ما لم يكن يخطر على بال احد . لقد مات الملك ويبدو ان هول الصدمة وعظيم المفاجاة لم تدع قدرا من الشجاعة لاحد ان يتحرك او يعمل شيئا باستثناء نوري السعيد الذي تذكر انه وزير الخارجية وعليه ان يقوم باتخاذ الاجراءات اللازمة في مثل هذه المناسبة مثل ارسال البرقيات الى بغداد والاتصال بالجهات الرسمية السويسرية لترتيب اجراء نقل الجثمان وكل هذه الامور تبدو طبيعية باستثناء مهمة واحدة اصر نوري السعيد على تنفيذها وهي ايفاد احد اعضاء الوفد المرافق الى دائرة المفوضية البريطانية لابلاغها وفاة الملك وكانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وقد اختير موسى محمود الشابندر لهذه المهمة ولم تفلح جهود البعض من اعضاء الوفد قناع نوري السعيد بتاجيل هذه المهمة الى الصباح ولم يكن هناك بد سوى تحرك الشابندر صوب دار المفوضية البريطانية وعند وصوله اليها ودق الباب وبعد انتظار طويل خرج رجل مخمور جهد الشابندر في افهامه طبيعة المهمة التي جاء بسببها في هذا الوقت المتاخر من الليل. ولم يدرك الرجل المهمة الا بعد جهد طويل واخبر الشابندر ان الوزير البريطاني في هذا الوقت يسكن فيلا خارج المدينة وانه بوضعه هذا لايستطيع اخباره باسم الشارع او رقم الدار وانه يعرف فقط الطريق الموصل اليها ولم يكن بيد الشابندر من حل سوى السير في الطريق الذي اشار اليه الرجل المخمورفي محاولة لبلوغ سكن الوزير البريطاني وبعد طول عناء استطاع معرفة الفيلا وكانت الساعة الرابعة صباحا وحين قرع الباب اطلت امراة بملابس النوم من النافذة وسالت عن القادم وما هي حاجته وبلا مقدمات صاح الشابندر لقد مات الملك ...! وهنا صرخت المراة باعلى صوتها اواه ونزلت مهرولة وحدث هرج مرج في الدار حيث انيرت الاضواء وخرج من بها الى الخارج ولما اخبرهم الشابندر ان المقصود هو الملك فيصل الاول قالت المراة (اسفة كنت اظنه جورج الخامس)وبعدها قابل الشابندر الوزير البريطاني واعتذر له عن الازعاج الذي سببه في مثل هذه الساعة المتاخرة من الليل وابلغه ان ذلك كان مصدره اصرار نوري السعيد على ضرورة ابلاغه خبر وفاة فيصل الاول ورجع الشابندر الى الفندق وهو لا يدري ما وراء هذه المهمة الغامضة التي اصر على القيام بها نوري السعيد.
ومن جهة اخرى يذكر تقرير المفوض البريطاني في برن بان جثة الملك فيصل قد حنطت بسرعة مريبة وعند ملاحظة موقف نوري السعيد نجد انه كان قد اصر على تحنيط الجثة حالا وتنقل الى العراق برفقة الملك علي وكان السعيد قد استفسر من الوكيل المفوض البريطاني في برن فيما اذا كانت السفن الحربية البريطانية جاهزة لنقل الجثمان الى مصر او فلسطين وان لم يكن بالامكان ذلك فان نوري مستعد لاتخاذ ما يلزم من الاجراءات لنقل الجثمان ليلة الحادث على ظهر سفينة تجارية ويبدو ان اصرار السعيد على تحنيط الجثة بسرعة ونقلها كانت في محاولة منه لاخفاء شئ ما يمكن ان يوضحه اي فحص طبي للجثة لاسيما وان العديد من الشكوك كانت ولا زالت مثارة حول وفاة فيصل الاول وانه قد قتل مسموما وان احد مدبري حادث القتل هو نوري السعيد.