بعد خلاف سياسي شديد بينهما في الخمسينيات.. الامير عبد الاله يصالح نوري السعيد وصالح جبر

بعد خلاف سياسي شديد بينهما في الخمسينيات.. الامير عبد الاله يصالح نوري السعيد وصالح جبر

د . فاطمة صادق السعدي
لعل ما أشار اليه أحمد مختار بابان بأن سبب الخلاف بين نوري السعيد وصالح جبر ، يعود إلى أن نوري السعيد قد ارتكب خطأ في تلك المرحلة حينما ورط رؤساء العشائر بالانتماء للأحزاب ، الأمر الذي عمق من الحزازات القائمة بينهم وتحول إلى عداء بينهما ، في الوقت الذي كان فيه صالح جبر مستعدا قبل ذلك لتأليف حزب مشترك مع نوري السعيد.

ويضيف بابان بأن العديد من رؤساء العشائر تهافتوا على حزبى نوري السعيد وصالح جبر. وجاء في مذكراته "انزعج مني المرحوم نوري مرة أخرى بسبب الخلاف بينه وبين صالح جبر، وقد بلغ الخلاف بينهما إلى الحد الذي شكل كل منهما حزبه الخاص " .
كان نوري السعيد وصالح جبر قد اتفقا على تأسيس حزب واحد بأسم حزب الاتحاد الدستوري ، تكون هيئته المؤسسة من ثمانية أعضاء يختار نوري نصفهم ويختار صالح نصفهم الآخر. ويرى احمد مختار بابان بأن نـوري السعيد يعتقد أنه صديقا لصالح جبر، وأنه يميل إلى صالح اكثر من السعيد . ومما جاء في مذكراته بهذا الشأن "كان صالح جبر من رجال الدولة المعروفين ، كان أمرا طبيعيا أن يكون على اتصال مباشر بالعرش ، وبصفتي رئيسا للديوان الملكي من واجبي أن استقبل العديد من الناس من شتى الطبقات والاتجاهات. ولم يكن نوري ليقتنع بحيادي . وأوضح أن هناك من سعى إلى توسيع شقة الخلاف بين نوري السعيد وصالح جبر لغايات شخصية "، وكان معظم هؤلاء في البداية من أصدقاء صالح جبر ، ثم اصبحوا بعد مدة من أصدقاء نوري وربما استغلوا خلافات الاثنين من اجل التقرب من نوري السعيد بحكم دوره ومكانته البارزة من بين الساسة العراقيين آنذاك . وعلى الرغم من أن بابان لم يذكر هؤلاء لكنه أشار بوضوح تام بأن أمثال هؤلاء قد جعلوا منه محورا في الموضوع للتقرب من نوري السعيد الذي حملوه على الاعتقاد بأن إبعاده من البلاط يضعف موقف صالح جبر. وربما سعى للتقرب بين الشخصين بتشجيع من الوصي عبد الاله حتى أن الأخير طلب منه أن يجمع الاثنين في بيته وعاتب أحدهما الأخر بصراحة على كل شيء . وكان نوري السعيد يرى أن صالح جبر واقع تحت تأثير عبد المهدي المنتفكي. وكان صالح يرد على اتهام نوري له بهذه العبارة التي دونها بابان "ياباشا أني لست واقعا تحت تأثير أحد ولم أقع يوما ما تحت نفوذ أحد فأنت هو ذلك الشخص، انك في الأزمات ستعرف من هو صديقك. أني لازلت صديقك." ويضيف بان الجو سادَه العتب والوئام لكنه لم يسفر عن نتيجة ، لان قلب نوري كان مشحونا ضد صالح جبر ، بسبب الأشخاص الذين يحومون حوله ، ويعتقد احمد مختار أن خليل كنه يعرف هؤلاء جيدا وأن كنه كان يسعى للخلاف بين نوري السعيد وصالح جبر .
لم يكن مناصا إلا أن نقتبس مارواه بابان في هذا الشأن أيضا حينما قال "..قصة ارويها كما وقعت خدمة للتاريخ ، فقد كان صالح جبر عندي في البيت ذات مرة كزائر ، وإذا بنوري السعيد يصل إلى داري فجأة زائرا أيضا . وكنت آنذاك رئيسا للديوان الملكي ، وعندما شاهد نوري صالح جالسا ارتبك ، ولكن صالح قد نهض بمقدمه ، أما نوري السعيد فقد عاد فورا إلى سيارته وفيما كنت في توديعه قام صالح مودعا إذ اثر الانسحاب حين ذاك ، فقد دخل نوري الذي عاتبته كثيرا ، وقلت له أن تصرفك اليوم مخالف لعاداتك وهو عمل فيه غلو كبير ..". وقد رد عليه نوري بالقول ،" أنت لاتعرف ، فهل تقبل أن يمسني صالح حتى فـ (عرضي) ، وقد استغربت الأمر لأن صالح جبر لا يبدر منه مثل هذا التصرف ... قلت لنوري اعرف أدب صالح الجم ورصانته واكدت له أن صالح يكن له الاحترام والود . وقلت له أنتما لا تختلفان في السياسة الداخلية والخارجية، وانما تختلفان على أشخاص معينين ثم استأذنته أن أفاتح صالح بالموضوع فوافق". ويضيف بابان ، "زرت صالح وقد وجدته متألما للغاية من موقف نوري ، .. وحينما أخبرت نوري بأن صالح قد تعجب للأمر قال عندها نوري أنا اعرف صالحا واعرف انه لايمكن أن تصدر منه هذه الأقوال فهو ارفع من أن يتدنى إلى هذا المستوى ولكن ماذا افعل إذا كان الذي نقـل لي الكلام شخص أثق به وكان ذلك أثناء وجودي في لبنان وقاله في مجلس محترم" والواضح أن هناك من أراد الوقيعة بين الاثنين .
تقرر أن يجمع الوصي كلا من صالح ونوري في داره وجرى عتاب شديد، وكان صالح جبر في منتهى الغضب على حد وصف احمد مختار بابان ، وأصر نوري على عدم ذكر اسم الشخص الذي وشى ، لكنه في الأخير اقتنع بأنه على خطأ فقام وقبل صالح ، الذي قابله بالمثل .
أن هذه الخلافات قد أضرت بالاثنين وبمصلحة البلاد، وشجعت الآخرين للتدخل في شؤونهما، في وقت لا يختلف الاثنان عن رسم السياسة الخارجية وان اختلفا في السياسة الداخلية إلى حد ما ، وعلى حد وصف الوصي عبد الاله ، فأن "القطبين كانا في خندق واحد لو استطع لحبست كليهما لأنهما مختلفين على أمور تافهة ومتفقين على أمور أساسية ".
مع كل ما تقدم يبقى نوري السعيد رجل دولة من الطراز الأول بكل معنى الكلمة ، وعلى حد وصف ولدمار غلمن "أن نوري السعيد في السنين الأخيرة من حياته يعمل وحده ، ويضع ثقته في أشخاص قليلين ويستشير نفرا من خاصته . وكان كتوما ويعتمد اعتمادا كبيرا على ذاكرته العجيبة .. وعليه خطوط من أثار حياة شاقة حافلة بالمشكلات وعيناه غامقتان منتبهتان دائما وذكيتان ، وكان محدثا ذا حيوية ..". ويظل صالح جبر اصغر سنا واقرب إلى روحية الشباب ، وهو الدقيق في مواعيده الحريص على هندامه ، الذي يزن خطواته بميزان من ذهب ، لا يعطي بقدر ما يستطيع هو .
وفي وصف النشاشيبي، ربما ومضة تأمل حقيقية نختم بها علاقة الرجلين حينما قال " كيلا يجنح قلمي فيصيب أحد الزعيمين بما لا أريده لهما ، لا أريد أن أقول أن صالح جبر قد سمح لنفسه بالتوغل في معاداة نوري السعيد والإمعان في الكيد له طيلة الثلاث سنوات الماضية عندما كان السعيد بعيدا عن الحكم. ولا أريد أن أقول أن لدى السيد نوري السعيد رغم بلوغه السابعة والستين ذاكرة قوية ترفض أن تنسى او تغفر . والحق يقال ، للتاريخ ، أن وطنية صالح جبر كانت أرقى وانصع من أن يصيبها مثل هذا الطعن" . وهذا رأي بحاجة إلى الكثير من النقاش ، والواقع أن في تأريخ العراق شخصا واحدا استطاع أن يزعج نوري السعيد ويقلقه اكثر من سواه هو صالح جبر .

عن رسالة ( صالح جبر ودوره السياسي )