في ذكرى ولادة امير الشعر العربي في 22 حزيران 1861 الملا عبود الكرخي.. طرائف ومواقف

في ذكرى ولادة امير الشعر العربي في 22 حزيران 1861 الملا عبود الكرخي.. طرائف ومواقف

اعداد : ذاكرة عراقية
حقيقة ولادته
ولد عام في حزيران1861 في جانب الكرخ من بغداد (حسب دفتر نفوسه وجواز سفره)، ولكن الادلة والقرائن تحدد ولادته بعام 1855م، يؤيد ذلك قول الشاعر نفسه في عدة مواضع من شعره انه بلغ التسعين وربما تجاوزها:

قد بلغت من العمر تسعين عالم
لم تكن الا خيالا في منام
انا شيخ وهمتي همة غلام
واسيب عالحيطان سيبة حيه
واكد ذلك بقوله مخاطبا المرحوم حكمة سليمان:
وعمري قد بلغ تسعين سنة يا قدوة الاوطان
وقال ايضا في قصيدته (الخرافيات):
رجلي ييلي كبري مهريش وسني
بلغ تسعين، سل عني الحبوبات
ولكن الاكثر اهمية ووضوحا قوله:
وبحذر (القناة) افطن انا رجال
ولما كانت قناة السويس قد احتفرت عام 1859 وافتتحت عام 1869 وانه مر بها وهو (رجال) والرجال في عرف الناس ايام زمان من بلغ سن الحلم (14 -15) سنة – مع قطار الابل الذي يحمل تجارة والده، فيكون تاريخ ولادته الاصح والارجح هو 1855 م وليس 1861م، وهذا ما يراه الاستاذ د. زاهد محمد، في كتابه (دراسات عن الملا عبود الكرخي).
. اول حب .. واول زواج
كتب المرحوم حسين حاتم الكرخي عن جده الملا عبود الكرخي الشيء الكثير ، ومما ذكره عن النساء في حياة جده عن اول حب مر به الشاعر الكبير فقال :
تعلق قلب شاعرنا المرهف في صدر شبابه بفتاة اسمها (عذية) بمعنى طيبة وهي من الفصيح.
(عذية) كانت تسكن محلة (سوق الجديد) من كرخ بغداد، منافسه في حبها شاب من أبناء محلتها، اسمه صالح، فشاع خبر هذا الحب بين الناس، فاضطر اهل الفتاة الى هجر المحلة. والانتقال الى مدينة الهندية (طويريج) دفعا للمشاكل، فلما علم شاعرنا المتيم بذلك. اشتعل قلبه بنار الحب ومرارة الفراق، ولم يجد وسيلة للتنفيس عن ألمه غير الشعر ينظمه، ويتسلى به. ومنه هذه القصيدة التي تسيل رقة وعذوبة :
يكلون حبي ساكن (الهندية)
ومنها :
ادعو بالقرآن والفرد الصمد
بكل صباح وكل مسه ليلية
بكذب الإخبار حتى استريح
من فراكه امطبر بجبدي طريح
ومثل طارش بالخلة وزادي شحيح
عالسراب اركض عبالي اميه
شوف همي، قط ما ينكس يزيد
وعادة ينكص لان حبي بعيد
تهيج ناري من امر (سوك الجديد)
والمشرف بين الترف كاسر فيه
وبنفس الوقت عرج على منافسه (صالح) والهبه بسياط نقده، بقصيدة طويلة تقع في (71 بيتا). افرغ فيها كل غضبه وحنقه، لتسبيه في ابتعاد حبيبته عنه، وحرمانه منها، هذه الخريدة تعتبر من الكواكب اللامعة في سماء الادب الشعبي، نكتفي بذكر مطلعها، لانها تدخل في باب الشعر الصريح المكشوف.
يا (صويلح) هذي اعمالك تره بيها طيحة حظ واكلان الـ..
وبعد فشله في هذا الحب. ظل فترة من الزمن كسير الفؤاد، مضربا عن الزواج ولكنه بتأثير من والده واهله، تزوج عام 1897م قريبة له هي (ب.ح)، فهدأ واستقر، واهدته ثلاثة اولاد وبنتا واحدة. قرت بهم عينه، وهم نجم (1898 – 1964)، حاتم (1900 – 1974)، نايف (1905-1956)، مضوة (1906 – 1985) .

الكرخي ومقهى البيروتي
نسبت هذه المقهى الى صاحبها الحاج محمد البيروتي. الذي نزح من بيروت ابان العهد العثماني واتخذ الحاج جانب الكرخ مستقرا ومقاما له منذ سنة 1897م وظل يدير هذه المقهى والتي صارت منتدى لوجوه بغداد وعلمائها وشعرائها من كل حدب وصوب وقد توفي الحاج محمد البيروتي سنة 1916،مخلفا ابنه ابراهيم وعبدالفتاح وقد احترفا حرفة ابيهم.
كانت مقهى البيروتي تعتبر بمثابة نادِ عام،وملتقى الجميع التجار ومضرب موعد لجميع الذين يقدمون من خارج بغداد ومن جنوب العراق خاصة وكانوا يحملون معهم الكثير من الرسائل ويسلمونها الى ابراهيم البيروتي وهو بدوره يوزعها بين اصحابها من رواد المقهى. اما ما يتبقى من الرسائل فيصفها فوق “رف خاص بالرسائل” اوفوق صندوق الرسائل ليتسلمها صاحبها حين يمر بمدخل المقهى. كان التختان المتقابلان في مدخل المقهى مخصصان للشعراء والادباء امثال الملا عبود الكرخي والحاج مجيد مكية، ومحمد سعيد التكريتي وكاظم القهراوي وشكر الملا حسين وتوفيق الخانجي عم الاستاذ يوسف العاني ومحمود الحاج جواد الشكرجي وفائق التكريتي وداود الوتار. ولم تكن في عهد محمد البيروتي العاب الورق والدومنيو والترد والزاد الصينية داخل المقهى وقد دخلت بعد وفاته .
وتولى ابراهيم ادارتها فانقلب جو المقهى من الهدوء والراحة الى صخب وضجيج مما اضطر عدد من روادها الى تركها والجلوس في مقهى اخر، وكان اول التاركين الى هذه المقهى هو المرحوم فائق التكريتي حيث جاء في قصيدة الشاعر الملا عبود الكرخي المنظومة عام 1924م:

ترك “كهوة البيروتي الشهم “فايق التكريتي”
تركها، حق معاه قمار بيها لعب ليل نهار
كال “الصاي” كال الزار كال انطيني “صينيتي
انا مثلك اخي ذايق مرار، وانهزم نيتي
تسمع فقط حس صايات تترادم على الميزات
وهرجه وضجه وللفوات الاحسن اكعد بيتي

طريفة
ومن الطريف مارواه الاستاذ قصي عدنان الكيلاني المحامي، قال: مر جدي لامي محمود عارف اغا ذات يوم بخياط له في سوق الخياطين المؤدي الى شارع السموال، فوجد عنده قطعة قماش فاخرة اعجبته كثيرا، فاحب ان يخيطها (صابة وجاكيت)، فاعتذر الخياط قائلا – جلبي! هذا القماش مال ملا عبود، شيخلصني من لسانه اذا خيطته الك؟
فاجابه: انت ما عليك، اني والملا نتفاصل، فسكت الخياط على مضض وهو في غاية الحرج. وفي اليوم الثاني مر الملا عبود بالخياط فافهمه بما دار بينه وبين الجلبي امس فقال له – كوم اخذ لي اولجي، وراح تسمع شلون اخلي محمود جلبي تكب روحه ويتشاءم من هل قماش؟؟ دون ان يزعل عليك وعلي.
وبعد يومين اجتمع الكرخي بالجلبي في مجلسه، فسأله الجلبي – ابو نجم! ما تكلي القماش الشفته عند الخياط منين (من اين) اشتريته؟ فاجاب الملا والله جلبي اشتريته من فد واحد، مات على غفلة وره (بعد) ما اخذته منه بساعة؟؟
فارتعب الجلبي (كشت روحه) وتشاءم، وتعوذ من الشيطان، ولم يراجع بعدها الخياط بشان القماش ابدا، كما انه خشي ان يدخل في معاملة يكون صديقه الكرخي طرفا فيها، والمعروف ان الجلبي كثير التشاؤم، والكرخي يعرف هذه الصفة فيه، ولذلك فانه استطاع عن طريق نقطة الضعف هذه، ان يحتفظ بقماشه لنفسه وبصداقة صاحبه محمود جلبي وهذا من بديع حسن التخلص .

عن ( المدونة البغدادية )